الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

دولة الهدر!

دولة الهدر!
دولة الهدر!




أحمد الرومى يكتب


الأزمة التى ظهرت بوضوح عقب اندلاع ثورة 25 يناير الملهمة، أن الدولة لا يوجد بها كوادر جاهزة لتحل محل الصف الأول، الذى زجت به الثورة إلى السجون، لا بديل عن الحزب الوطنى بعد أن حُلَّ، فالأحزاب المنافسة له مهترئة ويضربها العطن. لا يوجد أمامنا سوى الشخصيات العامة التى كانت تتنافس قبل الثورة لتتصدر المشهد، وحين تقدمت بالفعل إلى صدر المسرح السياسى، لمع بريقها فترة، ثم توارت عن الأنظار، بعد أن أحرقت بفعل تعريها الفاضح فى الشارع، فقد اكتشف الجميع أنهم مجرد ظواهر صوتية ليس إلا.
هل عقمت الدولة عن إيجاد كوادر فاعلة؟
الحقيقة لا، فالدولة لم تصب بالعقم عن خلق كوادر جديدة، وإنما هى كسولة، أو متكاسلة (أن دققنا القول) عن المضى قدماً فى هذا الطريق، فالشخصيات الحريفة يتم تهميشها فى مجالاتها ولا يلتفت إليها، بل يبدو أحيانا أن هذه الكوادر تطمس معالم إبداعها لصالح عديمى المواهب والموظفين البلداء، ليسكن الاخيرون مناصب رفيعة، بينما الاخرون يخسف بهم الارض!
ما هذا الجنون؟
صدقونى، هذا ليس جنونا، إنما هو امتداد طبيعى لـ«ثقافة الهدر» الممتدة منذ 15 عاماً، وتحديدا مع بداية ظهور الصبى (وريث المخلوع مبارك) حينما همشت الكوادر الموهوبة لصالح رجال  النظام، ليسيطروا على كل شىء فى الدولة، ولما سقط النظام تعرت الدولة وتخبطت، وأصبحنا فى هذا الوضع المرير.
هل الوضع يتغير؟
بصراحة الدولة تحاول أن تغير الوضع، تحاول، لكنها فى خضم المحاولات تتحرك دون وعى داخل مفاهيم «ثقافة الهدر» المتوارثة من أيام «مبارك»، فعندما فكرت الدولة ـ مثلا مثلا ـ فى خلق وإعداد كوادر جديدة من الشباب، وضعت قيداً غير منصف بالمرة لجيل كامل من أبناء هذا البلد، إذ حددت شرطا للتقدم لبرنامج «تأهيل الشباب للقيادة»: (ألا يزيد أعمار المتقدمين للبرنامج عن 30 عاماً!) بدعوى «أن هذا تقييم أو معيار عمر الشباب عالميا» (!)
لقد حكمت الدولة بالاعدام على ملايين الشباب بهذا الشرط، الذى يفصح عن توجه الدولة بأن «مَن زاد عمره على سن الثلاثين لا يصلح للتأهيل للقيادة»
ففى الوقت الذى يتم فيه هدر جهود ملايين الشباب، وإخراجهم من المشهد بدعوى «المعايير العالمية»، نجد أن القيادات المتحكمة فى الدولة أعمارها تبدأ من 60 عامًا فما فوق! وقد وصل بهم الحال من التجرؤ لاستدعاء قيادات من المعاش من أجل تقلد مناصب فى البلد! وإذا ما تطرقت فى كلامك حول هذا الموضوع تخرج لك آلاف الأفواه لتأكل وجهك وتخرسك لسانك بكلام من نوعية: «هؤلاء خبرة» و«لهم باع فى هذا المجال» و«إنهم متمرسون»، ولا أعرف لماذا تختفى المعايير العالمية عند أختيار هؤلاء!
الواضح أننا فى دولة لا تجيد توظيف مواردها، ولا تعرف كيف تستخدم أدواتها، رغم كل ما يشاع عن الخطط والاستراتيجيات المستقبلية. صحيح أن هناك مجهودات تبذل من أجل تحسين الأوضاع، ولا أحد يستطيع إنكار ذلك، ولكن هناك ثغرات تجعل تلك الجهود كالجرى فى الغرف المغلقة، لا يطرأ على ممارسها أى شىء سوى إصابته بالتعرق والاجهاد.
أزمة «إبطال مفعول الكوادر الموهوبة» هى أحد أوجه «دولة الهدر «، التى تتعدد لتشمل نطاقات أخرى. ففى تقديرى، أن أحدا لا يسعى لوقف هذا الهدر المبرح للموارد، يتجلى ذلك ـ مثلا مثلا ـ فى عجز الدولة عن إيقاف فوضى إضاءة أعمدة إنارة الشوارع فى عز الظهر، وأنا هنا لا أحدثكم عن شوارع جانبية، فهذا يحدث باستمرار فى شارع «قصر العينى» الذى يحتضن مقر الحكومة!