الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نجيب محفوظ همس الحارة المصرية

نجيب محفوظ همس الحارة المصرية
نجيب محفوظ همس الحارة المصرية




إعداد - سوزى شكرى

على الرغم من كثرة ما كتب عنه لازال النقاد والباحثون يتناولون بالرصد والتحليل أعمال أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ، ودائما ما يصاحب ذكراه سواء ميلاده فى 11 ديسمبر 1911 أو رحيله فى 30 أغسطس2006 صدور العديد من الكتب التى تقدم قراءات نقدية فى نصوص أعمال «محفوظ» من زوايا جديدة، ولولا هذه القراءات النقدية ما تعرفت الأجيال الجديدة على جماليات أدب محفوظ وقيمته التى توثق لفترات من تاريخنا المصرى بكل ما فى هذه الفترة من قيم مجتمعية وصراعات وعلاقتها بالمشهد السياسى

من الإصدارات الجديدة التى تناولته بالنقد والتحليل صدر عن المجلس الأعلى للثقافة كتاب «الفن القصصى بين جيلى طه حسين ونجيب محفوظ» للكاتب دكتور يوسف نوفل، وأيضا صدر عن سلسة كتابات نقدية التى تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب بعنوان «تجليات سرد الحياة» ويحمل عنوانا آخر فرعيا هو «قراءة فى أدب نجيب محفوظ» للكاتب محمد عطية محمود.
فى كتابه «تجليات سرد الحياة.. قراءة فى أدب نجيب محفوظ» انطلق الكاتب محمد عطية من فرضية بحثية بأن الإبداع القصصى عند محفوظ ينشغل بالحياة فأطلق عليه «سرد الحياة» التى تجسدت فى عدة صور من خلال طرح الكاتب لعدة نصوص من القصص القصيرة لمحفوظ التى اثبت فيها مدى التزامن بين الجانب الاجتماعى والسياسى مع الارتباط بالقضايا الكبرى وذلك بدأ من «همس الجنون» 1947 وصولاً لـ«أحلام فترة النقاهة» 2004.
يتناول «عطية» فى كتابه فى ستة فصول مسيرة الإبداع القصصى لنجيب محفوظ، حمل الفصل الأول عنوان «همس الجنون..همس الحياة والموت»، أما الفصل الثانى فجاء بعنوان «دنيا الله والبحث عن خلاص»، الفصل الثالث بعنوان «القهوة الخالية والصراع مع الحياة»، أما الفصل الرابع فعنوانه «خمارة القط الأسود»، وجاء الفصل الخامس بعنوان «تحت المظلة وعبثية الصراع مع الحياة»، الفصل السادس بعنوان «المرأة ..والحياة» قام فيه الكاتب بإعادة قراءة أعمال محفوظ من وجهة نظر محفوظ نفسه، واستشهد «عطية» بالعديد من كتابات محفوظ، من أشهرها ما قاله محفوظ فى حواراته عن ظلم النقاد والإعلاميين لأعماله ولأعمال أدباء آخرين: «العادة هكذا، إذا اشتهر الإنسان بنوع معين، لايرد ذكره إلا فى هذا المجال وحده مهما كانت له قيمة شيء آخر، فسيظل يوسف إدريس عند الناس كاتب قصة قصيرة مهما كتب من روايات، وأنا لا اعتقد أن الظلم يقع علىًّ بقدر ما وقع على الأدب ذاته، والمضحك والغريب أن قصصى القصيرة منتشرة بين القراء أكثر من كتاب القصة الفعليين، كل مجموعة طبعت خمس مرات، وكل طبعة بالآلاف، على أية حال إذا كان النقد قد ظلمنى فى هذا المجال فقد عوضنى القراء».
