الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التنمية السياسية ومأزق الدول العربية!

التنمية السياسية ومأزق الدول العربية!
التنمية السياسية ومأزق الدول العربية!




د. محمد محيى الدين حسنين يكتب

شهدت المنطقة العربية خلال السنوات القليلة الماضية طوفان من التغيرات السياسية، تحت مسمى الربيع العربى، الذى تحول إلى خريف موحش، ضربت الفوضى خلاله معظم الدول التى شهدته، بل وأصبحت معرضة للتقسيم والانهيار، وقد اثبتت تلك الأحداث ان مشكلة النظم العربية تكمن فى أن قيام تلك النظم بتنفيذ مشروعات اقتصادية واجتماعية سواء استجابة حقيقية لرغبات شعوبها أو من أجل التحلى بمظهر حضارى يعطى للنظام لونا من الشرعية والحداثة تنسى أنها بذلك تخلق طلبا متزايدا على الوظائف العامة وقدرا اكبر من الوعى السياسى، وارتفاعا لسقف التوقعات والتطلعات الفردية والجماعية نتيجة زيادة عدد المتعلمين والعائدين من البعثات وتطوير وسائل الاتصال ومن ثم اتاحة الفرصة لطبقات المجتمع المختلفة للانفتاح على العالم الخارجى وعلى الافكار المختلفة والتكنوجيا الحديثة، ويتزامن ذلك مع عدم قدرة او رغبة من تلك الانظمة والحكومات فى الاستجابة لتلك الزيادة فى الطلب واعتمدت على أشكال سياسية صورية لا تمارس أو لا يسمح لها بممارسة دورها، ومن ثم نشوء فجوة بين متطلبات الشعوب السياسية وقدرة ورغبة الانظمة على الوفاء بها..تلك الفجوة ادت الى خلق تزايد جماعات المعارضة غير المنظمة والتى لم تجد قنوات شرعية للتعبير عن آرائها فلجأت الى قنوات فضائية مشكوك فى اهدافها وتوجهاتها وغير معروف مصادر تمويلها ووقعت فريسة للمتربصين بدولهم كما أدت تلك الفجوة أيضا إلى تنامى العمل السرى الذى أدى بدوره إلى ظهور ارهاب سياسى وفكرى ومن ثم حدوث خلخلة فى الاستقرار السياسى تعثرت بسببه عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبدلا من أن تدور عجلة التنمية الى الامام فقد ادت الى التراجع على كل المستويات ومن ثم تفاقمت مشاكل تلك المجتمعات واضافة مشاكل جديدة كالبطالة والتفكك الاسرى وغيرها مما انعكس سلبا على قدرة النظم على قيادة حركة التنمية ودخلت فى حلقة مفرغة انتهت بطوفان مازلنا نعانى من آثاره السلبية.
وامام كل تلك التعقيدات، وحتى لا نواجه خريفا عربيا جديدا، نجد اننا بحاجة الى خطة لاحداث تنمية سياسية حقيقية للخروج من ذلك المأزق تهدف إلى زيادة قدرة النظم السياسية على التطور بشكل يسمح لها باستيعاب مخرجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستجابة لتزايد الرغبة فى المشاركة الشعبية فى عملية اتخاذ القرار وتوسيع مساحة الحرية فى التعبير عن الاختلاف أو الاتفاق مع سياسات الحكومات ولتحقيق تلك الخطة هناك بعض المحددات التى يجب اخذها فى الاعتبار:
اولا: الحلقة المفرغة التى تدور فيها معظم الدول العربية تحتاج إلى ضبط سرعة التنمية الاقتصادية مع التنمية السياسية وان تتم كل منها بشكل تكاملى مع الاخرى وفق قواعد قانونية ودستورية تسمح بالانتقال السلمى للسلطة من مجموعة الى اخرى بدعم شعبى حقيقى لا يتحمل مسئولية الاختيار فقط بل ويتحمل مسئولية تسيير العملية السياسية بشكل ايجابى.
ثانيا: الزمن عنصر هام فى التنمية بكل اشكالها بما فيه التنمية السياسية وهو عنصر يمكن اختصاره أو تسريعه ولكن بشكل يسمح باستيعاب الشعوب لكل مرحلة قبل الانتقال للمرحلة التى تليها فالتنمية والتطور السياسى يأتيان بالتدريج ولا ننسى ان النظم السياسية المستقرة فى الغرب أو الشرق أخذت سنوات عديدة لتأخذ شكلها الحالى وكأى كائن حى فإن تلك النظم مازالت تتطور حتى الآن.
ثالثا: يجب أن يأتى التطور وفق معايير عقلانية وعملية تأخذ فى اعتبارها توازنات العصر ومصالح الدولة الوطنية بعيدا عن الرومانسية السياسية والشعارات التى مازالت تكبل تلك الانظمة وتعقد العملية التنموية..وأخيرا فان الدعوات الاصلاحية التى نسمع عنها، وان كانت محمودة، الا انها دعوات لمسكنات وعلاجات جزئية وعليها ان تتطور لتأخذ مفهوما تنمويا واستراتيجيا يتدرج وفق منظور شامل لطبيعة وتاريخ وثقافة مجتمعاتها، فالاصلاح قد يأتى بقرار سلطوى او تعديلات دستورية او حتى بدساتير جديدة ولكن التجربة اثبتت ان عمليات الاصلاح حتى وان صدقت النوايا لا يحل مشكلة تلك المجتمعات والتى تحتاج الى حركة تنموية مستدامة تعتمد على استمرار الممارسة والصبر عليها حتى تؤتى أكلها.