الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ما لا عين رأت

ما لا عين رأت
ما لا عين رأت




د. على الشامى  يكتب

لطالما شغل الحفاظ على التراث الإنسانى بال الكثيرين عبر التاريخ نجد التراث الإنسانى محفوظا على جدران المعابد القديمة فى مصر والعراق وغيرها من البلدان ذات الحضارات التليدة، وكذلك فى أوراق البردى وغيرها من الوسائل القديمة للحفظ.
قديما كانت الوسيلة الأهم للحصول على المعلومات هى النقل الشفهى أو تكبد المعاناة للوصول إلى أماكن هذا التراث والاطلاع على المخطوطات أو البرديات لكن بعد اختراع الطباعة انتقلت البشرية خطوات كبيرة إلى الأمام صار تكوين المكتبات الضخمة أسهل وصارت المعرفة متاحة بشكل أكبر وأيضا تدريجيا استطاعت البشرية الحفاظ على الإرث الثقافى من الضياع ومن الكوارث الكبرى التى أثرت على ضياع جزء كبير من عصارة الفكر الإنسانى ومنها حرق مكتبة الإسكندرية القديمة، ومكتبة بغداد بعد الغزو المغولى، ومحارق الكتب عبر التاريخ التى أضاعت الكثير من التراث الإنسانى المهم، ولم تحفظ الطباعة فقط هذا الإرث بل نشرته على مستوى أكبر وأوسع.
وبعد انتقال العالم إلى العصر الرقمى وظهور الانترنت وأنظمة الحفظ الديجيتال انتقلت المعرفة إلى مستوى آخر من الحفظ، وخلال السنوات القليلة الماضية استطاع العالم نقل الأرشيف الورقى من الكتب القديمة والمخطوطات والدوريات النفيسة إلى صور رقمية، مما يجعلها قابلة للحفظ إلى الأبد وهو تطور مذهل يحفظ التاريخ الإنسانى.
شهد العالم مشروعات كبيرة فى هذا الصدد لنقل التراث الإنسانى - ليس فقط الكتب والمخطوطات ولكن ايضا الأفلام والأغانى واللوحات وغيرها من الأعمال الفنية العظيمة - عبر رقمنتها فنجد مشروع جوتنبرج وأرشيف الإنترنت والتى اشتركت فيه جامعات كندا وأمريكا وأوروبا وغيرها من دول العالم وإتاحة ذلك عبر الإنترنت للباحثين والمتعطشين لمطالعة هذه الكنوز الثمينة بل نجد أن هذه المشروعات أصبحت تنسق بين الدول المختلفة كمشروع المكتبة الرقمية العالمية وغيره والمدهش أن المحتوى العربى ارتفع بشدة على المخزون الرقمى ليس بسبب المسح الرقمى للمطبوعات العربية القديمة والمخطوطات فى خزائن الغرب!
وفى مصر كنز عظيم اسمه «دار الكتب والوثائق القومية» وفيه ما لا عين رأت من نفائس المطبوعات والمخطوطات وهو بحق خبيئة تستحق الكشف وتجرى حاليا على يد الدكتور شريف شاهين، رئيس دار الكتب والوثائق القومية، جهود حثيثة لرقمنة المخزون المصرى من المطبوعات والمخطوطات، وفعليا افتتح الدكتور شاهين مؤخرا قاعة لعرض المحتوى الرقمى، لما تم رقمنته من كنوز الدار، وفيها يمكنك الاطلاع بشكل مباشر فى قاعة مجهزة على أعلى مستوى على الآلاف من الكتب والخرائط والدوريات القديمة.
وفى الحقيقة المجهود مبشر كما أن الرجل مشهود له داخل أروقة الدار بالكفاءة والاجتهاد ونظافة اليد وهى أمور لابد من توافرها لمنصب خطير باعتباره أمينا على كنوز العصور القديمة.
إذن هل يأتى اليوم الذى يتاح فيه للباحثين، على مستوى العالم، الاطلاع على المحتوى الرقمى المصرى، مثله مثل مشاريع عملاقة أخرى موازية على مستوى العالم، لابد أن نظرة الباحثين للتاريخ ساعتها ستتغير، فالمحتوى المصرى يكاد يكون الأكبر على مستوى العالم، صحيح أن المحتوى أخذ فى الظهور، ولكن يبقى هناك مجهود كبير مطلوب من أجل إتاحته كاملا للباحثين من كل أنحاء العالم ، وهى خطوة ليست غريبة على مصر التى كانت دوما قبلة الباحثين عبر جامعاتها ومكتباتها العريقة من عهد جامعة أون التى احتوت على المعارف القديمة وكانت قبلة الباحثين من كل أصقاع الأرض، مرورا بمكتبة الإسكندرية القديمة والعصور الإسلامية وانتهاء بالعصر الحديث وقد آن الأوان لتستعيد مصر مكانتها كقبلة للباحثين والعلماء.