الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صلاح فضل: «محفوظ» مهندس ضبط المسافة بين المبدع والسلطة




 
 
استكمالاً لبرنامج احتفاء وزارة الثقافة بأديب نوبل نجيب محفوظ، أقامت دار الكتب والوثائق القومية ندوة تحت عنوان «نجيب محفوظ ذاكرة متجددة»، أدارها الدكتور صلاح فضل، والدكتور أحمد زكريا الشلق، والدكتور خيرى دومة.

تحدث الدكتور صلاح فضل عن الأجيال التى عاصرها محفوظ فقال: كنت أتصور أن لكل جيل من الأجيال قمة تتبلور فيها منظومة القيم ويصبح علامة ورمزًا لجيل بأكلمه، وعندما نلقى نظرة على القرن العشرين نجد ثلاثة أجيال من المبدعين ممن صنعوا الفكر والثقافة العربى وليس المصرى فقط، فى الثلث الأول كان الشاعر أحمد شوقى هو صوت الوطن العربى الشعري، وفى الثلث الثانى من القرن كان الأديب طه حسين يملى الحياة الفكرية الأديبة والعربية، وفى الخمسينيات والستينيات كان نجيب يبدأ مشروعه الأدبى، ويعبر بوضوح عن الضمير العربى بوصفه «سيد الرواية العربية»، موظفا التاريخ فى أعماله، ويقدم فى رواياته لغة تجمع بين الشعر والرواية، وكان فى ذلك الوقت يوسف السباعى -أحد مبدعى الفترة- وهو الضابط الذى كان يمسك بقيادة الثقافة فى مصر، وكان يعمل معه فى المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب كل من طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ.

وأضاف فضل: حافظ محفوظ على مسافة مضبوطة بينه وبين السلطة، حيث كان مهندسا فى ضبط المسافة بين المبدع والسلطة، يقف موازيا لها لا يندمج فى رحاب السلطة للحصول على مناصب، ولا يبتعد عنها حتى تعاديه، وموقف المثقف من السلطة مثل موقف البردان من النار لو وضع إصبعه فيها لاحترق، ولو ابتعد يتجمد، وبينهما يتعين على المثقف ضبط النفس.

وتحت عنوان «نجيب محفوظ مؤرخ بدرجة أديب» تحدث الدكتور أحمد زكريا الشلق قائلا: أتحدث عن نجيب محفوظ من باب التاريخ، حيث إنه مؤرخ كبير، فقرب الرواية من التاريخ أكبر من قربها للعلوم الاجتماعية، فالتاريخ خرج من رحم الأدب، يروى قصصًا وروايات عن فترة زمنية وروح كل العصور، فحين يكتب تاريخ عصر، لا يتجاهل الحركات الوطنية والثقافية وشعراء وأدباء هذا العصر وتأثيرهم عليه، فمهما جمع المؤرخ من وثائق وأوراق عن التاريخ لن تصل إلى مشاعر وجدان المجتمع إلا بالجانب الإنساني، على اعتبار أن الإنسان هو صانع التاريخ.
وأكمل: التاريخ حاضر عند محفوظ، يتخذ منه قناعا يعبر به عن عصره وقضايا القهر والظلم والفقر، تلك كانت المرحلة الواقعية مثل رواية «القاهرة 30» و«ثرثرة فوق النيل» وهذا يعد تاريخا ، رصد للحركة التاريخية وانعكاساتها على الآخرين.
وقال الدكتور خيرى دومة تحت عنوان «ضمير المخاطب فى روايات محفوظ»، إن استخدام ضمير المخاطب مرتبط إلى حد بعيد جدا بدرجة الانفعال الأعلى ومرتبط بالذات المنقسمة على نفسها، ومرتبط بالسخرية أحيانا، بمعنى أن استخدامه عند التعبير عن الانفعال، فـ«أنت» ضمير النقمة والغضب فى أدب نجيب محفوظ، خصوصا فى روايات «اللص والكلاب» هذا النص القصير نسبياً، الذى ظهر فيه استخدام ضمير المخاطب ودرجة الانفعال فى النص والمفردات والبناء، وجسد هذا الضمير الاستاتيكية والديناميكية والكثير من الظواهر الأسلوبية.
ففى أول صفحات رواية «اللص والكلاب» نجد وصف الشخصيات وخصوصاً شخصية «سعيد مهران» رواها بضمير الغائب، ولكنها تنطوى لمخاطبة الذات والآخرين، والتكرار اللافت لأسماء الإشارة (هاهى الدنيا، وهاهو باب السجن، وهذه الطرقات) إنها نغمة المخاطبة التى تأخذنا إلى عالم الرواية، وهذا الضمير متحقق فى كل روايات محفوظ، ونجد الرواية بين السرد وبين الحوار، وضمير المخاطب يظهر بوضوح فى الصراع بين الشخصيات رواية «اللص والكلاب» فى الفصول الأخيرة حيث وصل إلى دراما النقمة.