وعن اتهام محفوظ للنقاد قال الكاتب محمد عطية فى كتابه: «تلمس محفوظ جوهر الحقيقة وجوهر القيمة الأدبية التى تسبغ على المبدع حقه ولا تغمطه حيث أن الفيصل دوماً والرهان الحقيقى للمبدع هو القارئ، أى قارئ؟ لابد إن يكون قارئا شغوفاً لاتفوته درر المبدع، يستشهد الكاتب بنص محفوظ الذى اقتحم به عالم القص «همس الجنون» الذى كشف الكاتب من خلال تفسيراته
أنها تمثل نصرا خفيا على الكون، والتى عرض فيها محفوظ العديد من التساؤلات الفلسفية والجدلية عن الحياة والموت، حيث أسمى محفوظ عشق الحياة والحرية بالجنون، بدأ محفوظ نص (همس الجنون) بسؤال: ما الحياة؟ إنه فيما يبدو حالة غامضة الحياة أو الموت»، يلفت الكاتب إلى أن محفوظ بهذا الرد مازال تعريف الحياة لديه يعتريه الالتباس واتخذ شكل الازدواجية فى التعبير بمنطق التضاد بمعنى أن الجنون هنا ماهو إلا وجه العملة الآخر للحرية، وبمعنى آخر أن المدخل إلى الحياة أو مخرج إلى الموت هما علاقة جدلية تتسم فى إبداعات محفوظ، وكم من الأسئلة عن دهشة التعرف على الحياة فى صورها الأولية طرحت بالنص وعن الجمود والانفصال عن الحياة، وإشكالية الإرغام والاغتصاب النفسى ضد مطلب الحرية التى هى مظهر حقيقى للحياة، والعديد من النصوص تصف العلاقة العكسية بين الحياة والموت كما فى نص «المعطف».
من نص محفوظ «دنيا الله» عام 1962 وهو صراع بين قاتل وبين الله، وجد الكاتب محمد عطية  أن محفوظ يطرح جدلية البحث عن الله فى الحياة، رغم انه يتأرجح ما بين أنه مع الحياة وضد الحياة حيث يتلاقى فيها البحث عن مخرج، مع تطور النظرة الفلسفية والميتافيزيقية للحياة، يطرح النص إشكالية الحياة/الموت وتسلل إليهما محور جديد مرتبط بإشكالية الدين/التصوف، كتب محفوظ فى الافتتاحية جملة مفتاح النص ولب النص ومحور أحداثه المباغتة المغرقة فى العبث فقال محفوظ: «دبت الحياة فى إدارة السكرتارية بدخول عم إبراهيم الفراش، فتح النوافذ واحدة بعد الأخرى ومضى يكنس أرض الحجرة»، بعد استعراض النص تأتى دلالة الكنس لتطفو على سطح النص وتؤكد رغبة الرجل فى كنس همومه أو ربما حياته السابقة التى داستها أقدام زملائه ورؤسائه، ولكن شعور المهانة والفقر دفعه إلى الصمت على ما يحدث له.
 وفى نص «زعبلاوى» وهى شخصية أسطورية تحاك حولها القصص والحكايات من خلال سعى السارد الذى ينقب عن تلك الشخصية/الرمز صورة الموروث الشعبى الدينى الذى يضرب بجذور المجتمع  ليتخطى مفهوم الدروشة والدجل، ومدى الصراع بين الرمز وعبث الواقع، ويستمر الكاتب فى تقديم أسئلة صراع الحياة من خلال نصوص محفوظ الحياتية.
أما الكتاب الثانى «الفن القصصى بين جيلى طه حسين ونجيب محفوظ» للناقد الدكتور يوسف نوفل يقدم الكاتب دراسة أدبية ونقدية عن الأجيال العملاقة فى الأدب ومقارنتها واختص نجيب محفوظ بالدراسة، قسم الكتاب إلى الباب الأول بعنوان «أجيال فنية» قسمه إلى أربعة فصول (الجيل الفنى – الريادة بين هيكل وطاهر حقى – أوليات الفن القصصى فى الأدب العربى – المدرسة الحديثة وأشهر أعلامها)، الباب الثانى بعنوان «تيارات» قسمه إلى أحد عشر فصلا (تيار تسلسل الأجيال – التيار الأسطورى – التيار الرمزى – التيار النفسى – التيار الذاتى – التيار التاريخى – المذهب الأدبى بين الرومانسية والواقعية – اللغة – النماذج البشرية –قصتان قصيرتان).
