الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وزير خارجية كازاخستان أرلان إدريسوف: ندعم أطروحات «السيسى» حول تغيير الخطاب الدينى.. ومهتمون بتسوية سلمية للنزاع فى الشرق الأوسط

وزير خارجية كازاخستان أرلان إدريسوف: ندعم أطروحات «السيسى» حول تغيير الخطاب الدينى.. ومهتمون بتسوية سلمية للنزاع فى الشرق الأوسط
وزير خارجية كازاخستان أرلان إدريسوف: ندعم أطروحات «السيسى» حول تغيير الخطاب الدينى.. ومهتمون بتسوية سلمية للنزاع فى الشرق الأوسط




حوار - أحمد عبده طرابيك

تعد جمهورية كازاخستان إحدى الدول التى تدعم مصر فى المحافل الدولية، ولها مكانتها فى منطقة شمال آسيا الوسطى، كما انها تحتضن بنكا هو الأول من نوعه فى العالم، معنى بتوفير إمدادات مضمونة من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الدول الأعضاء فى وكالة الطاقة الذرية، لصالح التنمية السلمية للطاقة النووية وتعزيز السلامة النووية العالمية، كما أنها تعتزم الاستمرار فى تنفيذ المبادرات الرامية إلى تعزيز التسامح والتجانس على الساحة الدولية، إضافة إلى أن لديها رؤى مختلفة حول القضايا التى تهم الشرق الأوسط والسلم العالمى. كل هذه الموضوعات وأكثر تناولتها «روزاليوسف» فى حوارها مع وزير خارجية كازاخستان ارلان إدريسوف، الذى أكد خلال الحوار سعى بلاده إلى تكوين علاقات أعمق مع مصر لتتماشى مع العلاقات التاريخية بين البلدين، وإلى نص الحوار.

■ ما تقييمكم لمستوى العلاقات بين مصر وكازاخستان؟
- كازاخستان ومصر لديهما مواقف وأهداف مماثلة فى الشئون الدولية، ويلعبان دورا مهما فى منطقتيهما. فمصر هى أولى الدولة العربية التى قام رئيس جمهورية كازاخستان نور سلطان نزاربايف بزيارتها بعد حصول كازاخستان على استقلالها، وافتتح سفارة لبلادنا فى إبريل 1993، وقد لعب الدعم السياسى والمعنوى اللذان قدمتهما مصر لكازاخستان دورا عظيما فى إدخالها صفوف المجتمع الدولى.
واليوم، كازاخستان ومصر - دولتان تتطلعان إلى المستقبل، لديهما رغبة صادقة فى توسيع وتعميق الصداقة والتعاون على أساس المنفعة المتبادلة فى المجال السياسى والتجارى والاقتصادى والثقافى والإنسانى وفى كل المجالات الأخرى. فقد تم حتى يومنا الحالى توقيع أكثر من 40 اتفاقية ومعاهدة ثنائية بين البلدين، ما يؤكد الرغبة المتبادلة لبلدينا فى المضى قدما نحو تعميق وتعزيز العلاقات بينهما.
■ هل هناك أى خطوات عملية لتطوير هذه العلاقات؟
- نعتقد أن مصر من الممكن أن تكون «نافذة» للصادرات الكازاخستانية والاستثمارات إلى الدول العربية وإلى أفريقيا، وعلى هذا الأساس، يتطلب تفعيل التعاون التجارى والاقتصادى بين البلدين، ونحن نعلق آمالا عريضة على الاجتماع الخامس للجنة الحكومية الكازاخستانية المصرية للتعاون التجارى والاقتصادى والثقافى والإنسانى والعلمى والتقنى الذى سيعقد فى نهاية عام 2015 فى القاهرة، حيث سنتمكن من تحديد خطط محددة للتعاون.
فدولتنا ضمن مجموعة أكبر منتجى الحبوب فى العالم، فى الوقت نفسه، تعتبر مصر من أكبر الدول المستوردة لتلك المحاصيل الزراعية (حوالى 8 ملايين طن سنويا). فى هذا السياق، تقترح كازاخستان دراسة طرق مختلفة لنقل الحبوب، بما فى ذلك إنشاء خط جديد للسكك الحديدية من أجل تقليل تكاليف النقل عند تصدير الحبوب من كازاخستان إلى مصر.
