السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحببتها ولم أرها

أحببتها ولم أرها
أحببتها ولم أرها




د. على الشامى يكتب:

بيتر اليتش تشايكوفسكى موسيقى روسى عظيم أبدع العديد من المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية الساحرة والأوبرات الرائعة لعل أشهرها بحيرة البجع وكسارة البندق وغيرها من روائعه الخالدة وعلى الرغم من كل هذا المجد إلا أنه لم يعش سعيدا، قضى طفولة صعبة الملامح فى إحدى المدارس الداخلية وعندما بدأ فى العمل والشهرة وتحقق له بعض المجد جاءته رسائل من فتاة مجهولة تخبره انها ستنتحر إن لم تلتقه، تجاهل الرسائل فازداد إلحاح الفتاة وجنونها فالتقاها وتزوجها لكن صار بينهما نفور عظيم لغرابة طبعها ومرضها النفسى الذى احال حياتهما الى جحيم غير مكتمل لتستقر هى بعد سنوات من انفصالهما فى مستشفى للامراض العقلية ويستمر صعود الرجل لتأتيه رسائل اخرى من رسائل القدر هذه المرة من ثرية روسية تدعى «ناديجدا فون مك» تعشق أعماله وتعشقه رفض لقاءها فاستمرت فى التواصل عبر الرسائل البريدية وكانت تمده بالمال ورسائل الحب وكان يمدها بالرسائل والموسيقى عبر سنين طويلة تصل بها بعض المصادر الى عشرين عاما! وكان يلقبها ايضا بـ «عنايتى الالهية» ثم انقطعت الرسائل ولكن لم ينقطع الحب ولا الاهتمام وعندما وافق تشايكوفسكى على اللقاء وحضرت السيدة فون مك كان تشايكوفسكى قد فارق الحياة لتعقبه هى بشهرين فقط وفاء لقصة الحب البريدية!
عرف أدبنا العربى مثل هذه الحالة العذرية أيضا عبر قصة الحب المتبادلة بين اثنين من أهم أدباء عصرهما بل لا نبالغ إن قلنا من أهم أدباء العربية الأول هو أحد رواد أدب المهجر جبران خليل جبران اللبنانى المقيم فى نيويورك والثانية هى الأديبة الانسة مى زيادة وكانت الرسائل المتبادلة بين جبران ومى من القاهرة الى نيويورك هى رسول الغرام فلم يلتقيا ابدا ورغم كل المحبين المنتظرين على بابها إلا أن مى احبت رجلا على بعد آلاف الكيلومترات لا تربطه بها سوى بضعة اوراق ومشاعر وافكار تقول مى فى احدى رسائلها لجبران: ما معنى هذا الذى أكتبه؟ إنى لا أعرف ماذا أعنى به، ولكنى أعرف أنك محبوبى، وتضيف بعدها: كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا. وكيف أفرط فيه؟ لا أدري.
الحمد لله أنى أكتبه على الورق ولا أتلفظ به لأنك لو كنت الآن حاضرا بالجسد لهربت خجلا بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمنا طويلا، فما أدعك ترانى إلا بعد أن تنسى. أما جبران فيقول لها فى احدى رسائله من نيويورك إليها فى القاهرة حيث كانت تسكن وتقيم صالونها الادبى الشهير الذى تحلق حوله عظماء عصرها من الادباء والمفكرين: ما أجمل رسائلك يا مى وما اشهاها فهى كنهر من الرحيق يتدفق من الأعالى ويسير مترنما فى وادى أحلامى بل هى كقيثار أورفيوس تقرب البعيد وتبعد القريب وتحول بارتعاشاتها السحرية الحجر إلى شعلات متقدة والأغصان اليابسة إلى اجنحة مضطربة.
وتمر السنون ويرحل جبران وتظل مى وفية له وتتعرض لضغوط شديدة فتودع فى مستشفى العصفورية للامراض العقلية بلبنان وبعدها بشهور تعود للقاهرة لتقيم بها حتى وفاتها.
الكثير من القصص عبر التاريخ الانسانى حملت معانى الوفاء والإخلاص لذلك الوهج الذى ينبت فى القلب ويعذب صاحبه أبدا لا هو يذوى فيرتاح صاحبه ولا هو يجد الحطب فيستعر.