الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أغانى الأطفال

أغانى الأطفال
أغانى الأطفال




تحقيق - مروة مظلوم

«يعنى إيه كلمة وطن يعنى.. يعنى يد وعين وقلب.. يد صنعة وعين بترعى، قلب ينبض شمس طالعة والقلوب تصبح سكن» دقيقة ونصف الدقيقة هو كل ما تحتاجه لتفسر أى حنين يربطك بتلك البقعة الصغيرة على خريطة العالم لتحفظ عن ظهر قلب «قيمة البيت وناسه»، لتعرف أن ثلاث حروف مجتمعة أو مفترقة هى الأمان لك، والإيمان لكل من أخرج تلك الكلمات إلى النور على شكل أغنية رددها جيل والتصقت بجدران قلبه فزادته انتماء.

 أغنية تُعلم وتُهذب سلوك طفلك، هناك من عكف على كتابتها وتلحينها، تصارع نجوم العصر على غنائها ليذكر اسمهم فى تلك الصفحة التى لن يمحوها الوطن من تاريخه.
فى صخب الأحداث السياسية وثورات الربيع العربى نسينا أو تناسينا أن للجيل القادم الحق فى كتاب يصدر له، فيلم يناقش حقوقه وقضاياه، فى مسرحية يتفاعل مع أفكارها أو أغنية تشكل وجدانه.. مهلاً هل قلت أغنية؟!.. تلك الكلمات التى يرددها الأطفال ويسمعونها ليل نهار على هواتفهم المحمولة ويرونها مصورة على شاشات الكمبيوتر والتليفزيون، عفواً هى أغان لكنها لا تعنى الأطفال فى شىء.. ليس لها علاقة بعالمهم البرىء من قريب أو بعيد.. إذاً أين هى الأغنية التى كتبت ولحنت وتغنت خصيصاً للأطفال؟
يجيبنا عن هذا السؤال «صاحب الألف غنوة» للأطفال الشاعر والمخرج شوقى حجاب فيقول: «اختفاء أغنية الطفل جريمة الكبار تجار الفنون، سواء من المنتجين الباحثين عن الربح السريع أو أصحاب القنوات الفضائية ممن يصدرون لهم أعمالا لا تناسبهم  بهدف الربح، فقد كان التليفزيون المصرى  يتولى إنتاج برامج وأغان وشرائط وأسطوانات للأطفال، فضلاً عن إنتاج الإذاعة ومسارح الدولة وبثها وإذاعتها لا ينقطع فى المناسبات وغيرها، وكان الرائج  آنذاك أغانى برنامج بابا شارو وعيد ميلاد أبو الفصاد وذهب الليل والليلة الكبيرة، أما بدايتى فكانت مع برنامج عصافير الجنة مع الراحلة سلوى حجازى ومن بعدها الإعلامية نجوى إبراهيم، معها أدخلت شخصيات درامية يتفاعل معها الأطفال بالغناء، خمسون أو ستون شخصية شهيرة على رأسها «بقلظ وكوكى كاك وأرنوب ودبدوب والغزالة لالا وعمو قاموس وضاضا العضاضة»، واشترك معى مجموعة كبيرة ممن آمنوا بالفكرة مثل الراحل عمار الشريعى وممثلين مثل عبد المنعم مدبولى ومحمود الجندى وإيمان الطوخى وقدمنا مجموعة من الأغانى تحمل قيمًا أخلاقية بطريقة غير مباشرة للأطفال وعلى لسان شخصياتهم المحبوبة من العرائس».
 أسلوب الوعظ لا يناسب جيل
الشبكة العنكبوتية
«برز الثعلب يوماً فى ثياب الواعظين» أسلوب لا يجدى مع عقلية طفل الشبكات العنكبوتية.. هكذا بدأ الشاعر محمد عبدالستار الحديث عن الرسالة الخفية التى يجتهد الطفل للوصول إليها من خلال الأغنية فقال: «أغانى الأطفال ليست استهلاك للوقت فقط وتسلية لمجرد التسلية، ولا يجب أن تجسد دور الوصى الذى يعطى الحكمة أو يوجه السلوك بشكل مباشر وهو ما تحويه معظم الأغانى من فكر تقليدى يؤمن على وصاية الأب والطاعة بشكل تقليدى فعقلية الطفل وخياله كبير جداً ويجب أن يُحترم ألا تمنحه الدرس مباشرة وتترك له فرصة للتفكير والاستنتاج، فلن تجذب انتباه جيل الفضائيات إن لم تكن قادرا على إيجاد حلول لمشكلات يواجهها تمس حياته العصرية ولو فى شكل قصة من عالم الحيوان، لكن الوعظ المباشر لا يلائم حياته وينفر منه، وهو ما يعالجه عبد الستار فى ديوانه «حلم وردة».
 معايير الكتابة للطفل
عن معايير كتابة أغانى الأطفال يقول الشاعر عبده الزراع أنها تحتاج أولاً إلى الموهبة التى يمكن تطويعها، وأن يكون الكاتب ملماً باحتياجات كل مرحلة عمرية وسلوكياتها وقاموسها اللغوى الذى يتلاءم معها خاصة وأنك تخاطب جيل الإنترنت والآيباد، وهو جيل صعب ترويضه أو توجيهه من خلال غنوة مدتها خمس دقائق.
فى حين يرى الشاعر محمود عبد الرازق أنه إلى جانب الموهبة ومراعاة الأوزان الموسيقية وتطويع اللغة فإن الكتابة عن حالة أو مشكلة يواجهها الطفل لابد وأن يكون الشاعر تعايش مع التجربة ليفهم مشاعر الطفل كيف يفكر، على سبيل المثال مسرحية «إحنا فين وأنتوا فين» كانت عن أطفال الشوارع، لو لم أكن متعايشاً مع بعض الحالات لما استطعت الكتابة عنهم بصدق، فدولة أطفال الشوارع لها قوانين وأحكام وعرف سائد لايمكن تجاوزه، أذكر وقتها أن أطفال الشوارع شاركوا معنا وحركوا العرائس بأيديهم وهو ما أعنيه بالمعايشة، فإذا لم يغيرنا الفن وينجح فى توصيل رسالته إلى الفئة المقصودة فما الفائدة منه.
 مشروع قومى مرتبط بشخصية
ذات نفوذ
يقول الشاعر الكبير شوقى حجاب: «الأطفال هم مشروع قومى قلما يلتفت إليه المسئولون، يربطونه بالشخصية التى تتبناه فإن غابت غاب الاهتمام وتضاءل واختفى، وهو ما حدث مع السيدة سوزان مبارك فقد تبنت مشروع القراءة للجميع، فازدهرت كتب الأطفال ومسرح الأطفال وأغانى الأطفال وعندما اختفت عن المشهد تراجع الاهتمام، أما بالنسبة لى كل من يقدم إضافة فى هذا المشروع أنحنى له تقديراً فأنا خادم للأطفال، مهما كانت الشخصية التى ستدعم هذا المشروع أناعلى إستعداد للتعاون معها، وحالياً أستعد بالفعل لتقديم مسرح غنائى قائم على فكرة خيال الظل».
وهو ما يؤكد عليه الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف رئيس الإدارة المركزية للشئون الأدبية بوزارة الثقافة بقوله «أنه بعد اختفاء سوزان مبارك عن المشهد توقفت جميع مؤسسات عن دعم أدب الطفل بصفة عامة وأشعار وأغانى الأطفال بصفة خاصة على الرغم من كونها الأجدر فى الوصول لعقل الطفل بسرعة  البرق فهى تمتعهم وتثقفهم وتعيد تشكيل سلوكهم، وهناك مئات الأغانى تربى عليها أطفالنا حتى قبل تواجد الإذاعة والتليفزيون، وبوجودهم امتلكنا وسائل متاحة أكثر رفاهية لنشرها على نطاق أوسع وسعى إليها كبار المطربين قبل صغارهم وعلى رأسهم الراحل محمد فوزى، وهو ممن أدركوا أن الأغنية تصل إلى الجنين فى بطن أمه وتؤثر فى فكره طفلا وشاباً وعلى المستوى المهنى، فهى تخدم العمل الدرامى المقدم للأطفال وتوصل الرسالة أسرع.
مشكلة النشر والإنتاج
ويروى لنا الشاعر عبده الزراع  تجربته فيقول: عندما فزت بجائزة الدولة التشجيعية عام 2003  لأغنية الطفل عن ديوان «أراجوز فنان»  وكرمت من رئيس الدولة فى عيد العلم ظننت وقتها أن الدنيا ستفتح أبوابها على مصراعيها أمامي، وأن الإذاعة والتليفزيون سيلتقطون أغانى ويلحنوها ويقدمونها ليل نهار كما هو الشائع فى مثل هذه الحالات لكن لم يحدث، مما أصابنى بخيبة الأمل وقتها لكننى لم استسلم إذ لاقت أغانى مكانتها على مسرح الطفل؛ فشاركت فى 9عروض مسرحية للأطفال بداية من حديقة الأسرار عام 2004 التى عرضت على مسرح الحديقة الثقافية بالسيدة زينب ثم مسرحية القلم المغرور واستمر عرضها موسمين متتاليين على المسرح ثم أنتج لى قصر ثقافة الطفل «حكاية قلم رصاص» ثم «حكاية الولد ميشو» ومسرحية على مبارك  ثم عودة للمسرح القومى بمسرحية «كوكب سيكا» وأخيراً مسرحية «الرسام».