ووفقا لوكالة الإحصاء الكازاخستانية، بلغ حجم التبادل التجارى بين كازاخستان ومصر فى النصف الأول من 2015 نحو 30. 2 مليون دولار. وبلغ حجم التبادل التجارى فى عام 2014 نحو 61. 7 مليون دولار. وتتركز معظم الصادرات فى البذور والحبوب والمحاصيل الزيتية والكبريت الخام أو غير المكرر، ومسطحات الصلب وغيرها. وتتركز الواردات فى الأدوية، والبرتقال، واليوسفى، والمنسوجات القطنية والنسيج، ومجموعة متنوعة من مواد البناء، وغيرها، كما أن التعاون فى مجال الصحة وصناعة الأدوية يتطور بشكل جيد. فيعمل حاليا فى السوق الكازاخستانية العديد من شركات الأدوية المصرية التى تصدر المستحضرات الدوائية إلى كازاخستان. وهناك أكثر من 100 منتج طبى فى كازاخستان من إنتاج شركات الأدوية المصرية.
■ ما مستوى التنسيق والتعاون بين مصر وكازاخستان فى المجال السياسي؟
 -تولى كازاخستان اهتماما بالغا بتوسيع العلاقات مع الدول العربية سواء على أساس ثنائى أو من خلال المنظمات الدولية، بما فى ذلك جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامى. ونحن راضون عن المستوى العملى للدعم المتبادل تجاه مبادرات السياسة الخارجية لبلدينا. وأوضح مثال على هذا التعاون التوصل إلى اتفاق بشأن الدعم المتبادل لترشيح الدولتين كأعضاء غير دائمين فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وهو دليل على المستوى العالى من الثقة بين بلدينا.
وندعو القاهرة للانضمام إلى المنظمة الإسلامية للأمن الغذائى التابعة لمنظمة التعاون الإسلامى، التى كان إنشاؤها بمبادرة من كازاخستان خلال رئاستها مجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامى. وتدعم كازاخستان الأطروحات التى أعلن عنها الرئيس عبد الفتاح السيسى حول الحاجة إلى إعادة التفكير وتقديم رؤى جديدة لتفسير القيم الإسلامية الأساسية، وتغيير الخطاب الدينى (إجراء ثورة دينية).
وفيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين بلدينا، فكازاخستان تنظر إلى مصر باعتبارها شريكاً بناء يعتمد عليه فى القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط والعالم العربى. أما المجال السياسى فلا توجد هناك أى اختلافات بين كازاخستان ومصر. فمواقف أستانا والقاهرة حول القضايا الإقليمية والدولية متشابهة بدرجة كبيرة. وهناك تنسيق وتعاون بناء بين الدولتين داخل المنظمات والمنتديات الدولية، ونحن دعمنا بالكامل الجهود التى بذلتها مصر لشغل مقعد غير دائم فى مجلس الأمن الدولى لعامى 2017، 2018، وأعتقد أننا سنسهم بشكل إيجابى فى قضايا السلام والأمن الدوليين.
■ قدمت مصر مبادرة لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، ما الدور الذى يمكن أن تقوم به كازاخستان من أجل تحقيق المبادرة المصرية؟
- باعتبارنا دولة تخلت طواعية عن رابع أكبر ترسانة نووية، وكذلك أنشأت مع بلدان الإقليم منطقة خالية من الأسلحة النووية فى آسيا الوسطى، نحن على اقتناع تام بأنه لا يوجد بديل آخر سوى عالم خال من الأسلحة النووية. ونحن نعتقد أن سعى الدول والمناطق للتخلى طواعية عن الأسلحة النووية لا يجب فقط أن نرحب به بل وندعمه بكل الوسائل. وينبغى أن يتبلور هذا الدعم القوى فى شكل ضمانات أمنية ملزمة قانونا على الدول النووية أمام الدول المشاركة فى المناطق الخالية من الأسلحة النووية. ويجب أن يكون ذلك أساسا للحوار وأن يسهم فى إرساء السلام والتعاون والثقة المتبادلة فى منطقة الشرق الأوسط بأسرها. ونحن مثلكم تماما نشعر بخيبة أمل من نتائج مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووى فى عام 2015، ونأمل أن ينعقد فى المستقبل القريب على كل الأحوال مؤتمر لإقامة منطقة شرق أوسط خالية من الأسلحة النووية.
