الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«تاكسى أبيض» رحلة قصصية فى عوالمنا المنسية

«تاكسى أبيض» رحلة قصصية فى عوالمنا المنسية
«تاكسى أبيض» رحلة قصصية فى عوالمنا المنسية




كتب - إسلام أنور


فى مجموعته القصصية «تاكسى أبيض» الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، يشتبك القاص والسيناريست المصرى شريف عبد المجيد مع واقعنا القاسى والمتغير بوتيرة جنونية خلال السنوات الماضية عبر مجموعة من القصص تحمل قدرا كبيرا من الفانتازيا والسخرية، يختلط فيها الواقع بالخيال، لينتج لنا حالة أشبه بالكوميديا السوداء المؤلمة على المستوى الواقعى والممتعة على المستوى الإبداعي، ويمهد لهذه الأجواء الغرائبية التى تتناولها قصصه بمقولة للروائى الكبير فرانز كافكا رائد الكتابة الكابوسية والفانتازية «لا أحد يمكنه أن يقاتل ليشق لنفسه طريقا عبر هذا المكان، حتى لو كان مزودا برسالة من رجل ميت، لكن يمكنك أن تجلس إلى نافذتك عند هبوط المساء وتحلم بما فى هذه الرسالة بنفسك».
تنقسم المجموعة لقسمين، الأول يحمل عنوان «القبض على سمكة» ويتضمن 7 قصص تجمعها الفانتازيا والكابوسية، بداية من قصة «الطرد» حيث نتعرف على الوزير المذعور من طرد صغير وجد أمام باب شقته واعتقد أنه يحتوى مفرقعات لكنه يفاجأ بجمجمة شاب داخل الطرد وليس متفجرات، بعدها تنتشر الجماجم فى المدينة وتفشل الحكومة فى حل هذا اللغز، مما يدفعها للاستقالة ويؤدى لإلغاء البرلمان ثم تعديل الدستور، ورغم هذا تظل الطرود التى تحمل الجماجم تتكاثر فى المدينة، تعبيرا عن كون الخلل والأزمة التى يعيشها المجتمع أعمق من فكرة تغيير سلطة أو حكومة أو برلمان، إنها أزمة العدالة أزمة الحرية أزمة الإخلاص والصدق الغائبين عن مجتمعنا «وصلت الجماجم إلى باب البرلمان، وأمام القصر الجمهوري، الجماجم تنتشر بسرعة، وفى كل مكان».
وفى قصة «طير الأبابيل» يستدعى شريف الأسطورة ليمزج بينها وبين الواقع الكابوسى والفانتازى الذى نعيشه «لقد نشرت الجريدة الرسمية، مؤخرا، أخبار التحقيق مع «ست» ولماذا قطع أخاه «أوزوريس» إلى أربع عشرة قطعة قسمها فى ربوع المحروسة»، بينما فى قصة «اعترافات سارق الونش» يستدعى شريف حادثة قريبة زمنيا، وهى سرقة أحد الأوناش الحكومية، وبيعها خردة فى فترة الثمانينيات، ويتماهى مع هذه القصة التى تبدو فى قمة الفانتازيا، ليصنع حبكة درامية موازية قائمة على سرقة الهرم الأكبر، حيث فوجئ الجميع فى صباح أحد بسرقته، ويمتد الخيط الدرامى متجاوزا هذه الحادثة الجلل ليرصد حوادث حقيقة وقعت فى المجتمع المصري، وحين تقارنها بهذه الواقعة الخيالية تكتشف أنها فى غاية التقارب وأن المجتمع والمنظومة الحاكمة تعيش حالة جنونية وفانتازية منذ عقود «السرقة أصبحت شيئا عاديا فى مصر، من حقائب السيدات وحتى الهرم الأكبر نفسه، وبعد أن كان كبار رجال الأعمال يسرقون الأراضى الزراعية والصحراوية وينهبون الآثار، لم يكفهم ذلك كله وسرقوا الهرم الأكبر ذاته، وهنا نرى معكم وثيقة حكومية عن معدلات السرقات فى السنوات الخمسين الأخيرة».
