الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عروض البيت الفنى ومنطق القطاع الخاص..!

عروض البيت الفنى ومنطق القطاع الخاص..!
عروض البيت الفنى ومنطق القطاع الخاص..!




احتفل النجم يحيى الفخرانى الثلاثاء الماضي، بتجاوز عرضه المسرحى «ليلة من ألف ليلة»، على خشبة المسرح القومى، المليون الثانية، وهو رقم لم يسبق وأن شهدته عروض مسرح الدولة من قبل، وهذا ما يدعونا للتوقف، والتأمل، بل التساؤل، هل هذا هو الغرض من عروض مسرح الدولة ؟، بشكل مطلق، أن تحقق هذا الحجم الضخم من الإيرادات، أم هدفها الرئيسى، والبحت، هو المساهمة فى تنمية وعى المواطن المصري، والنهوض بالذوق العام
 فمن الأولى أن ينشغل المسرح، بوظيفته الخدمية الأولى، وهو التثقيف والترفيه، بعيدا عن التفاخر بتجاوز الإيرادات، سواء المليون الأولى أو الثانية، بالتأكيد الإيرادات الضخمة، دليل على الإقبال الجماهيرى الشديد، لكن يجب أن تقاس المسألة، بحجم الإقبال وليس بحجم الأموال، التى  حققها العمل، كما قال الفخراني، يوم الاحتفال فى كلمته «ليس مهما كم حقق العرض لكن الأهم كم مواطن شاهد هذا العرض»، خاصة والبيت الفنى للمسرح غير مطالب عمليا، بتحقيق أموال ضخمة أو السعى وراء تغطية تكاليف العرض الفنية، لأنه يقدم خدمة ثقافية، بأسعار رمزية، فهو فى النهاية، لا يستفيد بهذه الإيرادات، بعكس القطاع الخاص، الذى يهتم فى المقام الأول، بحسابات المكسب والخسارة المادية، لكن وزارة الثقافة بقطاعاتها، من الأولى أن تهتم بحسابات المكسب والخسارة، الفنية والثقافية، لأن فكرة التنافس فى حجم تحقيق الإيرادات، قد تدخلنا فى حالة من الصراع المستميت، بين العروض الضخمة، على تحقيق نفس القدر من الإيراد، لذلك قد تلجأ بعض العروض أحيانا، لاستخدام توليفة، القطاع الخاص، نجم ومطرب واستعراضات وإفيهات خارجة عن المألوف، تماما كما يحدث ببعض الأفلام السينمائية السوبكية، التى تسعى إلى تحقيق عناصر الجذب الجماهيرى، وبالتالى يتم تفريغ بعض هذه العروض، من محتواها الفنى، إرضاء للسوق وتماشيا مع الذوق العام، الذى بدأ يفرض نفسه فى الوقت الحالى، سواء من خلال مسرح مصر أو تياترو مصر.
 بالطبع لا يمكن إنكار، أن عرض «ليلة من ألف ليلة» حقق التوليفة الأمثل للنجاح، سواء على المستوى الفنى أو المستوى الجماهيري، فالعمل فنيا من أرقى وأمتع العروض المسرحية، التى عرضت خلال هذا الموسم خاصة على مستوى عروض النجوم، وتكاملت عناصره كما ينبغى أن تكون، بينما السؤال هنا هل كان هذا العمل سيحقق نفس نسبة الإيرادات، والنجاح الجماهيرى إذا لم يكن الفخرانى بطله ؟!، قد يرى البعض أن الإجابة، بالطبع «لا»، فالفخرانى فى حد ذاته، هو عنصر الجذب الأول والأهم، فى العمل ثم تأتى بعده باقى عناصره، لذلك قد يقع العرض التالى لـ«ليلة من ألف ليلة»، على القومى فى أزمة، من النجم القادم بعد الفخرانى؟!
لكن إذا نظرنا نظرة شاملة للحركة المسرحية الحالية، سنكتشف بعض الحقائق الغائبة، والتى لا يريد أحد الالتفات إليها والتوقف أمامها، منها على سبيل المثال، أنه من الممكن أن يكون النص، هو النجم والبطل، فليس من المهم أن يحمل العمل، بطلا أوحد لتحقيق هذا الكم، من الإقبال الجماهيرى أو الإيراد المادى، وتحققت بالفعل هذه المعادلة، فى عرض «روح» الذى لا يزال يعرض اليوم، على خشبة الطليعة بالقاعة الصغيرة، والتى رفعت شعار كامل العدد يوميا، حتى أنه أصبح من الصعب الحجز فى نفس اليوم، ففى «روح» كان العمل، هو البطل بكل عناصره الفنية، سواء المخرج باسم قناوى أو الإعداد المسرحى عن نص «الوردة والتاج»، والذى أعده الدراما تورج ياسر أبو العينين، أو الإعداد الموسيقى لحاتم عزت، والديكور لمحمد جابر، وتمثيل فاطمة محمد على وياسر عزت ولبنى ونس وسماح سليم وعابد عناني، فهنا على غير المتوقع والمعتاد، أصبح النص المسرحى هو الأساس، وتبعته عناصر العمل الفنية، وكان جاذبا للجمهور بمختلف فئاته وطبقاته، سواء من الشباب أو الأسر العادية، مع العلم أن النص يحمل فكرة وعمقًا، فى التناول والتنفيذ، فهو ليس عرضًا كوميديا «لايت»، بل هو عمل مسرحى متكامل الأركان، قد يصنف عرض مهرجانات، أكثر منه عرضا جماهيريا، لكن المفاجأة أنه دخل فى نفس مستوى الإقبال، والتنافس مع الفخراني، فهو يتجاوز يوميا الثلاث آلاف جنيه، وهذا الرقم أضعاف السعة الأصلية للقاعة، وبالتالى يجب فى هذه الحالة، النظر لحجم الإقبال، وليس حجم الإيراد الذى يعتبر زهيدا، مقارنة بعرض «ليلة من ألف ليلة»، على المستوى المادي، لكنهما تساويا فى الإقبال الجماهيرى .
