الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يحيى حقى: قنديل أضاء طريقاً للقصة العربية

يحيى حقى: قنديل أضاء طريقاً للقصة العربية
يحيى حقى: قنديل أضاء طريقاً للقصة العربية




كتبت- رانيا هلال


 ولد الكاتب  يحيى حقى (1905 - 1992) لأسرة من أصل تركى تقطن حى السيدة زينب بالقاهرة، وهو الحى الذى قضى فيه سنى طفولته، فكانت الولادة والنشأة سببًا لارتباط لازمه طوال حياته بالأحياء القاهرية الشعبية القديمة وبأهلها وبتقاليدهم.
عمل يحيى حقى بعد تخرجه، فى مدرسة الحقوق العليا عام 1925، محاميًا ثم معاونًا للإدارة بصعيد مصر، الذى قضى فيه عامين قبل أن يلتحق بالسلك الدبلوماسي.
 وفى عام 1955، اختير مديرًا لمصلحة الفنون (النواة الأولى لوزارة الثقافة فيما بعد)، فكان له دور مؤسس فى النهضة الثقافية التى عرفتها مصر فى تلك السنوات وما بعدها.
 وفى عام 1962، تولى يحيى حقى رئاسة تحرير مجلة (المجلة) الشهرية لثمانى سنوات، نجح خلالها فى تحويل تلك الدورية إلى منبر ثقافى مؤثر، قدم من خلاله الكثير من المواهب الجديدة فى ميادين القصة القصيرة والرواية والشعر والنقد.
 خلال دراسته للحقوق، كتب يحيى حقى القصة القصيرة متأثرًا بالأدب الروسي. وصدرت مجموعته القصصية (قنديل أم هاشم) كأول كتاب ليحيى حقى عام 1944، فقد نشر فى الصحف والمجلات منذ أواسط العشرينيات، وخاصة فى صحيفة «الفجر» لسان حال «المدرسة الحديثة» وليدة ثورة 1919 الوطنية، ولهذه «المدرسة الحديثة» فضل كبير بتعريف البيئة المصرية بالقصة فى مفهومها الحديث، التى كان يحيى حقى من أوائل مَنْ كتبوها بالعربية.
 وإلى جوار القصة والرواية، أسهم يحيى حقى فى كتابة المقال الأدبي، والنقد الأدبى والفني، والدراسات الأدبية، والسيرة الذاتية. وله ثمانية وعشرون كتابًا.
وقد انعكس ذلك على أدبه، فكانت كتاباته تتسم بالواقعية الشديدة وتعبر عن قضايا ومشكلات مجتمع الريف فى الصعيد بصدق ووضوح، وظهر ذلك فى عدد من أعماله القصصية مثل: «البوسطجي»، و»قصة فى سجن»، و»أبو فروة».كما كانت إقامته فى الأحياء الشعبية من الأسباب التى جعلته يقترب من الحياة الشعبية البسيطة ويصورها ببراعة وإتقان، ويتفهم الروح المصرية ويصفها وصفًا دقيقًا وصادقًا فى أعماله، وقد ظهر ذلك بوضوح فى قصة «قنديل أم هاشم»، و«أم العواجز».
وبالرغم من قلة الأعمال القصصية ليحيى حقى فإنه يعد بحق هو الرائد الأول لفن القصة القصيرة، كما أثرى فن اللوحة الأدبية فى مقالاته الأدبية العديدة التى لا تقل فنًا وبراعة عن القصة.
وقد ترجمت بعض قصصه إلى الفرنسية، فترجم «شارل فيال» قصة «قنديل أم هاشم»، وترجم «سيد عطية أبو النجا» قصة «البوسطجي»، وقدمت تلك القصة الأخيرة فى السينما وفازت بعدد كبير من الجوائز.
 كان «يحيى حقي» أكثر أدباء جيله تأثيرًا على الأجيال اللاحقة من الكتاب، فقد كرَّس حياته لإرساء القيم الأدبية والفكرية والأخلاقية، وظل يرسى تلك المبادئ والقيم ويبثها فى تلاميذه من خلال إبداعاته حتى آخر لحظة فى حياته.
 ولقد كان «يحيى حقي» ذاكرة حية لواقع الحياة المصرية، وقد سجلت كتاباته نبض الحياة المصرية، وعكست أنماط الحياة والتقاليد الاجتماعية فى صعيد مصر وريفها، كما حرص على نقد الواقع الاجتماعى للأمة.
 واستطاع كذلك أن يرسى أسس الدرس النقدى منذ وقت مبكر، فكان كتابه «فجر القصة المصرية» – على صغر حجمه – تأصيلاً مبكرًا للأسس الفنية للنقد الأدبى لفن القصة.
وتأثير «يحيى حقى» واضح على القصة العربية ليس فقط فى مصر وحدها، وإنما فى الأدب العربى عامة، ودوره فى إرساء تقاليد هذا الفن الأدبى وإنضاجه هام وكبير بالرغم من قلة أعماله، وذلك لا يعنى ضيق عالمه أو محدوديته، وإنما على العكس فقد كان يحيى حقى مدرسة لكثير من الأدباء، وعالمًا رحبًا حلق فيه العديد من الأدباء ينهلون من فنه وأدبه.
 وقد قالت الكاتبة الأميركية مريام كوك عنه، إن يحيى حقى كان علما من أعلام الثقافة والإبداع فى مصر والعالم العربى والغربي، وقد تجاوز بإبداعاته حدود اللغة وعوائقها الى العالمية بسبب القيم الإنسانية التى عكسها فى أعماله. وذكرت كوك ان حقى بما قدم من إبداعات دحض مقولة «الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا»، وعاش يتحدى هذه المقولة فى كل ما قدم من أعمال إبداعية.