الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثلاثة سيناريوهات لمستقبل العلاقات الأمريكية الإيرانية




 
رسم معهد الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الأمريكية صورة لشكل العلاقات المستقبلية بين أمريكا وإيران فى دراسة للباحثين ألين كيسويتر وروبى باريت وأكدت الدراسة أن العلاقة الأمريكية الإيرانية انتابتها تجاذبات ومشاحنات أدخلت العالم فى حالة من الغموض السياسى، وجعلت بعض المراقبين والمحللين السياسيين لا يستبعدون توجيه الولايات المتحدة أو إسرائيل ضربة قاضية لإيران. وأوضحت الدراسة أن المدقق فى واقع تلك العلاقة المضطربة يكتشف أن الأمور كلما بلغت حافة الهاوية عادت من جديد إلى ساحة الحوار والمفاوضات.
 
وحسب الدراسة لا تعتبر مسألة الملف النووى الإيرانى وما يثار حولها من لغط سوى الرافعة التى تستخدمها إيران لتصير دولة إقليمية عظمى فى المنطقة. ويبدو أن جل ما تسعى إليه الولايات المتحدة هو شل البرنامج النووى عن طريق حمل إيران على وقف إنتاج الوقود اللازم لصنع قنبلة نووية.
 
ولدراسة القضية الإيرانية وأبعادها بعمق، عقد عشرون باحثا بمعهد الشرق الأوسط وضيوف من خارج ذلك الكيان البحثى حلقة نقاش فى الرابع عشر من شهر يونيو المنصرم، وركزت مناقشتهم على ثلاثة سيناريوهات، هى: الدبلوماسية، الاحتواء، العمل العسكرى. وقد أعد الباحثان بمعهد الشرق الأوسط ألين كيسويتر وروبى باريت ملخصا لتلك المناقشة فى مستهل شهر أغسطس المنصرم تحت عنوان: «معالم العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران حول القضية النووية فى العام المقبل».
 
وقد انقسم المشاركون فى تلك المناقشة إلى مجموعتين؛ مجموعة حللت سياسة الولايات المتحدة والسياسة الإيرانية ودور إسرائيل فيما يتعلق بالسيناريوهات، ومجموعة ثانية ركزت على ردود فعل كل من دول مجلس التعاون الخليجي ومجموعة الخمسة زائد واحد (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا) وأسواق الطاقة إزاء السيناريوهات المطروحة.
 
 
وحرص معدا التقرير على حصد نقاط اتفاق واختلاف المجموعتين.
 
وترى دراسة الباحثين أن السياسة الأمريكية إزاء إيران تنم عن مخاوف بشأن أمن كل من إسرائيل والخليج والطاقة، وبشأن الانتشار النووى كذلك. وأشار الباحث إلى أن ثمة مسألتين تقيدان الخيارات قصيرة الأجل المطروحة أمام الإدارة الأمريكية؛ وهما: الحفاظ على الإجماع الدولى على سياسة الشدة واللين مع إيران، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
 
ويذكر أنه فى أعقاب فشل محادثات مجموعة الخمس زائد واحد مع إيران فى شهر يناير من عام 2011، صبت الولايات المتحدة تركيزها على انتهاج سياسة الضغط ضد إيران؛ إذ نجحت فى حصن الاتحاد الأوروبي على حظر استيراد النفط الإيراني، ووقع الرئيس أوباما على قانون يحظر على أى بنك التعامل مع البنك المركزى الإيرانى فيما يتعلق بمشتريات النفط. ومن ثم تراجعت صادرات النفط الإيرانية بنسبة 40٪ تقريبا حتى الآن فى مقارنة بمتوسطها اليومى فى عام 2011؛ بل ومن المتوقع أيضا أن تنخفض الصادرات أكثر من ذلك. وعلى الرغم من صرامة العقوبات المالية المفروضة على إيران، يرى البعض أن العقوبات وحدها لن تكفى لتثنى إيران عن نواياها العدوانية.
 