■ رغم أن كازاخستان كانت أول دولة تخلت عن أكبر ترسانات الأسلحة النووية فى العالم، إلا أنها تستضيف الآن بنك اليورانيوم منخفض التخصيب. كيف تنظر دول العالم إلى ذلك؟
- ساهم الاعتراف الدولى والإسهام التاريخى لبلدنا فى عملية نزع السلاح النووى وتعزيز نظام منع الانتشار النووى فى الحصول على تأييد واسع لمبادرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإنشاء بنك خاص بالوكالة لليورانيوم منخفض التخصيب فى كازاخستان. ويعتبر البنك آلية فريدة لتوفير إمدادات مضمونة من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الدول الأعضاء فى الوكالة، والتى قد لا تستطيع الحصول عليه من السوق التجارية التقليدية لأسباب عارضة. وينبغى أن نذكر هنا أن هذا المخزون من اليورانيوم منخفض التخصيب تم إنشاؤه فقط كآلية احتياطية أخيرة، ولا يتم توريدها إلا لدولة عضو فى وكالة الطاقة الذرية تواجه ظروف انقطاع فى إمدادات اليورانيوم منخفض التخصيب لمحطات الطاقة النووية غير التجارية (السياسية). وهكذا، فإن البنك واحتياطياته التى تقع فى حيازة الوكالة الدولية للطاقة الذرية رسميا وقانونيا يتم توجيهها لصالح التنمية السلمية للطاقة النووية وتعزيز السلامة النووية العالمية.
واختيار بلادنا كموقع لإنشاء البنك، دليل على الثقة والتقدير الكبير لدور بلادنا فى المساعى الدولية لتعزيز نظام عدم الانتشار النووى.
- ما رؤية كازاخستان لخروج منطقة الشرق الأوسط من الاضطرابات التى أدت إلى انتشار الإرهاب فى المنطقة؟
- يراقب المجتمع الدولى بقلق التدفق المتزايد للمسلحين وشبكات دعم الإرهاب، التى تأجج صراعات عديدة فى جميع أنحاء العالم: فى دول القرن الإفريقى، وليبيا، واليمن، وأفغانستان، وباكستان وبلدان أخرى. وقد كان لهذا الاتجاه تأثيرا مدمرا فى العراق وسوريا على وجه الخصوص. إن حجم أعمال العنف التى يرتكبها الإرهابيون ضد الإنسانية، وانتشار الأفكار المتطرفة المعادية للإنسانية، وظهور حركة داعش وتوسيع حدود نفوذها يطرح التزاما على المجتمع الدولى بإعادة النظر من جديد فى مشكلة التعاون والتكاتف لمعالجة هذه المشاكل. وتنطلق كازاخستان عند بناء استراتيجية لمكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات الأخرى من فهمها لضرورة بذل جهود جماعية من قبل المجتمع الدولى لمعالجة مشكلات المكافحة الفعالة للإرهاب. فكازاخستان تدين بشدة الإرهاب والتطرف على جميع أشكاله ومظاهره. ونحن ننطلق من فهمنا لحقيقة أن مكافحة الإرهاب والتطرف الدينى لا يمكن تحقيقها فقط بالتدابير الأمنية، بل يجب التعامل مع أسبابه وعوامل نشأته وانتشاره.
وتولى بلادنا اهتماما بالغا بالتسوية السلمية فى الشرق الأوسط. ومن المهم أن توجه طاقة الجماهير الهادرة فى العالم العربى والإسلامى فى البناء وأن تسهم فى حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية فى المنطقة. ومن أحد أهم القضايا الملحة مواجهة استخدام الإنترنت فى الأغراض غير المشروعة للمنظمات الإرهابية والجماعات الدينية المتطرفة. فى هذا الصدد، تبرز أهمية التكاتف والتعاون بين جميع الدول لاتباع نهج موحد للتعامل مع عوامل انتشار الأفكار الإرهابية عن طريق الشبكة الإلكترونية العالمية. فلا يمكن مكافحة انتشار أفكار الإرهاب والتطرف على شبكة الإنترنت إلا بالجهود الجماعية.
