الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ابن تيمية يفضح المتطرفين

ابن تيمية يفضح المتطرفين
ابن تيمية يفضح المتطرفين




كتب- محمد شعبان

لم يثر عالم على امتداد تاريخ الإسلام جدلا مثلما أثار - ومازال يثير - ابن تيمية فالرجل الذى وصف بالضال المضل المبتدع المنحرف الزائغ عن الدين المشوش على عقائد المسلمين المتبع لعقائد اليهود هو نفسه الذى وصف بشيخ الإسلام ومفتى الأنام فصيح اللسان المجاهد المجدد مقيم السنة ومحارب البدعة.. لم يتوقف هذا الاختلاف حول تحديد موقع ابن تيمية فى القديم بل عاد هذا الاختلاف مجددا فى العصر الحديث وكان ظهور ما يعرف بتنظيم داعش سببا لعودة الخلاف والنزاع حول ابن تيمية فمن قائل داعش يستمد أفكاره من كتب شيخ الإسلام فى المقابل يقول آخرون أن ابن تيمية برىء مما يفعله داعش فما هى حقيقة ابن تيمية هل كان مجددا أم محرضا على إثارة الفوضى والعنف؟


مظلوما
إجمالا يمكن القول إن ابن تيمية مظلوم وظالم بمعنى أنه نسب إليه ما لم يقله وحمل كلامه على وجوه لم يقصدها لكنه من جانب آخر خالف آراء السلف وتشدد فى أمور كانت سببا فى حدوث نزاعات وفتن وسنبدأ بالمسائل التى ظُلم فيها شيخ الإسلام حيث اتهم أو نسبت إليه أقوال لم يقلها بل قال عكسها.
أولا: وجوب محاربة غير المسلمين: ينقسم الجهاد فى كتب الفقه التقليدية إلى جهاد طلب وجهاد دفع... ويقصد بالطلب تجييش الجيوش والمبادرة بمحاربة غير المسلمين فى أى مكان فى العالم حتى لو لم يحاربوا المسلمون، أما جهاد الدفع فهو لرد العدوان.
منذ أن ظهرت التنظيمات المتطرفة ابتداء بالقاعدة وحتى داعش تصر قيادات هذه التنظيمات على أن محاربة «الغرب الصليبى» واجب معتبرين أن هذا هو «جهاد الطلب» ناسبين ذلك إلى ابن تيمية فما هى حقيقة موقف شيخ الإسلام من جهاد الطلب؟
لابن تيمية رسالة تسمى «رسالة فى القتال» توضح موقف شيخ الإسلام من الجهاد ويلخصها الشيخ محمد أبوزهرة فى كتابه «ابن تيمية» فى النقاط التالية:
أولا: يرى ابن تيمية أن الصواب هو رأى الجمهور أمثال أبى حنيفة ومالك وأحمد من أن علة قتال المسلمين لغير المسلمين هى الابتداء بالاعتداء على المسلمين.
ثانيا: يوثق ابن تيمية على كلام الجمهور مستدلا بالآيات الآتية: « وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا» فالآية واضحة فى تحريم الاعتداء... كذلك قوله تعالى «قاتلوهم حتى لا تكون فتنة» ويوضح ابن تيمية أن علة القتال هى دفع الفتنة الناجمة عن الاعتداء.
ثالثا: يرد ابن تيمية على القائلين بنسخ هذه الآيات ووجوب الاعتداء على غير المسلمين قائلا: دعوى النسخ تحتاج إلى دليل وكل آيات القرآن تناقض دعاوى النسخ بل ويستغرب ابن تيمية من منطق القائلين بالنسخ.. موضحا أن نسخ الآيات السابقة يعنى أن القرآن يبيح الاعتداء وهو الظلم والله لا يبيح الظلم.
رابعا: يتوقف ابن تيمية عند قوله تعالى «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى» ويوضح: أننا لا نكره أحدا على الإسلام لو كان الكافر يقتل حتى يسلم لكان هذا أعظم الإكراه فى الدين».
خامسا: يستدل على تحريم الاعتداء بالسيرة النبوية حيث وجد الرسول - صل الله عليه وسلم - فى إحدى الغزوات امرأة مقتولة فاستنكر ذلك قائلا: ما كانت هذه لتقاتل ويمضى: النبى كان يوصى فى كل غزوة أصحابه بعدم قتل الشيخ الفانى والطفل والمرأة.
