الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

المهرجان.. والميلودراما

المهرجان.. والميلودراما
المهرجان.. والميلودراما




عاطف بشاى يكتب

سطت «الميلودراما» سطوا شرسا على مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الـ«37».. فجاء عدد كبير من الأفلام المعروضة غارقا فى ظلال من الكآبة مكتظا بالفواجع الإنسانية التى تكرس للحزن الطاغى وتخاصم البهجة.. والأفلام  تثير من جديد الجدل القديم حول فن «الميلودراما» معناه وأهميته وهل هو فن قائم بذاته.. له أساسه التاريخى والتراثى وله محاسنه وعيوبه أم أنه مجرد مرحلة منحطة فى تاريخ الدراما.
يورد الدكتور «على الراعى» فى دراسته القيمة حول.. «الميلودراما» المصرية والعالمية يلخص فى هذا الفن فيقول: «غاب جحا عن أهله أعواما ثم عاد وقد برح به الشوق فسأل أول من طالعه على قارعة الطريق هل هم جميعا بخير.. فأخبره الرجل: نعم.. اللهم كلبك الأمين.. قال: ما خطبه؟!.. قال: أصابه سعار فعض أخوك فقتلوه.. قال: وما فعل الله بأخى؟!.. قال: هلك فماتت أمك حزنا عليه قال: وارحمتاه لوالدى المسكين.. قال: هون على نفسك.. فأبوك قد أراحه الله من زمن فقد قتله الحزن على أخيه الذى ذبحه اللصوص»..ولولا أن «جحا» المسكين أدرك غراب البين بضربة صرعته لزف له مصارع أهله أجمعين.
أى أن الميلودراما فى رأيه فن ردىء.. لا يعبر تعبيرا حقيقيا عن الواقع ولأنه ذو أثر مؤقت حيث يعتمد على صدمات زائفة لا يمكنها بأى حال من الأحوال أن  تتعامل مع ضمير وعقل المتلقى الواعى.. فمؤلفو «الميلودراما» يزايدون على أنفسهم وعلى بعضهم البعض فى سبيل الحصول على أثر مبالغ فى قوته وفى ابتعاده عن الواقع وعن منطق الأحداث.. وبالتالى فإن هذا الأثر يصبح - بمرور الوقت - ضعيفا متهافتا لعدم اتساقه اتساقا عضويا صحيحا مع الواقع الحى الملموس.. ويغرق العقل فى عاطفة تستدر الدموع وتستدعى التأوهات فى عالم يسيطر عليه الأشرار الذين يمتد تأثيرهم من الفرد إلى البيئة المحيطة كلها وتستعين «الميلودراما» هنا بحيل «الحبكة» كى تزيد من اقتناعنا بوجود الشر ومن بين هذه الحيل: الصدفة الكبيرة والمبالغة وخطابية الحوار وتركيب الحادثة المثيرة فوق الحادثة المثيرة.
ففى الفيلم المصرى «فى يوم» وهو يمثل تيار السينما البديلة للمخرج الشاب «كريم شعبان» البالغ القتامة الذى يعكس كوارث وأزمات مجتمع خال من الحب ومن الإحساس بالأمان ويعانى أفراده من عبثية الوجود والشعور الخانق بالعبث والعدمية.. ينتهى بأحداث خانقة وزاعقة.. حيث تحمل شخصيات «الميلودراما» نعشا على أكفانها يمثل خواء الإنسانية من بصيص أمل يمثل أى حق فى الحياة.. انهم بهذا النعش يشيعون أنفسهم ويقدمون اعتذارا عن وجودهم فى واقع كابوسى لا ينعم فيه بالاستقرار والسعادة سوى «حفار القبور».
وفى فيلم «من ضهر راجل».. بطولة «آسر ياسين».. يفجع فى والده الذى كان يعتبره مثله الأعلى فهو شيخ الجامع التقى «محمود حميدة» ليكتشف أنه كان بلطجيا هاربا من قضايا قتل وتسبب بإهماله لوالدته لحظة ولادته وتركها دون رعاية مما أدى إلى وفاتها.. فيقرر البطل «الميلودرامى» أن يقتحم عالم البلطجة أسوة بأبيه لإنقاذه من السجن وإرضاء لضابط المباحث الذى كان يريد أن يعمل مرشدا لديه..
ثم تبلغ الميلودراما نقطة التوهج بالتيمة السخيفة التى تكشف عن صدفة أنه والشيخ الشاب الذى يلعب دوره «شريف رمزى» يتصارعان على حب البطلة «ياسمين رئيس».
الفيلم إذا نموذج لفجاجة الميلودراما التى تجمع فى سلة واحدة كل عناصرها من عنف وبلطجة وصدف وأحداث ملفقة ومواقف مخترقة.. كحادثة اختطاف ابن الضابط واغتصاب «آسر ياسين» لـ«ياسمين رئيس» ثم محاولة الإجهاض.. انتهاء بمقتل البطل الفاجع..
وفى الفيلم المجرى «طفلة الأربعاء» بطولة «زولتى أتتال» التى تمثل دور أم مراهقة بائسة لطفل فى الخامسة من عمره جاء نتيجة علاقة غير مشروعة مع صديقها «كريس».. تضطر أن تقطن معه فى أحد مساكن العشوائيات.
تتجسد الميلودراما فى مفارقة بقدر ما تعكس تناقضا حادا فى سلوكها المتمرد والإجرامى حيث تحترف السرقة.. فإنها تتعامل بطريقة بالغة الرقة والإنسانية مع طفلها.. وتبدو أما رائعة تحرص على مبادئ الأخلاق والقيم.. بل إنها تسعى للتطهر من خلال البحث عن عمل شريف.. لكن «الشرير» كما فى «التقسيمة الميلودرامية» يقف لها بالمرصاد ويجهض حلمها.
ونعنى «بالتقسيمة الميلودرامية».. أن عالم الميلودراما الشعبية يصور دائما الخير وقد تصدى له الشر.. والبطل وقد برز له الشرير.. والأبطال جميعا وقد انتصب أمامهم عالم شرير.
فرثاء المتلقى لحال البؤساء الذين يجسدون المآسى لابد أن يصاحبه - وهذا هو الأهم فى الميلودراما - الخوف من الشرير الذى يعتبر العقبة الكبرى أمام الناس فى الحياة كلها..