ويفند التقرير السيناريوهات المحتملة للسياسات التى قد تتبع مع إيران فى الفترة المقبلة من وجهة النظر الأمريكية، وذلك كمايلى:
 
أولاً: الدبلوماسية
 
يرى الباحثان أن دبلوماسية الولايات المتحدة مع إيران فى الفترة المقبلة قد تكون قصيرة المدى أو ممتدة وأوضحا ذلك كمايلى:
 
(الدبوماسية قصيرة المدى):
 
وفقا لتوقعات الباحثين، ستحرص إدارة أوباما حتى انتخابات نوفمبر على مواصلة المفاوضات مع إيران، ومن المستبعد أن تقدم الولايات المتحدة أو إيران أى تنازلات حاسمة قبل الانتخابات الرئاسية. ومن وجهة نظر إدارة أوباما، سيكون التطور المثالى فى القضية هو إبرام صفقة صغيرة مع إيران تحول دون شن أى عمل عسكرى ضدها. أى أن المفاوضات فى المدى القريب ستنطوى فى أحسن الأحوال على نمط منتظم من المناقشات التى يمكن أن تخفف من حدة الدعوات بشأن توجيه ضربة لإيران، على أن يكون ذلك بجانب إنشاء قنوات اتصال خاصة تكون مفيدة فيما بعد.
 
(الدبوماسية الممتدة)
 
بمجرد انتهاء الانتخابات؛ يمكن أن تنظر الإدارة الجديدة فى اتفاق أوسع نطاقا. المقترحات التى قد تطرح حينئذ الاعتراف بحق إيران فى تخصيب اليورانيوم إلى درجة محدودة (أى ما بين 3.5٪ و 5٪) فى مقابل موافقة الجمهورية الإسلامية المراقبة على منشآتها النووية وتفتيشها. غير أنه لم تناقش تلك المسألة حتى هذه اللحظة، على حد قول مسئول سابق فى الإدارة الأمريكية.
 
ومع ذلك، يسلط التقرير الضوء على أن أى اعتراف بحق إيران فى التخصيب سيتعارض مع قرارات مجلس الأمن الخمسة، وسيصعد الحساسيات مع إسرائيل، وسينفر أنصار الولايات المتحدة من الإسرائيليين، وسيفسح المجال أمام الجمهوريين لاتهام الرئيس بأنه «متهاون مع إيران»؛ بل وربما يحفز فكرة توجيه ضربة لإيران.
 
ولن تكون هذه المخاطرة مقبولة لدى الإدارة فى وقت لاحق، سيتوقف ذلك إلى حد اعتقاد الخبراء. وحتى إذا قبلتها الإدارة فى وقت لاحق، سيتوقف ذلك إلى حد كبير على مدى قدرتها على تخفيف حدة هذه المخاطر، لا سيما تلك المخاطر المتعلقة بإسرائيل.
 
ويمكن أيضا أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات أكثر صرامة على طهران، على حد قول مسئول فى الإدارة الأمريكية. وعلى النحو المقترح فى الكونجرس، يمكن أن توسع العقوبات المفروضة على البنك المركزى الإيرانى لتشمل حرمان الجمهورية الإسلامية من الصادرات أو الواردات جميعا.
 
بيد أن ذلك النوع الصارم من العقوبات قد لا ينال دعماً كافياً، خاصة إذا كانت له آثار سلبية على الشعب الإيرانى ذاته. وعلاوة على ذلك، يجب الحفاظ على مستوى معين من صادرات النفط الإيرانى من أجل الحفاظ على الاستقرار فى أسواق النفط العالمية.
 
وحسبما أفرد التقرير ما زال من الصعب التكهن بالسياسات التى قد ينتهجها رومنى إذا فاز فى انتخابات نوفمبر الرئاسية، وذلك بسبب موقفه المتعنت إزاء إيران. أما إذا سادت الأجواء المعتادة بعد نتيجة الانتخابات، سيكون جل ما يركز عليه الرئيس الجديد فى الأشهر القليلة الأولى هو التعيينات، والتنظيم، والقضايا الاقتصادية والمحلية الأمريكية. ولكن ذلك لا ينفى أن الأحداث قد تلعب دورًا فى تغيير هذا الروتين السائد.
 
