الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأحلام الأخيرة

الأحلام الأخيرة
الأحلام الأخيرة




عاطف بشاى  يكتب

«يبدو أن ما ننكوى به نحلم به»
كانت هذه العبارة هى تعليق أديبنا الكبير «نجيب محفوظ» على تطور أحلام فترة التفاهة الأخيرة فى محتواها الفكرى وطريقة سردها مع الزمن.. حيث أصبحت أكثر تأثراً بالواقع والأحداث الجارية.. والتعليق أورده الناشر «إبراهيم المعلم» بمناسبة نشره أحلاماً جديدة لم يسبق نشرها فى كتاب بعنوان «الأحلام الأخيرة» الذى صدر مؤخراً عن دار «الشروق».. وبذلك يصبح مجموع ما تركه «محفوظ» من الأحلام – ما نشر سابقاً وما نشر مؤخراً يزيد على الخمسمائة حلم (291 الأحلام الأخيرة و239 سبق نشرها فى (5) طبعات متتالية..
ويقول المعلم فى مقدمة الكتاب عن رأى النقاد فى الأحلام السابقة أنها من أهم وأجمل النصوص فى الأدب العربي.. وأنها أروع ما أبدع وألف محفوظ فهى ابتكار جديد فى فن السرد.. كما قالوا أنها من أعلى مراتب الإبداع والفلسفة والشفافية والحكمة.. وأنها محملة بمعان وأفكار تحلق فى أسمى مراتب الصوفية والصفاء وجوهر الحياة.. وقالت الكاتبة القديرة «سناء البيسى» إن صياغة الأحلام من نوع خاص.. مختومة بختم خاص.. إنها أحلام وليس أضغاث أحلام.. أحلام برؤية واعية وكاملة الإدارك.. إنها دفقة شفافية وشفاء للنفس.. الاختزال الدقيق الرقيق الذى ينزع الحراشيف ليبقى على الجوهر متلألئاً ألقاً.. إنها الزهد فى الدسم الزائل للوصول إلى النخاع حيث عبرت السنة رماح التكرار وغايات أشواك الملل وصحارى التقعر.. وعفاريت المط والتطويل وبحار غربة التقليد والاقتباس.
بينما قال «نجيب محفوظ» وقتها – بتواضعه المعهود – أنه يكتب «حاجات صغيرة قد الكف.. وأنه مرتاح لهذا الشكل وراض عما يؤلفه..
والحقيقة أنى رأيت فى الأحلام التى طبعت فى الكتاب الأول «أحلام فترة التفاهة» كيف أن العقل الكبير مازال قادراً على الإبهار والتجدد والتطوير.. وأن الروح مازالت حارة متألقة وأكثر حيوية ومعاصرة وشباباً وتجريباً وتحديثاً وجرأة فى إقتحام عوالم جديدة وأشكال غير مألوفة فى الطرح والتعبير والحبك والسبك.
وكتبت أبدى دهشتى لتوقف النقاد عند تلك العبارات الموجزة السريعة دونما أن يقدم أحد منهم على كتابة دراسة نقدية وافرة تلقى الضوء وتفسر وتحلل وتفك ألغاز وتشرح الأبعاد والمضامين الفلسفية لتلك الأحلام ولكنى الآن.. وقبل أن أقرأ «الأحلام الأخيرة» وأكتب عنها قد فوجئت بمقال صادم هزنى وأذهلنى للأستاذ «محمد الباز» أكد فيه أن تلك «الأحلام» مزيفة.. ولم يكتبها قط «نجيب محفوظ» وأن دار الشروق ارتكبت تلك الجريمة النكراء مستندة إلى غفلة القارئ وغيبة النقاد..
لذلك فإن صدمتى فى صمت النقاد واستنكارى لإهمالهم المتابعة النقدية للأحلام لا تمتد بالقطع إلى الكتاب الثانى «الأحلام الأخيرة».
وأتذكر ذلك المقلب القديم الذى أقدم عليه الساخر الكبير «أحمد رجب» فى الستينات من القرن الماضي.. فى تأليف نص مسرحى عبثى نشره فى إحدى المجلات الأسبوعية على أساس أنه ترجمة عن نص حديث للروائى العالمى الشهير «دورينمات» وتعمد أن يكتب هراء وتخريفاً وكلاماً تافهاً وركيكاً باعتبار أنه ينتمى إلى أدب اللامعقول.. وكانت الفضيحة المدوية أن أشاد ثلاثة من كبار النقاد وقتها بعبقرية «دورينمات» وعظمة مسرحيته الجديدة واعتبروها أهم عمل فنى معاصر صدر فى القرن العشرين..
إن خطورة عزوف النقاد عن الكتابة عن «الأحلام الأخيرة» خوفاً أن يكون تصريح «الباز» يمثل حقيقة مؤكدة.. لا تدانيه كارثة أن تمر الأحلام دون تقييم نقدى إذا ما تأكدنا أن اتهام الباز ليس سوى استنتاج أو شك لا يرقى إلى مستوى اليقين.