تحققت أيضا نفس الفكرة والتوليفة الفنية، فى عرض «سيد الوقت» بقاعة مسرح الغد، للمخرج ناصر عبد المنعم وتأليف محمد فريد أبو سعدة، عن نص «ليلة السهروردى الأخيرة»، وبطولة تامر نبيل وسامية عاطف ووائل إبراهيم ومعتز السويفى، شهد أيضا هذا العمل، نفس حالة التكامل الفني، سواء على مستوى الأداء التمثيلى، أو الفكرة، أو السينوغرافيا، أو الموسيقى، ولقى إقبالاً جماهيريًا كبيرًا بهذه القاعة الصغيرة، فكانت تزداد أعداد المقاعد بداخلها، لاستيعاب الجمهور، وهو أيضا عمل يحمل قيمة فكرية وفنية رفيعة، قد تجذب جمهور المتخصصين، أكثر من العامة، بينما فاجأ الجمهور أصحاب هذا العرض، بمدى إعجابهم وتعطشهم الشديد، لهذه النوعية من الأعمال القيمة، وكذلك عرض «شى كايرو» إخراج مروة رضوان وبطولة شريف نبيل وسارة سلام وألحان المهدى بقاعة مسرح الشباب، حقق أيضا إقبالا جماهيريا إلى حد كبير، وكذلك كان «بعد الليل» إخراج خالد جلال، وبطولة الدفعة الثالثة لطلبة ورشة مركز الإبداع الفنى.
 وهناك مثال آخر شديد الأهمية، بالقطاع الخاص، تحقق هذا العام مع عرض «1980 وانت طالع»، للمخرج محمد جبر والذى قد يغير به الشباب، منطق القطاع الخاص الفترة المقبلة، بإعادة فكر الفنان محمد صبحى للقطاع الخاص، وهو تقديم مسرح فقير بأسعار رمزية للجمهور، لكنه يحمل قيمة فنية عالية، مع الفارق هنا بأن صبحي، كان هو نجم العمل، بينما اعتمد «1980وانت طالع» على البطولة الجماعية، وحقق إقبالاً جماهيريًا، غير متكرر لمجموعة، من الشباب ليس بهم نجم واحد، وهكذا أثبتت هذه النوعية من العروض، والأعمال المسرحية، أن الجمهور قد ينجذب، لسذاجة وسطحية تياترو مصر ومسرح مصر، وقد يلتفت إلى عروض البيت الفني، التى تعمل بمنطق القطاع الخاص، لكنه أيضا يستمتع ويتابع بشغف وحب وتعطش العروض الأخرى، التى تحمل قيمة فنية، لكنه يحتاج فقط، لمن يغير ثقافة فرجته المسرحية، فكانت هناك أعمال شديدة الجودة، لكثير من المسرحيين الشباب، وحملت نفس القيمة، لكنها لم تظفر بنفس حجم الإقبال والمتابعة، بسبب سوء إدارة المسرح التابعة له، أو سوء الداعية، وغالبا سوء الحظ، من هذه العروض «روميو وجوليت « إخراج محمد الصغير، «هنا انتيجون» إخراج تامر كرم، «ظل الحمار» إخراج محمد جبر، «دالى» إخراج رضا حسنين، فإذا كان البيت الفنى اهتم بالدعاية والتسويق، لهذه العروض، كانت ستحدث طفرة جماهيرية، بالمسرح هذا العام، وكانت ستتغير ذائقة الجمهور، فى مستوى الانجذاب للعروض المسرحية، والتى تغيرت بالفعل مع بعض الأعمال بشكل محدود، وفى المقابل سيتغير تفكير، منتج ومخرج الأعمال الضخمة، لأنه سيبحث عن القيمة، قبل البحث عن تحقيق الإيرادات، مما سيساهم فى صنع حركة مسرحية مختلفة، واختفاء الفكرة السائدة «الجمهور عاوز كده»!