■  تمكنت كازاخستان من أن تصبح نموذجا للسلم الاجتماعى فى دولة بها أكثر من 130 قومية. كيف يمكن تطبيق هذا النموذج فى دول الشرق الأوسط التى تعانى صراعات؟
- أود الإشارة إلى أن كازاخستان من منطلق إدراكها لمسئوليتها ليس فقط عن المائة وثلاثين قومية الذين يعيشون فيها، ولكن أيضا عن الأمن الإقليمى والعالمى، تسعى بكل السبل إلى تعزيز إجراءات معالجة الأسباب الأساسية لحالات النزاع فى العالم. ويكمن العامل الأساسى لتأجيج الصراعات فى العالم الحديث فى الاختلافات الأيديولوجية والسياسية بين العقائد والأديان العالمية المختلفة وبين الطوائف المختلفة داخل الديانة الواحدة. وأكثر ما يثير القلق سعى بعض القوى لاستغلال هذه الاختلافات. إن محاولات إثارة بعض الشعوب والجماعات العرقية بعضها ضد بعض، وسياسة التحريض والترهيب والتهديدات المباشرة وغير المباشرة للعلاقات الدولية تعتبر طريقا خاطئا لا يؤدى إلى خير، كما تعد اعتداء على القيم الديمقراطية التى نزرعها فى مجتمعاتنا. ويجب علينا فى هذا الصدد أن نعمل على منع انتهاك القانون الدولى. الديمقراطية خيار ينبغى أن تتبناه الدول نفسها وشعوبها بطريقة دستورية، دون أى اضطرابات مأساوية أو ثورات. فلا يوجد نموذج واحد للديمقراطية يمكن تطبيقه على الجميع، والشعوب هى التى يجب أن تحدد مستقبلها وفقا للثقافات والتقاليد والنظم السياسية الخاصة بها. ولا ينبغى لأحد أن يفرض التغيير من الخارج.
لقد ظهر جليا أن العالم المعاصر أصبح متنوعا ومتعدد المراكز. واختلاف وجهات النظر السياسية لا ينبغى أن يكون سببا فى المواجهة والخلاف بين الدول والشعوب. وفى هذا الشأن أعتقد أن تجربة كازاخستان فى بناء سياستها الوطنية العامة منذ ما يقرب من 25 عاما من التطور بعد أن حصلت على استقلالها وسيادتها ستكون نموذجا مثيرا لدول الشرق الأوسط. ففى دولة كازاخستان متعددة القوميات هناك معادلة عظيمة نطبقها من قدم الأزل - وحدتنا وقوتنا فى تنوعنا. وتلتزم كازاخستان بمبادئ التعايش والتسامح الدينى والتعاون، التى تعد الأسس العامة لسياسة الدولة لضمان السلام والوئام بين الأديان. وخلال سنوات الاستقلال تبلورت فى البلاد تقاليد متميزة فى التسامح العرقى والدينى.
لقد تم فى كازاخستان إنشاء هيئة لا يوجد مثيل لها فى العالم «جمعية شعب كازاخستان» وهى مؤسسة تهدف إلى تهيئة جميع الظروف اللازمة للحفاظ على السلام والاستقرار والازدهار لجميع الجماعات العرقية التى تعيش فى البلاد. وتحتفل كازاخستان فى عام 2015 بالذكرى الـ 20 لجمعية شعب كازاخستان والتشريع الأساسى لدولتنا - دستور جمهورية كازاخستان. وأود أن أشير هنا إلى أنه بموجب مرسوم رئيس كازاخستان تم إعلان العام الحالى 2015 - عام جمعية شعب كازاخستان.
لقد أصبحت الحاجة إلى تعزيز الأمن الدولى والإقليمى، وتعزيز الحوار بين الحضارات ردا مباشرا ومهما للأمة الإسلامية لإيجاد سبل تحقيق التقدم، خاصة فى ظروف الاضطراب السياسى الحاد المرتبط بما يسمى الربيع العربى. ومن المهم أن توجه طاقة الجماهير الهادرة فى العالم العربى والإسلامى فى البناء وأن تسهم فى حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية فى المنطقة.
