السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من الأدب الأذربيجانى دنيا الناس

من الأدب الأذربيجانى دنيا الناس
من الأدب الأذربيجانى دنيا الناس




يحتفظ الأدب الأذربيجانى بأسماء مهمة فى تاريخ الأدب العالمى، حيث تمت كتابة الأعمال الأدبية الآذرية التقليدية خلال القرن الرابع عشر، حيث برز فى تلك الفترة غازى برهان الدين، جهان شاه قره قویونلو « حقيقى، وفى أواخر ذلك القرن برز عماد الدين نسيمى، الذى يعد أحد أكبر وأهم الشعراء الذين نظموا الدواوين باللغات العربية والتركية والفارسية، ثم تطوّرت النظم الشعرية الغزلية والديوانية بعد ذلك بفضل ما أُدخل عليها من تحسينات من قبل شعراء وأدباء كبار مثل قاسم الأنور، محمد سليمان فضولى، والشاه إسماعيل الصفوى، وظهر فى أذربيجان خلال تلك الحقبة عدد من الروايات والمؤلفات الملحمية، مثل «کتاب دده كركود» الذى كُتب خلال القرن الخامس عشر، ثم تطوّر الأدب الآذرى بشكل أكبر مع إدخال نمط « العاشق» إلى الأشعار، ويرجع الفضل فى ذلك إلى الشاه إسماعيل الصفوى، الذى كتب ما يفوق 1400 قصيدة باللغة الآذرية تحت الاسم المستعار «خطائى»، وفى العصر الحديث تأثر الأدب الأذربيجانى بالاحتلال والهيمنة السوفيتية، وأصبح يتناول قضايا الحرية والعدالة، وفى السنوات الأخيرة بعد الاستقلال يسعى الأدب الأذربيجانى إلى إثبات وجوده على الساحة العالمية.
تعد رواية «دنيا الناس» من بواكير الروايات الأذربيجانية المترجمة إلى اللغة العربية، التى تدور حول شخصية البطل «أكرم» الذى كان يعيش ظروفًا اجتماعية صعبة داخل مجتمع تتفشى فيه الطبقية والمحسوبية أيام الاتحاد السوفيتى.. وتركز الرواية على العديد من المعانى المهمة التى لا يعرف الإنسان قيمتها إلا بعد ضياعها أهمها «الحرية»، «الحياة الأسرية»، «الأمن الاجتماعى»، فقد جعلت الظروف الاجتماعية بطل الرواية يتطاول على رئيسه فى العمل مما أدى إلى قتله والحكم على البطل بالإعدام.
تصور الرواية هروب البطل أثناء ترحيله للسجن ومن هنا تبدأ المعاناة الحقيقية له، بعد أن فقد كل شيء «حريته الحقيقية»، «أسرته بمفهومها الشامل»، «الحياة داخل المجتمع «، فبالرغم من هروبه والعيش فى مدينة أخرى بعيدة عن مسقط رأسه، فقد انقطعت صلته بأسرته وأقاربه ومعارفه وكل شىء يتصل بحياته القديمة، مما أفقده المعنى الحقيقى للحياة، فقد عاش فى المدينة الجديدة بلا هدف ولا مأوى ولا صديق لمدة عشرين عامًا.
طوال الفترة التى قضاها فى مدينته الجديدة والتى يراها خاوية بما فيها من أناس وسيارات وهواتف، يطوف فى شوارعها حتى غروبها، يجلس فى الأماكن المكتظة بالناس واضعاً أمامه قبعته المتهالكة، فيلقى المارة فى الطريق ببعض القروش على القبعة الموجودة أمامه، وعندما يصيبه الضجر من صوت النقود الملقاة أمامه وصوت أقدام المارة، يضع القبعة على رأسه دون أن يشعر، وينسل إلى شوارع بعيدة يقل فيها المارة، فيجلس فى ركن ما، فينزل على عينيه ظلام الماضى الحالك كالستار، ويخفى الدنيا عنه.. وفى هذه الحالة لا يرى المارة من حوله، ويُخيل إليه أنه لا يوجد أحد يعيش فى هذه المدينة، وأنه هو الساكن الوحيد فيها.
تحقق الرواية هذا المعنى من خلال نقلات فنية رشيقة متنوعة بين الماضى والحاضر؛ الماضى الذى عاشه البطل إنسانا سويا وسط مجتمعه، والحاضر الذى يفقد فيه حريته وأسرته وكيانه ويعيش وحيدا فى «دنيا الناس»، فالرواية تصور ما يعانيه الإنسان « نفسيًا» جراء فقدانه الحرية التى لم يكن يعرف قيمتها الحقيقية إلا بعد زوالها.. ومن التقنيات الفنية التى استخدمها الكاتب لإظهار الاضطرابات النفسية التى يعانيها البطل جراء ما وقع فيه هى «الرؤى والأحلام» وما تمثله وسيلة تنفيس عما يدور فى مكنون النفس الإنسانية.. كما تتناول الرواية بعض المعانى الأخرى مثل «الوحدة»، و«الموت»، و«الاغتراب».
كتب رواية «دنيا الناس» الأديب الأذربيجانى المعروف «واقف سلطانلى»، الذى ولد عام 1958، وتخرج فى كلية الفيلولوجيا «الآداب» جامعة باكو الحكومية عام 1981، ويعمل حالياً أستاذاً بقسم الأدب الأذربيجانى المعاصر بالكلية ذاتها، كما يرأس تحرير مجلة « أذربيجانيى العالم» التى تصدر بالولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2002، وله العديد من الأعمال الأدبية، فإلى جانب رواية «دنيا الناس»، كتب رواية «حرب الصحراء»، وقصة «حلم الموت»، بجانب عشرات القصص القصيرة والحكايات.. وقد جمع إنتاجه الأدبى فى العديد من الكتب هى «النجوم الخابية» عام 1988، «دنيا الناس» عام 1992، « سوق العبيد»، «حلم الموت» عام 2002، «وادى العدم» عام 2010.
ترجم رواية «دنيا الناس» إلى العربية الدكتور أحمد سامى العايدى، الذى تخرج فى كلية الآداب جامعة عين شمس قسم اللغات الشرقية، وحصل على الدكتوراه من جامعة باكو بأذربيجان، وعمل مدرساً فى قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب جامعة عين شمس، ويعمل منذ عام 2014، مديراً لمركز مصر للعلاقات الثقافية والتعليمية فى أذربيجان، وقد صدر له العديد من الترجمات منها «السيرة الشعبية الأذربيجانية (قاتشاق نبى)»، رواية «المخطوط المبتور»، وكتاب «خوجالى: مذبحة القرن العشرين»، وغيرها.. وقد صدرت الرواية عن المركز القومى للترجمة عام 2014، ضمن سلسلة الإبداع القصصى .