الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لا يذكرون محاسن موتى!

لا يذكرون محاسن موتى!
لا يذكرون محاسن موتى!




وليد طوغان  يكتب

هوجة هجوم على صالة كريستى الإنجليزية الشهيرة للمزادات هبت فى أوروبا. طالب محافظون بعقد جلسات بيع متعلقات المشاهير الشخصية سرية، حفاظا على سمعة أموات، وحفظا لسمعة رموز تاريخية مرمتطهم الذكريات.
لكن سماسرة الأنتيكات قلبوا الدنيا، وتكلموا عن الحرية، وعن التاريخ.
إن جيت للحق، سماسرة كريستى لا يهمهم تاريخا، ولا تعنيهم حرية، كل ما هنالك أن حديث الصحافة والتليفزيونات وجرائد الفضائح عن المعروضات ترفع الأثمان، وتزيد الطلب، فيكسب هؤلاء، بينما تخسر الفضيلة، ولا يذكر أحد محاسن الموتى.
المحافظون يرون أن التجارة أفسدت التاريخ، وأن مجموعة تجار يقلبّون المواجع، ويفرشون المتاع، ويحطمون الرموز لأجل حفنة دولارات ينفقونها نهاية فى البارات. فلا الإعلان عن قرب بيع قطع ملابس مارلين مونرو الداخلية مهم، ولا مفيد أن تتكلم الصحافة عن «طقم» ارتدته مارلين لجون كيندى فى ليلة صاخبة.
قبل فترة، بعث ورثة نابليون برسالة لإدارة كريستى طالبوا فيها منع نشر خطابات زوجة نابليون جوزفين لرفيقها باراس. قالوا إنها أمور شخصية، لكن الصالة لم ترد، وتم البيع وسط فضيحة بجلاجل.
ونشرت الصحافة الأوروبية الغسيل القذر، وأفردت مساحات لخطابات واصلت فيها جوزفين أفظع نموذج للخيانة والبجاحة والاستهزاء بزوجها الإمبراطور، فنابليون أخاف العالم، وبهدلته امرأة!
فى واحد من الجوابات كتبت جوزفين لعشيقها: «نابليون يعرف أننى أذوب فيك عشقا، لكنه لم يفعل شيئا، لأنه غارق فى حبى، مع أننى ازدريه وأهينه، وأزله بك وبسيرتك». وكتبت أفظع من هذا وأقذر.. لكن أحدا لم يمتنع عن النشر.
جوزفين «مرمطت» سمعة نابليون الإمبراطور فى التراب بلا سبب، وجاء السماسرة يستثمرون قلة القيمة بعد مئات السنين بلا أدب، ولا حياء.
جوزفين مثلها مثل الليدى بومبادور، وزوجة تشارلزديكنز، وأم الفيلسوف شوبنهور، وأم أطفال الأديب الروسى ديستوفسكى. كلهن مسحن بأزواجهن تراب الأرض دون سبب أيضا، ولا أحد يعرف حتى الآن ما الذى أجبر هؤلاء العباقرة على هؤلاء النساء؟!
لا أحد يعلم السر فى أن تلعب بنابليون الذى أخضع البلاد والعباد، فتاة صغيرة تخونه مع «طوب الأرض»، فيستكين وينام تحت قدميها يعد النجوم، ويعد الذين عشقتهم فى عصمته.
جوزفين كانت كئيبة ونكدية، مثل زوجة تشارلز ديكنز، التى لما ماتت كتب ديكنز أروع كلاسيكيات الأدب الإنجليزى. وجاء دور كريستى فباعت خطابات قالت إنه كتبها لأخت زوجته التى خان زوجته معها، مع أن هذا ليس صحيحا.
وقبل أعوام اشترى ثرى عربى من كريستى ما قالوا إنها خطابات من ديستوفسكى لأحد أصدقائه، يشتم فيها زوجته ويتكلم عنها ببذاءة. رغم أن المعروف عن الرجل أنه لم يستطع إنهاء علاقته بها، فاعتزلها وكتب «الإخوة كرامازوف» و«الجريمة والعقاب» بعيدا عنها.
الفيلسوف الألمانى شوبنهور هزمته امرأة أيضا، فعاش حياته طولا وعرضا ناقما على أمه وعلى كل الإناث على وجه الأرض. كان يعرف أن الرجال الذين ناموا فى سرير والدته أكثر من الذين ماتوا فى حرب طروادة. لكنه قال «لولاها لصرت مغفلا». شوبنهور يرى أن أمه التى دفعته لمواجهة «الحقيقة»، والنظر للواقع دون مسلمات، ودون إيمان بأى شىء. سلوك أمه هو الذى دفعه لتأسيس مذهبه الفلسفى لنقد أى شخص وكل شىء، بلا خوف، ودون ألم!!
وباعت كريستى مخطوطات قالت إنها بخط شوبنهور، قال عن أمه ما لا يجب أن ينشر.. وما لم يكن هناك داع للإعلان عنه، يكفى الرجل أن مات مهموما، وماتت أمه بلا ضمير. لكن لا حياة لمن تنادى، شغف السماسرة بالأرباح أقذر من أوصاف شوبنهور.. لأمه!