فابن تيمية فى هذه النصوص يؤكد أن الأصل فى العلاقة مع غير المسلمين هى المصالحة والسلام والقتال واجب فى حالة بدء الاعتداء على المسلمين.
ثانيا: من المسائل الشهيرة التى تنسب زورا إلى شيخ الإسلام هو أنه حرم تهنئة غير المسلمين بعيدهم وكثيرا ما كانت تستند فتاوى المنتسبين للسلفية أمثال برهامى والحوينى والشحات وغيرهم بتحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم فما حقيقة هذا الأمر... لابن تيمية رأيين فى هذه المسألة الأول: قاله قاصدا به المسيحيين الذين تحالفوا مع التتار ضد المسلمين ومن ثم فهذه حالة خيانة تستوجب الهجر وعدم مشاركتهم فى أى نشاط.
لكن هناك نصا آخر لابن تيمية يوضح حكم المسألة عموما بعيدا عن تحديد لحالة بعينها حيث يجيز تهنئتهم بأعيادهم وتعزيتهم يقول: ويجوز معايدة أهل الذمة وتهنئتهم وتعزيتهم»... هذا نص الكلام الذى نقله عنه الإمام البعلى الحنبلى المذهب فى القرن الثامن الهجرى بكتابه «الاختيارات الفقهية لابن تيمية» حيث جمع آراء ابن تيمية المتفرقة من مختلف كتبه وفتاويه.
ثالثا: كذلك من الأمور التى نسبت كذبا إلى ابن تيمية تجويزه حرق وقتل الأسرى وأشيع هذا الكلام عند حرق الطيار الأردنى «معاذ الكساسبة» وبصرف النظر عن كون الكساسبة ليس أسيرا فى حرب يخوضها المسلمون حتى يطبق عليه أحكام الأسرى إلا أن ابن تيمية لم يجز التشهير والتمثيل بالأسرى ويقول نصا فى كتابه «السياسة الشرعية فى اصلاح الراعى والرعية»: القتل المشروع هو ضرب بالسيف.... أما التمثيل فى القتل فلا يجوز إلا على وجه القصاص وقد قال عمران بن حصين رضى الله عنهما: ما خطبنا رسول الله - صل الله عليه وسلم - خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة حتى الكفار إذا قتلناهم فأنا لا نمثل بهم بعد القتل ولا نجدع آذانهم وأنوفهم ولا نبقر بطونهم إلا أن يكونوا فعلوا ذلك بنا.... والترك افضل» فالتمثيل بالقتيل لا يجوز و ابن تيمية يرى ترك التمثيل أفضل حتى ولو فُعل ذلك بالمسلمين.
رابعا: من الأكاذيب الكبرى التى روجها الشيعة ضد شيخ الإسلام أنه كان يكره آل بيت النبى - صل الله عليه وسلم - وفيما نصوص ابن تيمية من كتبه التى توضح موقفه من آل البيت.
* فى كتابه منهاج السنة النبوية يقول: أما أهل السنة فيقولون ويتكلمون بعدل وعلم وليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء ويتبرأون من طريقة الروافض والنواصب جميعا ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم ويرعون حقوق أهل البيت».
* فى مجموع الفتاوى: اتفق أهل السنة والجماعة على رعاية حقوق الصحابة والقرابة وتبرءوا من الناصبة الذين يكفرون عليا بن أبى طالب ويفسقونه وينتقصون بحرمة آل البيت».
* انحاز ابن تيمية لموقف الإمام على بن طالب فى خلافه مع معاوية بن أبى سفيان معتبرا أن الحق مع على حيث قال فى منهاج السنة النبوية: وعلى ومن معه أولى بالحق من معاوية واصحابه كما ثبت عن النبى - صل الله عليه وسلم - انه قال «تمرق مارقة فى فرقة من الناس فيلى قتلهم أولى الطائفتين بالحق» فدل هذا الحديث على أن عليا أولى بالحق ممن قتله.
* ولابن تيمية موقف متميز من قتل الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة وهذه نصوصه حيث يقول: من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضى بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
وقال أيضا: الحسين رضى الله عنه قتل مظلوما شهيدا وقتلَته ظالمون متعدون
وله كذلك: قتل الحسين من أعظم الذنوب وفاعل ذلك والراضى به والمعين عليه مستحق لعقاب الله الذى يستحقه أمثاله.
