الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تبادل الاتهامات بين الحقوقيات والأخوات حول وضع المرأة فى الدستور




دستور مصر المقبل هو ما ينتظره الملايين أن يأتى معبرا عنهم منصفا لهم لتسود الوطن الحرية والعدالة الاجتماعية اللتان نادت بهما الثورة، وهذا الطموح يشغل بوجه خاص 48.8٪ من سكان مصر وهن الإناث، وفقا لما أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حديثًا، إلا أن نصف المجتمع يواجه شعورًا بالقلق والترقب تجاه هذا الدستور.
 
 
وقد انتهت اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور من صياغة باب الحقوق والحريات فى الدستور الجديد، وتختص المادة 36 فيه باقرار حقوق المرأة وتنص المادة على الآتى:
 
«تلتزم الدولة باتخاذ جميع التدابير التشريعية والتنفيذية لترسيخ مبدأ مساواة المرأة مع الرجل فى مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات الأخرى بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية.
 
وتوفر الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان وتكفل للمرأة الحماية والرعاية الاجتماعية والاقتصادية والصحية وحق الإرث وتضمن التوفيق بين واجباتها نحو الأسرة وعملها فى المجتمع».
 

 
سألنا «أم رزق» بائعة الخضار التى تحارب حرارة الجو وبلطجية السوق لتحصل على رزقها، سألناها عن متطلباتها التى تحلم أن يحققها الدستور المقبل، وبعد شرح بسيط، قالت إنها أم لخمسة أبناء وهى العائل لأسرتها بعد مرض زوجها «مبيض المحارة»، وكل ما يشغلها هو الحصول على تأمين صحى لها ولأسرتها، اضافة إلى حصولها على معاش شهرى يضمن لها الحياة الكريمة عندما تفقد القدرة على العمل. طالبت ناهد كمال - مهندسة على المعاش - بضرورة وجود تمثيل سياسى أكبر للمرأة وكذلك تواجد حقيقى فى المناصب القيادية ينظر لكفاءة المرأة بعين الاعتبار ولا يكتفى بوضعها فى المهام الإدارية بعيدا عن أى فرصة للتطوير بحجة: «زميلك راجل وعنده مسئوليات وهو أولى بالترقية». فى دراسة أعدها المركز المصرى لحقوق المرأة تحت عنوان «المساواة بين المرأة والرجل فى الدستور»، جاء فيها عرض لكيفية تناول دساتير الدول الأخرى للمواد المتعلقة بحقوق المرأة، ومن أبرز ما جاء فيها أن الدستور الرواندى يمثل نموذجا ايجابيا للديباجة حيث يضم عبارة: «الالتزام بالمساواة بين النساء والرجال دون المساس بمبادئ المساواة بين الجنسين»، وتوضح الدراسة أن ارساء مبدأ المساواة يبدأ بتوجيه الخطاب لكلا الطرفين على قدم المساواة والبعد عن الكلمات الفضفاضة والواسعة مثل: الأشخاص والمواطنين والأفراد. كما نص الدستور المغربى على اقرار مبدأ «عدم التمييز» وأن الرجل والمرأة يتمتعان بالحقوق والحريات على قدم المساواة، وضمت المادة أن يشمل ذلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية فى نطاق أحكام الدستور، وذكر فى عبارة صريحة أن: «الدولة تسعى للمناصفة بين الرجال والنساء وإنشاء هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز». ونجد مما سبق أن الدول النامية سواء عربية أو أمريكية أكدت على أهمية حصول النساء على 30٪ من مراكز صنع القرار، كما هو موجود فى روندا كما يعطيها نسبة تمثيل ثابتة فى البرلمان. أما الدستور الأفغانى «ما بعد طالبان» فينص هو الآخر على نظام الكوتة سواء فى مجلس الشعب أو مجلس الشيوخ، كما نص قانون الإدارة الانتقالى فى العراق على وجود تمثيل للنساء بنسبة لا تقل عن ربع أعضاء المجلس الشعبى.
 
وتأتى المادة 21 من الدستور الإيرانى لتضمن حماية الأمهات ولا سيما فى مرحلة الحمل وحضانة الطفل، وكذلك إعطاء الأمهات الصالحات «القيمومة» على أولادهن عند فقدانهن الولى الشرعى من أجل رعايتهم.
 