ثانيًا: الاحتواء
 
رغم رفض الرئيس أوباما اتباع سياسة الاحتواء مع إيران وتشديده على حرص الولايات المتحدة على عدم حيازة طهران سلاح نووى؛ يرى بعض الباحثين أنه من الضرورى إحياء سياسة الاحتواء وإبقائها على الطاولة إلى جانب العمل العسكرى، وذلك لكونها جزءًا لا يتجزأ من سياسة الضغط، على حد وصفهم.
 
ثالثًا: العمل العسكرى
 
مازال الخيار العسكرى مطروحا على الطاولة، فيبدو أن الرئيس أوباما قد يلجأ إليه كملاذ أخير، على حد وصف التقرير. ويذكر أن الرئيس أوباما صرح من قبل بأن إيران ستكون قد تجاوزت الخط الأحمر إذا قرروا بالفعل تطوير سلاح نووى. ومن ثم يرى الباحثان أن الخيار العسكرى مازال مستبعدا طالما لايزال ثمة وقت للدبلوماسية.
 
صوت واحد
 
يرى باحث متخصص فى الشئون الإيرانية أن المرشد الأعلى خامنئى عزز سلطته من خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وأن إيران باتت تتحدث بصوت واحد أكثر من أى وقت مضى. وفى حين لايزال ثمة جدول حول طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة؛ ترى النخب السياسية أن الولايات المتحدة لا تتطلع فى القضية الإيرانية إلا إلى تغيير النظام الإيرانى القائم، والحد من سلطة الدولة؛ فهم يرون ازدواجية فى المعايير تدفعهم إلى التساؤل عن أسباب سماح الولايات المتحدة لإسرائيل دون إيران بحيازة أسلحة نووية. وفيما يتعلق بمسألة توجيه ضربة لإيران، يشير الباحث إلى أن كافة النخب تدرك تمامًا أن عواقب الهجوم العسكرى ستكون خطيرة للغاية.
 
وأرجع العديد من باحثى معهد الشرق الأوسط عدم رضوخ إيران للدبلوماسية النووية إلى ثقتها المفرطة فى نفسها، وغطرستها، بيد أن ذلك لم يمنعها أيضًا من أخذ احتياطاتها لتأمين نفسها على حد قولهم. فعلى سبيل المثال، سعت إيران لتركيب رادار روسى الصنع فى سوريا يمكنه رصد النشاط الجوى لمعظم إسرائيل.
 
وأكد ضيف بمعهد الشرق الأوسط أن ثمة توافقًا فى الآراء داخل مؤسسة الأمن القومى الإسرائيلية بشأن كون التهديد الذى تشكله إيران خطيرًا لدرجة تدفع القوى الغربية إلى ردعها عن حيازة أى سلاح نووى. فبالنظر إلى أفعال إيران، مثل تمويلها حزب الله وحماس؛ ستشكل إيران النووية تهديدًا على بقاء إسرائيل، على حد وصف الضيف الخبير الذى أشار أيضًا إلى أن ثمة خلافا داخل إسرائيل حول الخطوات الواجب اتخاذها ضد إيران وسبل ردعها.
 
ومن ناحية أخرى؛ لفت الخبير إلى أن الإسرائيليين يستبعدون إمكانية تفاوض إيران بحسن نية؛ فهم يرون أنها لن تنخرط فى المفاوضات إلا بنية التملص من العقوبات.
 
لذا وضع الإسرائيليون شروطا صارمة بشأن الاتفاق الدبلوماسى، وهى إلغاء التخصيب، وقبول المراقبة والتفتيش، وعدم رفع العقوبات لحين استيفاء هذه الشروط. ومن ثم يتجلى أن سياسة الاحتواء مسألة واردة بالنسبة لإسرائيل.
 
يعتقد الخبير أن التساؤلات الدائرة فى إسرائيل فى الوقت الراهن هى: هل بإمكان إسرائيل ضرب وتدمير البنية التحتية النووية لإيران؟ وهل لدى المنشآت الإيرانية المخبأة تحت الأرض القدرة على الحفاظ على برنامج نووى متقدم حتى بعد تعرضها لهجوم؟ وكيف سيكون رد فعل الإيرانيين على الهجوم؟ وهى أسئلة لا بد من الإجابة عنها لتحليل مخاطر الهجوم العسكرى، على حد قول الخبير الذى نوه أيضًا إلى أنه لا ينبغى استبعاد شن إسرائيل هجومًا أحادى الجانب؛ فنتانياهو من الزعماء الذين إذا أرادوا شيئًا فعلوه رغم أنف المعارضين.
 
