الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قراءة فى خريطة مصر الجغرافية

قراءة فى خريطة مصر الجغرافية
قراءة فى خريطة مصر الجغرافية




د. محمد محيى الدين حسنين يكتب

فى أحد اللقاءات بين الأستاذ محمد حسنين هيكل مع الجنرال شارل ديجول نظر الجنرال إلى خريطة للعالم خلفه مشيرا إلى موقع مصر الجغرافى ومن ثم مكانها من توازنات وصراعات القوى فى العالم وما كان يشير إليه الجنرال فى الحقيقة هو أن قراءة صحيحة للخريطة الجغرافية تفتح لنا الطريق لفهم المتغيرات السياسية للدولة وثقافتها السياسية داخليا وخارجيا ويفسر لنا كثير من المواقف والثوابت السياسية فمن الواقع الجغرافى تنطلق الحضارات ويحفر التاريخ عليه مجراه، ومن امتزاج الجغرافيا بالحضارة مع التاريخ تتحدد سياسات ونظم الدول وتجاهل أى من تلك المحددات أو عدم أخذها فى الاعتبار يجعلنا نتخبط فى فهم ما يدور على الساحة السياسية.
ولأن مصر دولة إفريقية بامتداد أسيوى، وتتوسط ثلاث قارات فى قلب العالم القديم، فقد تكالبت عليها كل القوى العظمى التى نشأت حولها عبر التاريخ وإلى يومنا هذا باعتبارها المدخل الطبيعى للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، ومنذ نهاية الإمبراطورية المصرية القديمة دخلت مصر فى مرحلة طويلة من الحكم الاجنبى استمرت لآلاف السنين، بدءا بالهكسوس وانتهاءا بالانجليز ومرورا بكل الإمبراطوريات التى تكونت حولها عبر التاريخ ولم تصل ادارة الدولة الى يد المصريين إلا فى منتصف القرن الماضى.
وربما كانت إحدى النقاط المضيئة فى التاريخ المصرى هى رفض الشعب الدائم للمحتل ومحاولاته المستميتة للتحرر الوطنى ونشأة  عسكرية مصرية أصيلة على ورغم انها تكونت واعدت من قبل الأجنبى إلا أنها ظلت شديدة الارتباط بجذورها، فقد تكونت من عمق المجتمع المصرى وتشكلت من خير اجناد الارض ولا عجب ان اصبحت الملجأ والملاذ للشعب فى الملمات.
تلك الخلفية الجغرافية والتاريخية ترسم لنا بعض الخطوط العريضة يضيف إليها أو يأخذ منها النظام سياسى حتى يمكن وصفه بأنه صناعة محلية بعيدا عن تلك الأنظمة سابقة التجهيز التى نعانى منها.
أولا: خلال ذلك التاريخ الطويل لم يسمح المحتل الاجنبى للمصريين بأن يتولوا تصريف أمورهم ورعاية مصالحهم فالمصرى دائما كان يعمل لدى الآخرين الذين يستنزفون خيراته ويوجهون سياسته داخليا وخارجيا وفقا لمصالحهم ولنا أن نعترف أن خبراتنا السياسية تأثرت إلى حد بعيد بتلك الاعتمادية على الغير فلم يتعود الشعب على التعبير الصحيح لفترات طويلة عن نفسه.
ولعل خير بداية لنا أن تبدأ ديمقراطيتنا على مستوى الإدارة المحلية لإعداد الكوادر المنتخبة وتدريبها على اتخاذ قرارات على مستوى محدود وألا يسمح للترشح للبرلمان إلا لمن خاض الانتخابات المحلية وكون خبرة سياسية تؤهله للتشريع والتخطيط على المستوى القومى.
ثانيا: نظرا للطبيعة الخاصة للعسكرية المصرية وارتباطها العضوى وجذورها الضاربة فى عمق التاريخ المصرى فهى مكون أصيل فى النظام السياسى المصرى ولن تخرج من المعادلة وكل ما يقال حولنا من ادعاءات عن الحكم غير المدنى، الهدف منه ضرب النظام فى مقتل فقد كان تطوير الجيش الخطوة الأولى فى قيام الدولة المصرية الحديثة وضرب وتحجيم تلك القوة كان دائما البداية لتحجيم دور مصر أو إسقاطها.
ثالثا: تقليص دور الزعامة السياسية للرئيس فى مصر ما زال محل رفض من الشارع المصرى وما زال وجود زعامة قوية فى مصر إيذانا بانطلاقتها وتطورها، وإذا كان التاريخ المصرى يعطى أمثلة عديدة لذلك فإن أعتى الديمقراطيات فى العالم تعطى للرئيس صلاحيات تفوق تلك التى اعطيت على خجل للرئيس المصرى ومن يريد التأكد من ذلك فإننا نحيله إلى الدستور الأمريكى أو الفرنسى ولعله يقارنها بصلاحيات رئيس الوزراء البريطانى.
وللحديث بقية