وفى رده على أبى بكر ابن العربى الفقيه المالكى المشهور الذى برر قتل الإمام الحسين رضى الله عنه واعتبره مقتولا بشرع جده صلى الله عليه وسلم: هذا كذب وجهل فإن الحسين رضى الله عنه لم يقتل حتى أقام الحجة على من قتله، وطلب أن يذهب إلى يزيد أو يرجع إلى المدينة أو يذهب إلى الثغر، وهذا لو طلبه آحاد الناس لوجب إجابته، فكيف لايجب إجابة الحسين رضى الله عنه إلى ذلك، وهو يطلب الكف والإمساك».
ظالما
ما سبق ذكره يعد أبرز الأمور التى ظُلم فيها ابن تيمية ولكن هنا مسائل يمكن اعتبار ابن تيمية فيها ظالما بمعنى خالف الامة وخرج عليها ويعد كتاب «البراهين الساطعة فى رد بعض البدع الشائعة» عن مكتبة الآداب الصادر للعلامة الأزهرى الشيخ سلامة العزامى رحمه الله من أبرز الكتب التى ردت على آراء ابن تيمية التى اثارت غضب علماء الأمة.
كان تحريم ابن تيمية السفر لزيارة قبر النبى - صلى الله عليه وسلم - من المسائل التى تصدى لها علماء الأمة فى وقتها حيث اعتبرها شيخ الإسلام معصية وحرام بالإجماع ولا دليل على الزيارة بل الدليل قائم على منعها بل على حرمتها.
ظهرت عدة رسائل وقتها لنفى والرد على هذا الكلام فكتب ابن حجر الهيتمى: «الجوهر المنظم فى زيارة القبر المكرم» ولابن السبكى رسالة: شفاء السقام فى زيارة خير الأنام» وكذلك «المدخل» لابن الحاج.
يذكر العزامى أدلة تفصيلية على استحباب زيارة الرسول - صل الله عليه وسلم - ويمكن ايجازها كما يلى:
* قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا» حيث يرى العزامى أن الآية دالة على استحباب زيارته فى حياته وبعد وفاته لمن أراد أن يستغفر له الرسول ويستدل بحديث: «حياتى خير لكم ووفاتى خير لكم» على انه لا فرق بين حياة الرسول - صل الله عليه وسلم - ووفاته فى استحباب الزيارة الشريفة
* من السنة قوله - صل الله عليه وسلم -: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدى هذا» وينقل العزامى احتجاج الامامين النووى وزكريا الانصارى بالحديث على سنية الزيارة المباركة.
* من الإجماع ينقل العزامى إجماع الأمة على استحباب زيارته - صل الله عليه وسلم - مستعرضا ما حديث مع سيدنا بلال رضى الله عنه عندما استأذن أمير المؤمنين عمر أن يقيم بالشام بعد ما فتحت فأذن له فبينما هو بها مقيم إذ رأى فى منامه رسول الله - صل الله عليه وسلم - وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال؟ اما آن لك أن تزورنى يا بلال فانتبه حزينا وجلا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبى - صل الله عليه وسلم - «فجعل يبكى عنده ويمرغ وجهه عليه» ويوضح مؤلف «البراهين الساطعة» أن هذه القصة نقلها الحافظ بن عساكر وغيره من الحفاظ.
* قصة أخرى حدثت أثناء خلافة عمر بن الخطاب عندما فتح بيت المقدس واسلم كعب الأحبار اليهودى الذى كان من عظماء أحبار اليهود وبعد إسلامه قال له عمر: هل لك أن تسير معى إلى المدينة وتزور قبر النبى - صل الله عليه وسلم - وتتمتع بالزيارة؟ فقال: افعل ذلك يا أمير المؤمنين وسار معه.. ففعل عمر يدل على استحبابها وجوزاها وليس تحريمها ثم يمضى المؤلف مستعرضا أن زيارة الرسول - صل الله عليه وسلم - كانت موجودة فى مختلف العصور الاسلامية ولم ينكرها أحد.