وقد اختلف باحث بمعهد الشرق الأوسط مع آراء الخبير المطروحة هذه؛ حيث يرى الباحث أن تصريحات نتنياهو تنطوى على خدعة من شأنها الضغط على الولايات المتحدة لاتخاذ موقف متشدد إزاء إيران من جهة، وتخويف الإيرانيين من جهة أخرى. كما أشار الباحث إلى أن نتنياهو حذر للغاية فى تعامله مع القضايا المتعلقة بالأمن القومى.
 
وأفاد التقرير أنه لم يكن ثمة أى توافق فى آراء الباحثين بشأن كون «الخدعة» جزءًا من ممارسات إسرائيل؛ إلا أن الجميع أجمعوا على أن الإسرائيليين يعتبرون إيران دولة غير عقلانية.
 
هذا ورأى العديد من الخبراء أن الحرب قد بدأت بالفعل مع الاغتيالات والهجمات الإلكترونية على أنظمة الكمبيوتر والأجهزة النووية الإيرانية، بل وأجمعوا على أن تلك الحرب السرية لن تحول دون حيازة إيران أسلحة نووية.
 
وأشار آخرون إلى أن إسرائيل قد تتحرك قريبًا ضد إيران بدون إشعار الولايات المتحدة.
 
ردود أفعال
 
ركزت المجموعة الثانية من الباحثين على ردود فعل كل من دول مجلس التعاون الخليجى، ومجموعة الخمسة زائد واحد، وسوق الطاقة العالمى إزاء السيناريوهات المطروحة. وفندها التقرير كما يلى:
 
دول مجلس التعاون الخليجى:
 
يتوقع باحث بمعهد الشرق الأوسط أن تواصل دول مجلس التعاون الخليجى اتحادها لإحباط النفوذ الإيرانى، غير أن كل دولة ستتعامل مع القضية الإيرانية مختلفة عن الأخرى، على حد اعتقاده. فالمملكة العربية السعودية والبحرين وأبو ظبى مثلا سيرغبون فى رؤية النظام الإيرانى منهارا. فى حين ستتلافى قطر ودبى وعمان الدخول فى صراع مع إيران خوفا على علاقاتهم التجارية معها. هذا وأشار الباحث إلى أن العرب ليسوا فى وضع يسمح لهم بشن عمليات عسكرية من جانب واحد ضد إيران، مستبعدا مشاركتهم بنشاط فى أى هجوم إسرائيلى ضد إيران. وقد يكون جل ما سيقومون به هو دعم الهجوم بدون المشاركة فيه.
مجموعة الخمسة زائد واحد:
 
رأى باحث زائر لمعهد الشرق الأوسط أن دور روسيا سيكون مفيدًا فى أحسن الأحوال ومعرقلا فى أسوأ الأحوال؛ فروسيا مهووسة بنفوذها للغاية، ولطالما رغبت فى أن تكون فى الصورة مع الولايات المتحدة، ويذكر أنها تعاونت مع الولايات المتحدة لتمرير القرار رقم 1929 من مجلس الأمن والذى أجاز فرض عقوبات على إيران لإخفائها منشأة نووية سرية قرب مدينة «قم».
 
 
 
ومن ناحية أخرى لدى روسيا علاقات تجارية وثيقة مع إيران تجعلها تفكر مليا ما قبل الإقدام على أى خطوة قد تضر مصالحها مع الجمهورية الإسلامية.
 
ويعتبر الاتحاد الأوروبى هو «البطل المغمور» على حد وصف خبير بمعهد الشرق الأوسط؛ فقد وافق الاتحاد على تشديد العقوبات على إيران على الرغم من تأثير ذلك سلبا على اقتصاداته الضعيفة بالفعل. ويرى خبير اقتصادى أن العقوبات النفطية التى فرضها الاتحاد الأوروبى على إيران ستكون آخر العقوبات التى سترفع عنها لأنها من أكثر العقوبات فعالية.