تحدث الكاتب عن الأديب نجيب محفوظ منذ نشأته بحى الحسين ودراسته وانضمامه لحزب الوفد ومشاهدته لتنحى النحاس باشا وإيقاف العمل بدستور 1923 ودراسته للموسيقى بمعهد الموسيقى العربية وعن تكوين شخصية نجيب محفوظ يقول الكاتب: «جمح نجيب محفوظ إلى الموهبة وعشق الأدب، وأخذ يقرأ فى التاريخ الفرعونى والأدب الأوربى المترجم، وقرأ الأدب العربى القديم للجاحظ، وشعر المعرى والمتنبى وابن الرومى وابهره أسلوب مصطفى لطفى المنفلوطى، ثم مرحلة اليقظة التى عبر بها محفوظ من خلال طه حسين والعقاد وسلامة موسى والمازنى وهيكل وتيمور والحكيم ويحى حقى، وحين اكتملت أدوات القراءة اخذ يقرأ بالانجليزية والفرنسية ثم مرحلة التحرر من طريقة التفكير السلفية ونظر إلى الأدب الغربى الكلاسيكى، ودرس محفوظ الفنون المتصلة بالأدب كالفنون التشكيلية والتصوير والنحت والعمارة وتاريخ الفن العالمى والفرعونى والإسلامى والإغريقى، عصرالنهضة وغيرها، وجذبته رواية «الحرب والسلام» لتولستوى، والبحث عن «الزمن الضائع».
أما عن الإنتاج الأدبى عند نجيب محفوظ فرصد الكاتب البدايات فى كتابة المقال فى إطار موضوعات فلسفية عن معنى الفلسفة والإدراك والحواس والمعتقدات والجوانب السيكولوجية، ثم كتب فى البحث عن الله عام 1936، ثم كتب عن تاريخ مصر القديمة فى قالب روائى، وهمى (عبث الأقدار 1939 – ورادوبيس 1943 – وكفاح طيبة 1944 )، الإصدارات جاءت فى مواكبة الحركة الفكرية والقومية فى مصر، ثم انتقل إلى منهج واقعى يمتزج أحيانا بالرومانسية فى روايته القاهرة الجديدة 1946، فزقاق المدق 1947 التى قدمته للشهرة الاديبه وقدمته للقراء  وفازت بجائزة مجمع اللغة العربية، ويليها «السراب» 1948، و«بداية ونهاية» 1949، والثلاثية ( بين القصرين – قصر الشوق – السكرية ) من عام 1956 إلى عام 1957 وتناولت فترة ثلاثين عاما فى أكثر من الألف صفحة، وروزاليوسف أول من نشر رواية «خان الخليلى» 1952 فى سلسلة «الكتاب الذهبي»، ثم رواية «أولاد حارتنا»، «اللص والكلاب» 1961، «السمان والخريف» 1962، «الطريق» 1964، «الشحاذ» 1965، «ثرثرة فوق النيل» 1966، «ميرامار» 1967، «المرايا» 1971، «الكرنك» 1974، «قلب الليل» 1975، ووعد أنه سوف يقدم «حضرة المحترم» التى نشرت حلقاتها بالأهرام 1975 فى مجموعة خاصة، ثم «ملحمة الحرافيش» 1975.
