الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د. حمدى عبد الله: أسقط من نظرى من يغير أسلوبه الفنى من أجل المادة

د. حمدى عبد الله: أسقط من نظرى من يغير أسلوبه الفنى من أجل المادة
د. حمدى عبد الله: أسقط من نظرى من يغير أسلوبه الفنى من أجل المادة




حوار - سوزى شكرى


اعتاد أن يرافقه فى كل مكان ورقة بيضاء هى شريكة مسيرته ومشروعه الفني، يمسك بقلمه الأسود الرشيق ويداعب ويجادل بالخط مخزونه الثقافى والبصرى بدون إعداد مسبق أو فرض قيود على وجدانه وفى لحظات معدودة نجد العناصر والرموز تطاوعه تنطلق بكامل حريتها وطاقتها، وكأن أوراقه مسكونة بالأفكار والأساطير، وعندما يتوقف قلمه عن الكلام نجد عملاً فنياً إبداعيا مميزاً يصعب تحديد زمن وانتماء عناصره ولكنها تخاطب كل الشعوب بلغة الفن الإنساني.. هو الفنان الدكتور حمدى عبد الله الذى أقام مؤخرا معرضه الاستعيادى (مسيرة وسيرة من عام 1970 – 2015) بمركز الفنون، وعرض فيه مسيرة خمس وأربعين عاما من العطاء الفنىَ تحت عنوان (الإنسان داخل الإطار – بداية ونهاية) وهى مجموعة قام بانتقائها لتمثل جميع المراحل الفنية ووثقها بالتواريخ عارضا حوالى 400 لوحة. كما اقيمت على هامش الاحتفالية ندوة شارك فيها مجموعه من الفنانين والنقاد ودارت حول مشواره الفنى ومسيرته المعنية وكفاحه وتمسكه بمبادىء رغم كل العقبات ،حول مسيرته الفنية والإدارية والمواقف التى تعرضت لها وعن آرائه فى القضايا الفنية تحاورنا معه.