 وتولى كازاخستان اهتماما كبيرا بقضايا الإسلاموفوبيا، والوضع فى فلسطين، والمساعدة الاقتصادية للبلدان الإفريقية. فقد كانت خطوة مهمة فى أنشطة المنظمة اتخاذ قرار بشأن الموافقة على النظام الداخلى للجنة المستقلة الدائمة لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة التعاون الإسلامى. وتعتزم كازاخستان الاستمرار فى تنفيذ المبادرات الرامية إلى تعزيز التسامح والتجانس على الساحة الدولية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحوار الجاد بين الأديان والثقافات سيسهم فى تعزيز السلام والأمن. ومع ذلك، فإن نجاح المبادرات على المستوى العالمى لن يكون ممكنا دون تحقيقها من خلال التعاون الدولى. وفى هذا الصدد، تهتم كازاخستان بالاستقرار السياسى والاستقرار الاقتصادى والتنمية الآمنة فى منطقة الشرق الأوسط حيث تشهد الفترة التاريخية الحالية تحديات وتهديدات خطيرة للغاية تتعرض لها المنطقة.
■ تنتهج كازاخستان سياسة خارجية متميزة، ما محددات تلك السياسة الخارجية؟
- أولا وقبل كل شيء، لا بد أن أذكر أن كازاخستان قامت فى عام 2014 باعتماد مفهوم السياسة الخارجية لجمهورية كازاخستان فى 2014 - 2020 الذى يعد وثيقة استراتيجية تمت صياغتها وفقا للأسس الواردة فى رسالة الرئيس لشعب كازاخستان (استراتيجية كازاخستان - 2050: النهج السياسى الجديد للدولة المكتملة) ويعتبر هذا المفهوم نظاما للتوجهات الأساسية حول المبادئ والمناهج والأهداف والأولويات ومهام السياسة الخارجية لجمهورية كازاخستان. لكن، من منطلق شخصى أستطيع أن أضيف أن السياسة الخارجية لكازاخستان، كما كانت من قبل، سوف تستند على مبادئ تعدد الاتجاهات، والتوازن، والبراجماتية، والمنفعة المتبادلة، والدفاع الحازم عن المصالح الوطنية. ومع التنمية الشاملة فى العلاقات الدولية، تظل أولويات سياستنا الخارجية على حالها دون تغيير وتركز على تطوير الشراكة مع جيراننا - روسيا والصين ودول آسيا الوسطى والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى ودول آسيا والعالم الإسلامى.
وتجدر الإشارة إلى أن بلادنا اليوم ترسى تعاونا ناجحا ومثمرا مع دول تمثل مناطق مختلفة جدا من العالم، فقد أقامت علاقات دبلوماسية مع 147 دولة فى العالم. وأؤكد، أن دبلوماسيتنا متعددة التوجهات وسنستمر فى تعزيز العلاقات الودية القائمة على المصلحة المشتركة مع جميع الدول والمنظمات الدولية، مع انتهاجنا سياسة خارجية متماسكة ومتوازنة يمكن التنبؤ بها. وبشكل عام، تهدف سياستنا الخارجية إلى ضمان ظروف خارجية مواتية للمساهمة فى حل المشاكل الداخلية بنجاح. ونوجه كل جهودنا وأدواتنا على الصعيد الخارجى فى المقام الأول إلى حل القضايا الداخلية والتنمية الاقتصادية، وبناء المؤسسات السياسية الحديثة، وتعزيز المجتمع المدنى، وتحديث هيكل الأجهزة الأمنية، وتعزيز النظام القضائى المستقل.