كشف الكاتب يوسف نوفل عن وجود تسلسل للأجيال وتعاقبها وهذا لا يعرقل البناء والأسلوب القصصى فى أعمال محفوظ، ما قبل الثلاثية وهى مرحلة ما قبل الثورة فى رواية «القاهرة الجديدة» 1945 التى تبدو أهميتها فى أنها أول تجارب محفوظ مع الواقع المعاصر، وهى فى الوقت نفسه علامة تنبيه مبكر لأهمية الطبقة الوسطى تلك التى قدمت لمصر الشهداء والقادة والطلاب والفدائيين والزعماء، والتى طمح الكثيرين من أبنائها إلى الصعود السلم الاجتماعى تطلعا إلى انتماء طبقى أكثر رقى وأقوى نفوذا، أما فى «زقاق المدق» 1947 ارتبطت هذه الرواية بالحرب العالمية الثانية وانطلقت من موضع التأثير الخطير لتلك الحرب فى مصر، التضاد يظهر فى الزقاق الذى يضم المغامر والمستسلم والمتصوف والدراويش والقواد والمخرب كل هذا التناقض يؤتى بثماره فى التفاعل حين يتفاعل أبناء الطبقة المتوسطة ويزيد التطور الاجتماعى متمثلا فى شخصية «حميدة» وجعلوها رمزا لمصر التى كانت فريسة للاستعمار، والقواد رمز الاستعمار فى شخصية «إبراهيم فرج»، وشخصية «زيطة» رمزا لأثر الحرب العالمية الثانية ماديا ومعنويا، وفى رواية» بداية ونهاية «1946، والتى تحكى عن الأسرة التى يموت العائل ويتطلع أحد أولاده - حسنين - إلى الخروج من مأزق الطبقة المتوسطة.
وفى رواياته التى كتبها قبل قيام الحرب العالمية الثانية وقبل الثلاثية كلها أعمال تعالج الواقع مهدت لتعاقب الأجيال بها، وأن الثلاثية تمهد الطريق إلى ما بعدها من روايات، واستقلال كل رواية منها استقلالا ظاهريا كما أن التشابه بين نماذجها البشرية تشابه قوى نابع من مصدر واحد للتجربة الفنية ويعتمد على ملاحظة فنية دقيقة للأديب محفوظ لكا من حوله من أشخاص وأحداث، نشر محفوظ الجزء الأول من الثلاثية وهو «بين القصرين» التى تعتمد على تسجيل دقيق للواقع للزمن من عام 1917 إلى عام 1919، يرصد الأحداث اليومية مصاحبة لأحداث مصر، والتى يبدو فيها اضطراب القيم والمبادئ نتيجة الأحداث، وكل فصل مستقل بذاته حرض «محفوظ» على تسلسل الأجيال ويقتضى ذلك تتابع فى الأحداث التاريخية والوطنية والسياسية ومظاهر الجنس واللهو، وأجزاء الثلاثية مكملة لبعضها  حياة الأب المستبد «السيد عبد الجواد» ثم الجزء الثانى الأب الخائن ثم الجزء الثالث كفاح الجيل الجديد الوطنى، فى رواية «قصر الشوق» يبدأ الزمن الروائى 1924 إلى 1927 وفيها نسمع وقع أقدام تطور تطرأ على المجتمع فى الثلاثيات حيث تسود السيطرة الرأسمالية كمنافس للسيطرة الاجتماعية ونرى مظاهر التقاء الحضارة الغربية بالتقاليد والعقائد كما يبدو فى شخصية «كمال».
وفى رواية «السكرية» الأحداث بدأت 1935 إلى 1944، «السكرية» اسم الحارة وتدور فيها الصراع بين اليمين واليسار فلا ركب الحركة الوطنية والرغبة فى النمو الاجتماعى وفيها ترى توقيع معاهدة 1936 مع انجلترا، انتهت الثلاثية النهج الواقعى بوجهيه التقليدى والنقدى وهذا يعد عمقا فنيا فى ظهور الأجداد والأحفاد والتسلسل البشرى.