ويتصدى الدستور الكولومبى للعنف الجسدى ضد المرأة وينص على أن «من يسىء معاملة أى شخص من أسرته جسديا أو جنسيا يحكم عليه بالحبس من سنة إلى سنتين». فى هذا السياق تقول المحامية نهاد أبوالقمصان رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة أن المواد المتعلقة بحقوق المرأة فى الدستور الجديد تفتقد إلى «الرؤية المنضبطة» نتيجة لما وصفته بقلة الكوادر المتخصصة النسائية فى عضوية اللجنة التأسيسية للدستور، وهو ما اعتبرته أبوالقمصان «أزمة رؤية»، كما انتقدت باب الحقوق والحريات الذى تمت صياغته بطريقة تجعل بنوده غير ملزمة للقانون المصرى، حيث تتجاهل الالتزام بتطبيق المواثيق والأعراف الدولية التى وقعت عليها مصر بما فيها الجهات الدولية وغيرها من الاتفاقيات التجارية، هذا إذا ما وضعنا اتفاقية «السيداو» جانبًا والتى تهدف لمحاربة جميع أشكال التحيز ضد المرأة ومشيرة إلى أننا نواجه تخوفات إخوانية فى وضع المرأة فى الدستور.
 
كما اضافت أبوالقمصان قائلة عن أن المواد منقولة من نص المادة 11 من دستور 71 وتثير الكثير من الجدل حول لفظى «مبادئ وأحكام» حيث تشير المادة إلى مساواة المرأة مع الرجل بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.
 
وتتعجب أبوالقمصان من استخدام دستور الثورة نفس المادة التى استعان بها مجلس الدولة عام 2010 لرفض تعيين السيدات فى المجلس، وهو ما ينتقص من احترام امكانيات المرأة فى حين أنها تقود رئاسة الوزراء فى باكستان وتنهض بالدولة فى تشيلى، وفى نفس الوقت تجلد فى السودان إذا ارتدت البنطلون وتمنع من قيادة السيارة فى السعودية، ووصفت المادة أيضا بأنها تزيد من حالة «الإسلاموفوبيا» عندما تلتزم المرأة بأحكام الشريعة الإسلامية ولا تلزم بها الرجل أو الطفل على سبيل المثال. فى حين تؤكد كريمة الحفناوى أمين عام الحزب الاشتراكى المصرى وعضو الجبهة الوطنية لنساء مصر، على أن حقوق المرأة تواجه هجمة شرسة من شأنها تقزيم دورها والهجوم على مكتسباتها نتيجة لما وصفته بالخطاب الدينى المتشدد الذى ترى الحفناوى أنه ليس من الإسلام فى شىء. وتوضح أن هذه المخاوف دفعت القوى الحزبية لتأسيس الجبهة الوطنية لنساء مصر للدفاع عن حقوق المرأة ونطالب بحل اللجنة التأسيسية للدستور وإعادة تشكيلها بما يتناسب مع تمثيلها فى المجتمع على أن يتم ذلك على أساس الكفاءة، ولذلك تم رفع دعوى قضائية سوف يتم نظرها نهاية الشهر الحالى.
 
أوضحت كريمة أن لديها اعتراضات على مواد الدستور التى يتم مناقشتها لكونها لا تنصف المرأة فيما يتعلق بحقوقها الشخصية كما أنها لا تلزم الفتيات بالتعليم ولا يذكر بعبارات صريحة حقها فى الصحة والأجر المساوى للرجل لم يعد مقبولا التعريفات المطاطة غير التفصيلية. وردًا على ما يثار حول قوانين المرأة الأخيرة وتعديلاتها أكدت كريمة أنه «مفيش حاجة اسمها قوانين سوزان ولا جيهان اسمها قوانين المرأة»، مشيرة إلى أننا نتعرض لهجمة شرسة على قانون الخلع ورفض الالتزام بتنفيذ اتفاقية «السيداو» التى تهدف لمواجهة التمييز ضد المرأة، وخاصة أن مصر تحفظت على ما جاء فيها مخالفا للشرائع والأديان، واعتبرت الهجوم عليها بمثابة الأكاذيب التى تهدف لإلغاء المكتسبات الخاصة بالمرأة. ولفتت إلى أن الجبهة الوطنية لنساء مصر تسعى لإقامة لقاءات جماهيرية مع السيدات فى قرى ومحافظات مصر من أجل التوعية بأهمية مطالبة المرأة بحقوقها.
 