فى الجزء الثانى من المجموعة المُعنون ب «جرافيتي» ويحتوى على سبع قصص أيضا، تتميز معظمها بالواقعية، وتطرح أسئلة عديدة عن معنى الثورة والأحلام والخوف والأمل والحياة وسط واقع مضطرب لم تفلح ثورتان فى إصلاحه ويتجلى هذا بوضوح فى قصة «شقة» حيث نتعرف على سيدة مصرية تعمل مدرسة أتت لوسط البلد ومحيط ميدان التحرير وهى تشعر بحزن عميق على الشباب الذين استشهدوا، وتحلم بعالم أفضل، كل أمانيها فيه أن يكون عندها شقة تحميها وأطفالها من هذا العالم المضطرب «أنا حاسه إن حظى دائما وحش، لما اتجوزت عمرى ما عشت فى شقتي، حتى الحمام كان لازم أتأكد إن جوزى واخواته مش فى الحمام، وكنت بعمل حرب أهلية عشان البس حاجه تعجب جوزي، وفى شقة أمى كانوا بيعاملوا ولادى كأنهم ولاد شوارع، خصوصا لما جوزى كان يتأخر فى بعت المصاريف».
وفى قصة «ستوديو طولون» آخر قصص المجموعة يتماهى شريف مع طفولته راصدا حبه القديم للتصوير وللكاميرا هذا العالم السحرى الذى شاركت فى صنعه شركة كوداك لكنه بعد سنوات يجد معالم هذا العالم تضمحل وتتحلل فى ظل سطوة العولمة وتغير الحياة بوتيرة متسارعة لم تقدر عليها شركة كوداك فكان خبر إعلانها الإفلاس «كانت الكاميرا كوداك هى أجمل هدية حصلت عليها بعد حصولى على الشهادة الإعدادية، كوداك التى كانت تتبع سياسة شهيرة فى العالم، تبيع الكاميرا بثمن رخيص لكنك فيما بعد ستشترى منها الأفلام والطبع والتحميض أيضا، وبالتالى ستكون تابعا لها، وهى السياسة التى طبقتها شركات المحمول فيما بعد، أحببت اللعبة التى تشبه العالم السحرى من خلال لقطات معينة، تضغط الزر فتظهر صورة تلو أخرى حتى تنتهى القصة، كنت أحلم دائما بتصوير حكايات جديدة».
رغم تنوع الشخصيات والعوالم داخل المجموعة لكن هناك سمة مشتركة بين معظمهم وهى بحث كل واحد منهم عن عالمه المنسي، الذى يفتقده، مما يشعره بالغربة والريبة والتشكك والقلق والخوف مما هو قادم ويظهر هذا بوضوح فى قصة تاكسى أبيض حيث «هاجم ذلك الهاجس السائق فجأة ربما يكون هذا الرجل يشكل عصابة مع تلك السيدة، لقد حدث هذا مع أحد أصدقائه منذ يومين، حيث ركبت سيدة وبعدها بمسافة ركب رجل ورفعت السيدة السلاح على السائق ثم سرقا السيارة، وبعد يومين ساوماه على إعادتها إليه مقابل مبلغ من المال، حيث كانت السيدة قد حصلت على رقم السائق بزعم أنها تريد سائقا أمينا معها فى بعض مشواريها الخاصة، لكنه لن يقع فى هذا الخطأ فهذه العربة هى كل ما يملكه من حطام الدنيا. لديه بخاخ بالقرب من الفتيس، به ماء نار سيلقيه عليهما وبعدها يجرى مسرعا ناحية شنطة العربة ويخرج منها الشومة الكبيرة التى اشتراها منذ أربعة أيام».