ومن بين أهم العوامل الداخلية تجدر الإشارة إلى التغييرات الجذرية فى التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكازاخستان، والانتهاء من فترة التحول والانتقال إلى استراتيجية جديدة للتنمية المستدامة طويلة الأجل حتى عام 2050. والحديث هنا يدور فى المقام الأول حول دخول كازاخستان فى عام 2050 ضمن 30 دولة الأكثر تطورا فى العالم، والهدف الرئيسى للاستراتيجية هو التحسين الجذرى فى نوعية ومستوى المعيشة فى كازاخستان. ولتحقيق هذه الأهداف، وتحديد الاتجاه الرئيسى لتطوير كازاخستان، شدد الرئيس على ضرورة طرح تحد جديد للسياسة الدولية وسياسة الدفاع، بالإضافة للقرارات والتعليمات الأخرى الخاصة بالاستراتيجية الجديدة. وتتمثل أولوية السياسة الخارجية لبلادنا فى تهيئة الظروف لإنجاح تنفيذ خمسة إصلاحات مؤسسية جاءت بمبادرة من رئيس الدولة.
ويتطلب التنفيذ الناجح لخطة الأمة مناخا دوليا ملائما. لذا سوف نعمل بنشاط فى إطار المنظمات الدولية. وتدعم كازاخستان المنظومة العامة للأمن والتنمية الاقتصادية فى منطقتنا. وسوف نرتبط بعلاقات خاصة مع أقرب شركائنا فى الاتحاد الاقتصادى الأوراسى - روسيا وروسيا البيضاء وأرمينيا وقيرغيزستان - وستقوم الدبلوماسية الكازاخستانية بتكثيف الجهود من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للنزاعات الإقليمية الحادة فى العالم الإسلامى ودول الاتحاد السوفيتى السابق.
ومما يعكس اهتمامنا بالمحافظة على البيئة وقضايا المناخ، نواصل العمل على تنفيذ الاستراتيجية العالمية فى مجال الطاقة والبيئة، التى اقترحتها كازاخستان، ومبادرة أسطانا الجسر الأخضر، لتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص فى دول أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ لتنفيذ خطط التنمية الخضراء. وبشكل عام، فإننا نرى أن مشاركة جمهورية كازاخستان فى حل المشاكل العالمية والإقليمية، والتطور النشط للدبلوماسية متعددة المستويات كمصدر استراتيجى للسياسة الخارجية، تعد من العوامل الرئيسية لضمان سيادة وأمن ووحدة أراضى البلاد.
■ وقعت كازاخستان وروسيا وروسيا البيضاء فى مايو من العام الماضى اتفاقية الاتحاد الاقتصادى الأوراسى. ما الأسس الخاصة بهذا الاتحاد؟ وما هى أهدافه، وهل هو منافس للاتحاد الأوروبي؟
- تعد كازاخستان، كما هو معروف، صاحبة مبادرة التكامل الاقتصادى فى المنطقة الأوروآسيوية. فى عام 1994، حين طرح رئيس الدولة فى جامعة لومونوسوف الحكومية فى موسكو مشروع الاتحاد الاقتصادى الأوراسى. وعند تأسيس هذا الاتحاد قام المؤسسون وهم روسيا البيضاء وكازاخستان وروسيا، بالاسترشاد بتجربة إنشاء الاتحاد الأوروبى. غير أن الاتحاد الأوروبى استغرق إنشائه كما تعلمون أكثر من عقد من الزمان. لكن إنشاء الاتحاد الاقتصادى الأوراسى استغرق وقتا أقل من ذلك بكثير. والاتحاد الاقتصادى الأوراسى يعالج الشئون الاقتصادية فقط. وفى الأول من يناير هذا العام بدأ الاتحاد الاقتصادى الأوراسى فى العمل. وتم إنشاء اتحادنا كمنظمة دولية للتكامل الاقتصادى الإقليمى. واليوم يتكون الاتحاد من خمسة أعضاء، بالإضافة إلى مؤسسى الاتحاد روسيا البيضاء وكازاخستان وروسيا، انضمت لنا أرمينيا، ومن يوم 12 أغسطس من هذا العام أصبحت قيرغيزستان عضوا كامل العضوية فى الاتحاد الاقتصادى الأوراسى.