■ حدثنا عن المؤثرات والدعائم التى شكلت مشروعك الفنى فى بداية طريقك؟
ـــ الفنان جزء من المجتمع لا ينفصل عنه، بدايتى فترة الستينيات دعمت مسيرتى ومسيرة فنانين آخرين بالتأكيد، كنا نلتف حول المشروع القومى «الحلم» الذى جعل منظومة المجتمع تعزف عزفاً متسقاً واحداً، المشروع كان يدعمنا ويحدد مساراتنا فى كل المجالات الإبداعية الثقافية الموسيقى والشعر والأدب الفن التشكيلي، الحياة بأكملها كانت مشروعًا متكاملاً ومتوافقًا وإن اختلفنا فكرياً فى بعض الآراء لكن الهدف القومى كان واضحًا ومحددًا، مادة التربية العسكرية التى تغرس فينا القيم والوطنية بدون شعارات أو افتعال، من الجانب التشكيلى الخط هو العنصر الوحيد الأقرب إلى شخصيتى ورافقنى طريقى.
 فترة نكسة 196 التى صدمتنا بعد المشروع القومى جعلت موضوعاتنا الفنية تختلف، ورسمت مجموعه لوحات تحت عنوان «دعوة إلى الآخر» عام 1970 – 1973، ومرحلة أخرى اعتز بها رسمتها فى ايطاليا «الإنسان والنبات» حيث بدأت التكوينات فى أعمالى تأخذ أشكالاً عديدة غير مرتبطة بنقل الواقع، ولكنه فى حقيقة الأمر عن الواقع فى مخيلتي، تجمع بين الوجه الإنسانى وطاقات النبات ويليها الإنسان داخل الإطار، بالتالى بدأت رحلة الإنسان تصبح مشروعى الفنى.
■ عناصر ورموز لوحاتك تتسم بالغموض، فمن أين تستلهم عناصرك؟
ـــ فى جملة واحدة «الثقافة»، الفنان لابد أن يكون قارئًا ومثقفًا ولديه القدر الكافى من المعرفة، حين أدركت أن مشروعى الفنى بدء يتشكل فى خطوطى وجدت رسوماتى نتاج قراءتى المستمرة عن فنون الحضارات والأساطير والإنسان وفى الفلسفة وفى علم النفس، قراءتى فى كل المجالات، حين يصل الفنان إلى حالة الإشباع الثقافى ويستوعب التراث الإنسانى للحضارات والأساطير والطقوس لشعوب العالم الأفريقى والأسيوى والأوروبى، وأيضا الثقافة الشعبية برموزها ودلالاتها ويتواصل مع أحوال الفنون المعاصرة، كل هذه دعائم سوف تدعم مسيرته ومشروعه الفنى ويصبح لديه شخصية فنية وخصوصية ويستطيع بفنه إن يخاطب العالم كله بلغة واحدة، وفى هذا السياق اختلف مع الفنانين الذين يقدمون أعمالا فنية يطلقون عليها مستوحاة من التراث الإنسانى.
■ ما أوجه الاختلاف بين أعمالك وبين من يستوحى عناصره من التراث الإنسانى للحضارات؟
ـــ مفهوم التراث الإنسانى يشمل كل حضارات العالم ليس الحضارة الفرعونية فقط وليس الحضارة القبطية فقط وليس الإسلامية فقط وليس الهندية فقط ولا الأسيوية فقط وغيرهما، كل حضارة لها مجموعة مفردات وعناصر ولها شكل فى توظيف الرموز بما يتفق مع فكر وفلسفة العقيدة، وأيضا المنبع الشعبى للتوظيف الرموز، أنا لا أتعامل مع حضارة بعينها ما أقدمه فى أعمالى هو تلخيص تلقائى واختزال وتركيبات ومخزون لحضارات الإنسانية، أما الفنان الذى يدعى انه استلهم من التراث أجزاء ويضعها فى لوحاته هذا مفهوم خطأ كأنه ينتزع جزءًا من حضارة ويضعها فى زمن آخر، تجعلنا نشعر بالغرابة وبأن العنصر قد فقد عقيدته وفلسفته الخاصة، هذا نوع من الاستسهال وتكاسل من الفنان فى أن يبحث بحثاً تشكيلياً فى التراث.
■ رغم ما حققته من نجاح إلا أن لوحاتك تجد بعض الصعوبة فى التسويق فلماذا لم تغير أسلوبك من أجل ذلك؟
ــ أتعامل مع الاقتناء على فترات متباعدة، الأفضل إن يكون الاقتناء من الدولة لأنه سيظل للتاريخ والأجيال، ولكن الدولة مقصرة جدا فى اقتنائها الأعمال الفنية التى تستحق، لم أغير أسلوبى الفنى على مدى خمس وأربعين عاما من اجل التسويق رغم ما تعرضت له فى حياتى من أزمات، الفن أخلاق وقيم وليس تجارة.
 حزين على أجيال من الفنانين الشباب والكبار أيضا أصبحوا يرسمون أعمالا بالطلب أشبه بالوجبات الجاهزة، بمعنى أن يطلب منه لوحة بألوان معينة وموضوع معين حسب طلب «الزبون»!، هؤلاء يتعاملون مع الجاليريهات الخاصة التى دمرت هويتهم الفنية فى مقابل المادة، القاعات الخاصة تتعامل مع الفن على انه منتج تجارى للبيع وهذا حقها، ولكنى بشكل شخصى أسقط من نظرى كل من يغير أسلوبه ومشروعه من أجل المادة ونصيحتى لهؤلاء: كن صادقًا فى فنك ولا ترخص من قيمة موهبتك.
■ تعرضت لهجوم قبل وبعد تقلدك العديد من المناصب الإدارية بكلية التربية الفنية الزمالك، حدثنا عن بعض المواقف؟
ـــ بالفعل واجهت حروباً، كل موقف زادنى قوة وإيمانا بأن حقى سوف يعود إلى مهما انتظرت، حافظت على قيمتى ومن حاولوا محاربتى جميعهم فشلوا، فى البداية طلبت إجازة للسفر للإعارة بالكويت عام 1979 فرفضت الكلية ولكنى سافرت ففصلونى، وأثناء وجودى فى الإعارة كنت أنشر مقالات فى جريدة الأخبار المصرية لمدة خمس سنوات بعنوان «كيف تتعلم الرسم».
وكنت أتابع وجدت إعلان بحاجة قسم التربية الفنية جامعة المنيا إلى أستاذ مساعد فتقدمت بأوراقى وتصادف وجود الدكتورة نوال حافظ فى اللجنة التى تختار أساتذة للمنيا، والتى طالبت بأن أعود إلى بيتى الأول كلية التربية الفنية الزمالك، ولكن القسم وقتها رفض عودتى، ولكن اللجنة كتبت تقريراً أسعدنى جدًا ووصفونى بصفات اعتز بها، وعدت من الإعارة وتوجهت لقسم التربية الفنية جامعه المنيا وأعددت 14 مرسم بالكلية، كل مرسم باسم رائد من رواد التربية الفنية إلى أن تحول القسم إلى كلية، ثم تقدمت للمرة الثالثة بنقلى لكلية التربية الفنية بالزمالك وتكرر الرفض، ولكن هذه المرة كان الرفض لخطأ إدارى من اللجنة المشكلة للموافقة على نقلى، ثم وفى وجود الدكتور فؤاد حسنى عميدا كلية التربية الفنية عرض عليا التقدم بطلب نقل للمرة الرابعة وهذه المرة لم يرفضى القسم وعدت لكليتى بعد متاعب وهجوم غير مبرر، وعملت وكيل للكلية فى شئون البيئة إلى أن أصبحت عميدًا للكلية منذ عام 1997 إلى 2000 وتوالت بعد ذلك مناصب أخرى فى جهات داخل مصر وخارجها، وأنا غير نادم على خطوة أو قرار اتخذته.
■ هل بالضرورة أن يكون معلم التربية الفنية فنان؟
ـــ الفنان والمعلم لابد أن تضعهما فى بوتقة واحدة ولا انفصال بينهما، لكننا نقع فى إشكالية بأن أغلبية أعضاء التدريس فى الكليات الفنية لا يمارسونالفن بشكل دائم ولكن بعضهم لديه القدرة على تعليم الفن وتدريسه بالطرق الصحيحة، المعلم الذى يستطيع تعليم الفن بالتأكيد هو بداخله فنان واع وحتى وان لم يترجم وعيه بالفن من خلال معارض، الأستاذ يوسف عفيفى الذى علم الفن للفنانين الكبيرين عبد الهادى الجزار وحامد ندا لم يحصل على نفس شهرتهم إلا أنه علمهم كيف يصبح كل منهما فنانًا له أسلوبه الخاص، بالإضافة إلى أن البعض يتنصل من دوره كمعلم فن ويذهب للبحث عن أن يكون فنانًا مشهورًا مع انه لا يملك الكفاءة ليصبح فنانًا بل يملك كفاءة المعلم، إنما هذا لا يمنع أن قلة حققوا المعادلة الصعبة بأن يكون فناناً مميزاً ومعلماً أكثر تميزا.