السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من باريس.. مع حبى

من باريس.. مع حبى
من باريس.. مع حبى




د. على الشامى  يكتب


الإجابات الجاهزة غالبا ما تحمل فى طياتها نية خبيثة، الاكلشيهات سابقة التجهيز دوما تثير الريبة والأخطر من ذلك حالة الاستهانة والاستخفاف بالعقول، أتذكر قصة حكاها لى أحد الأصدقاء عن مؤسسة حكومية كانت تنتظر الاعتماد من مؤسسة عالمية كل شيء معد باتقان، فلان سيقول كذا عندما يسأل علان عن كذا اللوحات معدة مسبقا ونظيفة وجاهزة زى ما الكتاب بيقول، كل واحد حافظ دوره بالظبط واللى يخرج عن النص «يا ويله».
صديقى هذا يحكى لى أن أحد الموظفين خرج عن النص عندما سأله أحد المعتمدين سؤالا فرد عليه بضجر قائلا: ما انتوا عارفين إنها مسرحية لازمته إيه التعب والمجهود ده! ابتسامة صفراء علت وجوه المسئولين وقرار نقل فورى إلى الأرشيف غير مأسوف عليه.
دائما كنت أتذكر هذه القصة متزامنة مع مشهد الرئيس الأمريكى الذى خرج بعد ساعات من أحداث 11 سبتمبر وصور جبال طالبان الجاهزة ليعلن أن من أسقط البرجين تنظيم القاعدة، وأن القوات الأمريكية ستحارب الإرهاب فى جبال افغانستان! ثم أسلحة الدمار الشامل المخبأة تحت سرير صدام حسين! و هكذا تذكرت هذا مع إعادة مشاهدة فيلم «من باريس مع حبى» وصورة الأمريكى الطيب والجماعة الإسلامية الشريرة والغرب المسكين الذى يتعرض للإرهاب وكيف أن مقاومة الإرهاب وقتل هؤلاء الغوغاء من الإرهابيين بات واجبا قوميا فى سبيل اسعاد الإنسانية وكيف تحولت هوليوود إلى وسيلة لغسيل الأفعال الأمريكية القذرة وكيف تجعلك هوليود تتعاطف مع الجندى الأمريكى المسكين الذى يكاد أن يقتل على يد مواطن فيتنامى شرير فى الحرب الأمريكية على فيتنام!
الإجابات الجاهزة من باريس بعد دقائق من تفجيرات باريس أن الارهاب هناك فى سورية ولابد من عمليات برية والباسبور السورى المضاد للحرق والغرق والمنطق أيضا الرابض بكل وداعة بجوار الانفجار ليجهز الأكلاشية، عملية ارهابية هنا مقتل شخص هناك، طائرة هنا تفجير هناك، ثم خروج سريع لهدم بلد محطمة على يد عملاء من أطراف عدة ليس الغرب بمنأى عنهم ثم اعتذار بعد عدة سنوات على هدم بلد و تهجير شعب وتدمير حضارة عظيمة.
ما هذه الهستيريا التى تجتاح العالم؟ ما هذا الهوس؟ ما هذا الجنون والتعطش لإراقة الدماء؟
يرى الفيلسوف الانجليزى «هوبز «أن حالة صراع الجميع ضد الجميع التى تمر بأى مجتمع من المجتمعات الصغيرة وصولا إلى المجتمعات الكبرى مرتبطة بأن تلك الجماعات لم تنتظم ولم تتفق على اطار تعيش فيه أى أن العقد لم يتكون أو بمعنى أصح ان العقد الاجتماعى لم يعد صالحا وأنه بحاجة إلى التطوير بصورة أو بأخرى.
أما سيجموند فرويد رائد التحليل النفسى، فيرى أن العدوان أو العنف من الجانب القوى نحو الجانب الضعيف فإنه يكون من أجل سيطرة الطرف الأول الأقوى على الطرف الثانى الأضعف أو من الطرف الضعيف تجاه الطرف القوى، كنوع من رد التهديد والدفاع عن الذات من التحطم فيعود الانسان أو الجماعات إلى الصورة البدائية وهى العدوان للدفاع عن الذات أو الجماعة البشرية من التحطم.
وسواء كان العقد السابق «سايكس بيكو» لم يعد يفى بالغرض ويجب إرساء عقد جديد لشرق أوسط جديد طائفى النزعة استنادا إلى نظرية «هوبز» أو كرد فعل لغطرسة الشمال تجاه الجنوب والاستعلاء عليه والذى يمارس العدوان للسيطرة على مقدرات تلك الشعوب عبر وسائل الحرب المختلفة استنادا إلى نظرية التحليل النفسى لفرويد.
سواء هذا أو ذاك أو استنادا لأى نظرية أخرى أو تفسير آخر فإننا نجد أنفسنا أمام حالة من صراع الجميع ضد الجميع وحالة من هستيريا العنف التى تعصف بالعالم والتى حركت الجيوش الاستعمارية الأمريكية لتدمير أفغانستان ومن بعدها العراق وغيرهما من شعوب الأرض للتخلص من عدو وهمى صنعته أجهزة الميديا الإعلامية الأمريكية بالتعاون مع رأس المال الأمريكى السخى للانفاق على فئران جبال «تورا بورا» وثعابين «داعش» ومن قبلها تأسيس أفكارهم.. هذه الحالة نفسها نجدها تحرك الجيوش الفرنسية لقصف سوريا المنهكة المفتتة المهاجرة إلى كل اصقاع الدنيا بجرح يحتاج إلى رحمة إلهية ليندمل، هذه الجيوش التى تتحرك بالطبع من باريس.. مع الحب.