ثانيا: من المسائل التى خالف فيها ابن تيمية السلف تحريمه التوسل بسيد المرسلين وسائر النبيين والصالحين معتبرا ذلك شركا ويوضح مؤلف «البراهين الساطعة»: التوسل إلى الله بأحبائه لا يكون عبادة للوسيلة ولا إشراكا لها مع المتوسل اليه عزوجل فى تأثير ولا فى صفة من صفاته الخاصة به سبحانه وإنما عبادة له عزوجل فإنه هو الشارع له والأمر به.
يستدل العزامى بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) موضحا أن الوسيلة كل ما جعله الله سببا فى الزلفى عنده ووصلة إلى قضاء الحوائج منه والمدار فيه على أن يكون للوسيلة قدر حرمة عند المتوسل إليه.... ومن ثم يصل العزامى إلى انه طالما للأنبياء والصالحين قدر عند المولى عز وجل فيكون التوسل بهم إليه مشروعًا.
كادر التعريف بابن تيمية
هو تقى الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ولد بحران الشام فى 10 ربيع الأول 661 هـ لأسرة معروفة بالعلم والورع ويعد من أبرز علماء المذهب الحنبلى له اضافات هامة فى الفقه والحديث والعقيدة وأصول الفقه والفلسفة والمنطق والفلك.
حين استولى المغول على بلاد حران وجاروا على أهلها، انتقل مع والده وأهله إلى دمشق سنة 667 هـ فنشأ فيها وتلقى على أبيه وعلماء عصره العلوم المعروفة فى تلك الأيام حيث قرأ الحديث والتفسير واللغة وكانت له مساهماته فى تفسير القرآن.
أما سبب شهرته بابن تيمية؛ فهو أن جده محمد بن الخضر حج وله امرأة حامل ومر فى طريقه على درب تيماء - بلدة قرب تبوك - فرأى هناك جارية طفلة حسنة الوجه قد خرجت من خبائها فلما رجع إلى حران وجد امرأته قد ولدت بنتا فلما رآها قال: يا تيمية يعنى أنها تشبه التى رآها بتيماء فلقب بذلك وقيل أن جده محمدا هذا كانت أمه تسمى تيمية، وكانت واعظة فنسب إليها هو وبنوه.
أفتى ابن تيمية أول الأمر وهو ابن سبع عشرة سنة، وشرع فى الجمع والتأليف. وما إن بلغ الحادية والعشرين حتى ورث والده عبدالحليم فى المكانة العلمية حيث وضع له منبر فى الجامع الأموى بعد صلاة الجمعة يفسر فيه بعض آيات القرآن،
كان من مذهبه التوفيق بين المعقول والمنقول وكان مقترحا متحمسا للجهاد والحكم الشرعي، وقد كان أيضا شخصية مؤثرة فى تطور حركة الإسلام السياسي
كثر مناظروه ومخالفوه من علماء عصره، وممن جاء بعدهم كابن حجر الهيتمي، وتقى الدين السبكي، وتاج الدين السبكي، وابن جماعة من الشافعية والمالكية والحنفية وقد انتقدوا عليه أمورا يعتقدون أنه قد خرج بها عن إجماع علماء عصره، منها: القول بقدم العالم بالنوع، والنهى عن زيارة قبور الأنبياء، وشد الرحال لزيارة القبور والتوسل بأصحابها، ومسألة الطلاق بالثلاثة هل يقع ثلاثة حتى أنهم اشتكوه فى مصر فطُلِبَ هناك وعُقِدَ مجلس لمناظرته ومحاكمته حضره القضاة وأكابر رجال الدولة والعلماء فحكموا عليه وحبسوه فى قلعة الجبل سنة ونصف السنة مع أخويه.
ثم عاد إلى دمشق ثم إلى مصر ثانية وحبس هناك فى برج الإسكندرية ثمانية أشهر، وحين أفرج عنه اجتمع بالسلطان فى مجلس حافل بالقضاة والأعيان والأمراء وتقررت براءته فأقام فى القاهرة مدة.
بعد ذلك عاد إلى دمشق، فناظره فقهاؤها فى الأمور التى خالفهم فيها فحبس فى قلعة دمشق ثم أفرج عنه بأمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون.
شارك ابن تيمية بنفسه فى الجهاد ضد المغول وكان يحرض الجماهير على الجهاد ضدهم.
من أبرز مؤلفاته «درء تعارض العقل والنقل» و«مجموع الفتاوى» و«الرد على المنطقيين» و«منهاج السنة النبوية» وغيرها.