وتقول دكتورة هدى غنية عضو اللجنة التأسيسية للدستور والعضو السابق فى مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة أن مواد الدستور تؤكد أن المرأة مواطن مصرى من الدرجة الأولى ولديها كل حقوق المواطن المصرى كما أنها شريك، وقد أفردت لها مادة خاصة للحديث عن حقوقها دون الرجل، وذلك للتأكيد على أهليتها الكاملة، ولذلك أفردت لها مادة تضمن لها التوفيق بين واجباتها الأسرية من أجل أن تقوم بدورها السياسى. وفيما يتعلق بوجود مبادئ دستورية تجرم الاعتداء على جسد المرأة قال غنية أن القوانين هى المسئولة عن هذا الأمر، بينما يختص الدستور بوضع القواعد الأساسية والمبادئ الحاكمة التى تسير القوانين على نهجها وهو ما تحقق بالفعل فى مواد الدستور، وفق ما ذكرته. وتقول د. منال أبو الحسن أمينة المرأة بحزب الحرية والعدالة عن محافظة القاهرة، والأستاذ بكلية الإعلام جامعة 6 أكتوبر، أن باب الحقوق والحريات فى الدستور يأتى فى إطار الحرية الموجودة فى القوانين الدولية وبما يرسخ مبدأ المواطنة، كما أنه يضم موادًا خاصة تكفل الفئات التى تحتاج للمزيد من الرعاية مثل المرأة المعيلة والمطلقة والحاضنة.
 
وأضافت أبو الحسن قائلة أن الدستور يجب أن يشمل ما يضمن الحقوق والواجبات والمسئوليات، وأنه لا مانع من استخدام العبارات التفصيلية: «الرجل والمرأة» كما جاء فى القرآن الكريم، ولكنها تفضل أن يتم ذلك دون المبالغة فى تكرارها لأنها تضيع المعنى.
 
كما اعتبرت تكرار عبارة «بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية» وهو ما أثار اعتراض بعض الحقوقيات يتساوى مع المطالبة بتكرار بند المواطنة والتأكيد عليه رغم أنه مذكور فى المادة الأولى من الدستور، وبالتالى فلا داعى لتكرار تفسير لفظ المواطنة الذى ذكر بالفعل من قبل، وأضافت بأن الرافضين لتكرار هذه العبارة هم من أعضاء المجلس القومى للمرأة ونصف أعضائه من المحسوبين على النظام البائد، وأنهم قاموا بالفعل بعرض رؤيتهم على الجمعية التأسيسية للدستور التى سوف يجرى بها التصويت على المواد قبل عرضها للاستفتاء عليها وقالت إن تمثيل المرأة السياسى من الممكن أن يتحسن فى حالة وجود دورات للتشجيع على المشاركة السياسية تحسن من أداء المرأة وتجعل لها رؤية سياسية تمكنها من فرض نفسها عند الترشح فى الانتخابات، وأوضحت أن بعض الداعيات لتخصيص «الكوتة» لم يشاركن فى الانتخابات البرلمانية السابقة باعترافهن لعدم وجود كوادر كافية لديهن.
 
وعن الالتزام بتنفيذ الاتفاقيات الدولية وبالأخص «السيداو» قالت منال أبو الحسن أن مؤسسة الرئاسة أعلنت على لسان متحدثها الرسمى الالتزام باحترام الاتفاقيات عن وضع المرأة فى الدستور وصياغة المواد المتعلقة بحقوقها يقول د. رمضان بطيخ أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة عين شمس أن الدستور يشمل ما يتعلق بحماية المواطنين وإقرار حقوقهم الأساسية دون تمييز لأى طرف دون الآخر.
 
وأوضح أن إضافة مبدأ: «الالتزام بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية» يعنى ترسيخ المساواة بما لا يخل بقواعد الدين الإسلامى مثل الميراث أو الزواج، كما أوضح أن الدستور يضم المواد التى تلزم الدولة برعايتها بتوفير خدمات الأمومة والطفولة والرعاية بالمجان وهو ما يرد على الادعاءات بأنها لا تحصل على حقوقها.
 
وأضاف بأن الدستور القادم يرفض مبدأ «الكوتة» بمعنى تخصيص مقاعد لفئة بعينها فحتى نسبة العمال والفلاحين عمل على إلغائها، وبالتالى فهى تضع رأسها برأس الرجل وتنقلها إلى مصاف أكثر تقدما لم تكن موجودة فى الدستور السابق والذى كان يساعد على حرمان المرأة فى الصعيد على سبيل المثال من حقها فى الميراث ولا يحميها.