وهذا الاتحاد لم ينشأ فى الفراغ. فقد لعب الاتحاد الجمركى والمنطقة الاقتصادية الموحدة (EES) دورا مهما كقاعدة لإنشاء الاتحاد الاقتصادى الأوراسى. وتتلخص الأهداف الرئيسية للاتحاد الجمركى والمنطقة الاقتصادية الموحدة فى حرية انتقال السلع والخدمات ورأس المال واليد العاملة عبر حدود الدول الأعضاء، وبعد أن تحققت تلك النتائج فى الاتحاد الجمركى والمنطقة الاقتصادية الموحدة، تتحد الأهداف الرئيسية للاتحاد الاقتصادى الأوراسى فى خلق الظروف الملائمة للتنمية المستقرة لاقتصادات الدول الأعضاء فى الاتحاد من أجل تحسين مستويات معيشة سكانها، والسعى إلى خلق سوق موحدة للسلع والخدمات ورأس المال والأيدى العاملة داخل الاتحاد، والتحديث الشامل والتعاون وزيادة القدرة التنافسية للاقتصادات الوطنية فى الاقتصاد العالمى.
وفيما يتعلق بالعلاقات بين الاتحاد الاقتصادى الأوراسى والاتحاد الأوروبى، فكازاخستان، باعتبارها عضوا نشطا فى الاتحاد تهتم بالتعاون على أساس المنفعة المتبادلة مع منظمات التكامل الناجحة ومع الدول بشكل منفرد. وفى هذا الصدد، سيكون من الأمور المهمة والواعدة إقامة تعاون تجارى واقتصادى مع الاتحاد الأوروبى. ويعتبر هذا التعاون حيويا بشكل خاص فى المرحلة الراهنة فى ضوء الصعوبات التى يمر بها الاقتصاد العالمى. فالتعاون بين كيانين متكاملين بتلك الإمكانات الاقتصادية القوية يتوفر له كل الظروف المواتية الضرورية كالتكامل بين الاقتصادات، والقرب الجغرافى، والالتزام بقواعد موحدة للتجارة. وفى الوقت نفسه، يجدر الذكر أن هذا التعاون له أثر ومردود مشترك، فهو مفيد للجميع، ويهدف إلى تحسين رفاهية شعوب تلك البلدان. أما الهدف طويل الأجل للتعاون بين الاتحاد الاقتصادى الأوراسى والاتحاد الأوروبى فيجب أن يكون خلق فضاء اقتصادى موحد يمتد من المحيط الأطلسى إلى المحيط الهادئ.
■ راقبت كازاخستان ولادة فكرة إحياء «طريق الحرير الجديد» ما هو دورها فى هذا المشروع العملاق؟
- من وجهة النظر الاقتصادية، تعتبر إتاحة الفرصة لتطوير التعاون فى مجال النقل والخدمات اللوجستية والمبادرة الصينية الحزام الاقتصادى لطريق الحرير بكل تأكيد أمرا بالغ الأهمية لكازاخستان. وقد نوه الرئيس الكازاخستانى فى عام 2012 عن وجهة نظره الداعمة لإحياء طريق الحرير العظيم. فيرى أن كازاخستان يجب أن تصبح جسرا بين أوروبا وآسيا، وبذلك يتم إحياء الدور التاريخى لها. ويوفر هذا المشروع فرصة لتعميق الروابط الاقتصادية والمالية ووسائل النقل بين آسيا الوسطى والصين. فى هذا الصدد، تستعد الصين لتمويل مختلف المشاريع فى مجالات الطاقة، والاتصالات، والمواصلات، وغيرها. وبالإضافة إلى ذلك، سيسهم إنشاء ممر النقل طريق الحرير الجديد فى تسهيل وصول المنتجات الكازاخستانية إلى الأسواق العالمية، وسوف يجلب فوائد اقتصادية كبيرة. وستستطيع بلادنا تعزيز التجارة باستخدام طرق النقل الحالية والمستقبلية، على سبيل المثال، من خلال الأراضى الإيرانية.
 وكما تعلمون، أنه فى ديسمبر 2014، تم تشغيل خط السكك الحديدية كازاخستان - تركمانستان - إيران، الذى يعد جزءا من ممر النقل الدولى الشمال والجنوب، كما ستتوفر إمكانية إعادة توزيع البضائع العابرة بنظام الترانزيت، بمعنى: الدمج بين النقل البرى (الشاحنات والسكك الحديدية) والنقل البحرى.