الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

هند الفلافلى تبحث عن «الجمال الخفى» فى المرأة

هند الفلافلى تبحث عن «الجمال الخفى» فى المرأة
هند الفلافلى تبحث عن «الجمال الخفى» فى المرأة




كتبت - سوزى شكرى

الصراع بين الخير والشر مستمر وباق بقاء الحياة، البعض يعتقد أن الغلبة فى الإنسان تكون للخير، والبعض الآخر يعتقد أن الغلبة لا تكون إلا للشر، وآخرون اجمعوا الرأى على أننا فقدنا التمييز بينهما لأن الشر أصبح يظهر بصورة الخير، بالإضافة إلى ضياع الملامح المباشرة للخير  فى عالمنا، ولكن الصراع والتصادم بينهما أمر حتمى لا مفر منه، تصادم مع النفس بمناقضاتها و تصادم مع الآخر بمواقفه.
من هذه الجدلية الفلسفية والصراع بين الخير والشر جاء اختيار الفنانة التشكيلية «هند الفلافلى» ليكون محور أعمالها التصويرية الكلاسيكية فى معرضها الأخير الذى حمل عنوان «الجمال الخفي» الذى عرض فى قاعة «سفرخان» بالزمالك وضم المعرض 24 لوحه تصويرية  بإحجام مختلفة.
من خلال أدواتها الفنية والوجدانية والتشكيلية كشفت الفنانة عن وجود جمال خفى يصمت أحيانا ويصرخ أحيانا آخرى الجمال الساكن بأعماق كل إنسان وبحسب فرضيتها الفنية والفلسفية هذا الجمال وهو الخير فى أنقى صوره وحتى أن خاض الإنسان طريق الشر يوما ما سوف تنتصر إنسانيته الإنسان.
 ترجمت هذا المضمون فنياً فى لوحاتها التصويرية واختارت «المرأة» لتكون الشخصية المحورية والبطلة فى كل تكوينات اللوحات، المرأة ذلك الكائن الثرى بالمشاعر والحس المرهف والجمال والعطاء والتحمل والمقاومة، المرأة التى قدر لها فى الحياة أن تحمى من حولها من أضرار المتغيرات الحياتية.
 رسمت الفنانة 24 بورتيريها للمرأة عبرت فيهم عن رد فعلها عندما تتعرض للصراع، اعتمدت فى لوحاتها على عنصران هما العقل والعاطفة، الحكمة والوجدان ويفصل بينهما مساحة تصادم وصراع تمثل هذه المساحة منطقة الشد والجذب بين الخير والشر.
استندت إلى رمزية الألوان ودلالاتها السيكولوجية والتعبيرية والفلسفية  لتعبر عن الحالة، فوضعت  المرأة كعنصر بين اللونين الأسود والأبيض وهما  يمثلان طرفى التصادم  والمعبران عن التضاد اللونى وكلاهما يحاول جذب المرأة إليه، ولكنها تبدو متمسكة بمشاعرها المرهفة وعناصرها الرقيقة التى تميزيها مثل الوردة والفراشة، الأسود هو تلك المساحة الداكنة التى تدير الصراع المقصود، والأبيض هو ذلك المساحة الساكنة التى تسعى لتعايش فى عالمنا الخارجى، وبين الأسود والأبيض يظهر مساحات لونية صريحة قوية واضحة وليس مساحات رمادية، فلا يوجد تدريج لونى فى كل اللوحات باستثناء تظليل البورتيرية فقط، وهذا يؤكد جانب من فلسفة أعمال الفنانة وهى إما أن تكون الخير أو تكون الشر وما بين الاثنين فهو قول مخادع.
وتجد اللون البرتقالى مبتسم  بين (الأسود والأبيض) ولكنها مع الأسف ليس إلا  لحظة أمل عابرة، لأن اللون البرتقالى تشبعت أطرافه باللون الأسود الذى افقده ابتسامته واخفى ملامح المرأة الجميلة الحس واكتفى بوجود نظره العين المثقلة بالهموم، كما وضعت المرأة فى لحظة تأمل وتركيز بين الأسود والأبيض يصارعهما اللون الأحمر الصارخ  الذى يطرح تساؤلاً هل الأحمر هنا هو لون الفرحة القادمة أم انه لون الصدمة المقبلة.
وعن الأسلوب الفنى أسلوب شاعرى بليغ يعبر عن سيمفونية الحياة بحلوها ومرها، واختارت خامة الأقلام الرصاص وأضافت إليها ألوان الأكريليك، وضعت تكرارا للحركة خلف سيداتها فى بعض اللوحات لتوحى باستمرار حالة الصراع، التكوين والبناء رصين كلاسيكى متوازن زوايا فنية منظورية غير نمطية لشخصيات النساء، وضربات الفرشاة ثرية غنية غاضبة ومتمردة سواء كانت فى الأسود أو الأبيض أو البرتقالى أو الأحمر.
جمعت بين التأثيرية والواقعية، الواقعية فى التلوين والتظليل وبين المساحات الحرة الحذرة للونين الأحمر والبرتقالى وذلك ليخدم الإبعاد النفسية الشاردة لشخصيات لوحاتها، والتأثيرية فى ضربات الفرشاة، الشخصيات تخرج من المساحات اللونية بمرونة وطلاقة فى التشكيل، وكأنها شخصيات كانت تسكن بعمق المساحات وتنتظر من يفك سجنها، أما الإبداع الضوئى المتمثل فى الأضواء والظلال ليس فقط من اجل استكمال الحالة الفنية، وإنما من أجل التأكيد على أن أسرار الجمال الخفى تكمن بين الظلال ويكشف عنها كلما خرجت فى مساحه الأضواء.
 موضوعات اللوحات هى مواقف ومشاهد من رد فعل المرأة فلقطة لامرأة تخفى ملامحها بيديها حتى لا يرى احد حزنها، وأخرى لإمرأة جميلة تبتسم بداخل المساحة اللون الأسود بتحد وتقاوم زحف الشر وتحاول الوصول إلى مساحة الخير الأبيض النقي، وأخرى تخفى جزء كل ملامحها بيديها حتى لا يرى الآخرون دموعها ويظهر ضعفها، وامرأة رفعت يديها بهدوء رومانسى رافضاً أن تسمع أقوال الكاذبين، وامرأة رافعة رأسها إلى الأعلى راضية بقدرها مستسلمة لتوغل الشر تنظر للون البرتقالى وترجوه إن يعود إليها، نعم أنها المرأة المطمئنة والمتيقظة والوديعة والحالمة والثائرة والصابرة المحيرة.
 ويبقى أن نقول أن الجمال الخفى فى المرأة أو فى الإنسان بصفة عامة يظل خفيا حتى وإن حاول الكثيرون الكشف عنه.