الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

زيارة البابا الروحية للقدس

زيارة البابا الروحية للقدس
زيارة البابا الروحية للقدس




عاطف بشاى يكتب

فى زيارة  مثيرة للجدل وجديرة بتأمل مغزاها وتداعياتها ذهب البابا «تواضروس» إلى القدس لقيادة شعائر الصلاة على جثمان كبير أساقفة القدس والشرق الأدنى.. «الأنبا إبراهام» والذى كان يحتل منصب «الرجل الثانى» فى ترتيب قيادات المجمع المقدس إذ لا يوجد أعلى منه كنسيًا سوى بابا الإسكندرية وهو ما استوجب أن يترأس البطريرك بنفسه صلاة الجنازة عليه بحسب التقاليد الكنسية.
والعبارة السابقة جاءت على لسان «الأنبا رافائيل» الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة وسكرتير المجمع المقدس تبريرًا للزيارة واتساقًا مع تصريح البابا أن السفر مهمة كنسية خالصة ليست نزهة لزيارة الأماكن المقدسة هناك «أنا رايح أقود صلاة جنازة.. مش رايح أتفسح».
أى أن البابا ــ من وجهة نظره ونظر الأساقفة والكهنة والمؤيدين ــ لم يقصد مخالفة الموقف الثابت للكنيسة تجاه القضية الفلسطينية وعدم زيارة الأقباط للقدس ذلك إن ظرف السفر ظرفًا استثنائيًا.. حيث إنها الزيارة الأولى من نوعها لبابا الإسكندرية إلى القدس منذ عام (1967).. وكان المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية قرر مقاطعة زيارة المواطنين الأقباط إلى القدس عام (1980) احتجاجًا على احتلال إسرائيل للقدس الشرقية وعلى خلفية توقيع اتفاقية السلام بين «مصر» وإسرائيل ورفض تطبيع العلاقات بين البلدين.. وقد دفع البابا شنودة المجمع المقدس لإصدار ذلك القرار فى إطار الحرب السياسية التى نشبت بينه وبين «أنور السادات» وبينه وبين المعارضة الرافضة للتطبيع مع إسرائيل.. وقيل وقتها فى تبرير ذلك الموقف إن البابا يهدف إلى تأمين الأقباط من رد فعل شعبى مضاد لهم.. لذلك صرح تصريحه الشهير الحاسم «لن يدخل الأقباط القدس إلا مع إخوانهم المسلمين بعد انتهاء الاحتلال الفلسطينى وظهرت وقتها كثير من الأصوات المعارضة خاصة من المثقفين وقد ذكر لى الراحل الكبير د.«ميلاد حنا» ــ والذى كان مقربًا من البابا ثم اختلف معه ــ إنه طالبه بالاستجابة لرجاء سيدة مسنة تجاوزت الخامسة والثمانين ومصابة بداء السرطان وتريد أن تذهب إلى القدس للصلاة قبل وفاتها ولكنه رفض بإصرار.
هذا فيما يتصل بالجانب الإنسانى  ولكن سياسيًا هل يجوز أن يكون أداء الطقوس الدينية محكومًا بشروط سياسية؟! إن الخلط بين ما هو سياسى وما هو دينى أمر مرفوض أثار وقتها ثائرة «السادات» وأدى فى النهاية إلى قرار عزله للبابا.
أما فى علاقة البابا «شنودة» بالرعية فقد فرض عقابًا على المخالفين لتعليماته بالسفر بالحرمان من حضور القداس فى الكنائس لمدة عام وتقديم اعتذار له منشور فى الجرائد الرسمية!! فماذا كانت النتيجة؟! يزور الآلاف من الأقباط القدس عبر شركات معتمدة من الحكومة المصرية بالرغم من قرار الكنيسة.
الجدير بالذكر ــ وهو ما يجب أن نتوقف عنده بالاهتمام الدراسة ــ فيما يتصل بموقف الجهات السياسية والدينية الفلسطينية بالزيارة فإن مستشار الرئيس الفلسطينى أكد ما سبق أن أعلنه الرئيس «أبومازن» إن زيارة السجين هى التضامن معه والشد من أزره وليس تطبيعًا مع السجان.. والزيارة تحمل طابعًا دينيًا وروحيًا ومن غير المنطقى أن تستغلها إسرائيل سياسيًا.. لأنها لا تحمل طابعًا رسميًا.. والقدس لا ينبغى أن تبقى معزولة عن محبيها وأهلها الداعمين لقضيتها وزيارة «تواضروس» قد تكون فاتحة ومشجعة للأقباط لزيارة المدينة المقدسة والحج فيها حتى لا تبقى معزولة.
من هذا المنطلق فإن الحوار الدائر الآن حول «وطنية» الموقف يفرض نفسه من خلال تباين وجهات النظر.. بل يصل إلى مفارقة مدهشة فى تحديد مفهوم «الوطنية» نفسها.. فإذا كان البعض يرى أن الزيارة تمثل دعمًا للشعب الفلسطنيى ومقاومة التهويد.. ومد الجسور لدولة عربية تعانى من الاحتلال والسعي لرفع الروح المعنوية لمسلمى ومسيحيى القدس بزيارة أكبر قيادة دينية فى الشرق الأوسط لها.. وإذا كان كما يرى الأستاذ «عماد جاد» أن الرئيس السادات عندما استعاد الأراضى المصرية المحتلة بزيارته للقدس تعرض لهجوم شديد لكنه فى النهاية أعاد الأراضى المصرية.. وهو فى النهاية «موقف وطنى» مثلما  تعتبر زيارة «تواضروس» موقفًا وطنيًا.
بينما يعارض آخرون تلك الزيارة أيضًا تحت عنوان «الوطنية» فالأستاذ «سليمان شفيق» الكاتب الصحفى يرى أن القرار غير مناسب لأنه يتم فى وقت استثنائى قد يضع الأقباط فى مرمى نيران الإسلاميين.. بل يؤكد ابتعاد جميع الحكماء عن المقر البابوى فقرار البابا يزيارة القدس هو قرار يمس «الوطنية المصرية» التى فى القلب منها وطنية الكنيسة.. وكان على البابا أن يرسل وفدًا للعزاء ولا يذهب بنفسه كرمز للأقباط ليعتبر أول بابا فى العصر الحديث يتخذ هذا القرار.
بينما يرى «هانى عزت» مؤسس حركة منكوبى الأقباط للأحوال الشخصية الذى يؤيد قرار البابا بالسفر إلى القدس ويصف المسيحيين المعترضين أنهم «أتباع داعش إمارة العباسية».. فمن إذا الوطنى ومن غير الوطني؟!
يبقى أن نقول إن الزيارة تعتبر فى النهاية ــ حتى لو لم يعلن «البابا تواضروس» ذلك ــ كسرًا لقرار المجمع المقدس بمنع سفر المسيحيين إلى «إسرائيل».. وخطوة تقدمية كبيرة من بابا الإسكندرية لضرب محاولات الخلط بين ما هو سياسى وما هو دينى.. ويضع حدًا لسيطرة القرار السياسى على الحياة الروحية والدينية والاجتماعية للأفراد.