أما الشاعر محمد عبدالستار فيرى أن نشر الدواوين أصبح مشكلة فى حد ذاتها فقد كانت هناك جهات محددة مسبقاً تتكفل بعملية نشر الأعمال الإبداعية وتدعيم الشعراء الشباب، أما الآن فالنشر هو اجتهاد شخصى من الشاعر وفى هذا السياق يمكن القول بأن شعراء الأقاليم وهم الأكثر إبداعاً فى مجال الشعر وأغانى الأطفال، من أبرزهم ابن بلدته «جار النبى الحلو»، الشعراء فى المحافظات يجدون صعوبة فى التواصل مع دور النشر هناك أعمال جيدة وشعراء جيدين ولكن لا يوجد من ينقب عن الموهبة ويبرزها.
الموسوعة المصرية للأغانى الشعبية
«يا عزيز يا عزيز كبة تاخد الانجليز» لم تكن مجرد كلمات منمقة لها وزن وقافية يرددها الأطفال فى الحوارى، كانت رمزا سياسيا للمقاومة كلمات ابنة الموقف والبيئة والعصر الذى ولدت فيه، ليعلن تمرد الأطفال على تواجد الإنجليز فى شوارع، فصار الكبار يستدعونها ومثيلاتها فى مواقف الظلم والتسامح والمحبة .إنها أغنية الأطفال الشعبية التى تعقبها ورصدها الشاعر والباحث مسعود شومان ومجموعة من الباحثين والأساتذة ووضعوها فى موسوعة حتى لايندثر التراث، ويحدثنا شومان عن تجربته فيقول: «بداية الموسوعة كفكرة منذ عام 1994 ووضعت لها خطة مبدأية فى عهد حسين مهران رئيس هيئة قصور الثقافة آنذاك ولكنها كأى مشروع ثقافى يداعب احتياجات الدولة أو يتفق مع خطط بعض الأشخاص كالسيدة الأولى، وعليه  فإن المشروع تعثر مع كل رئيس جديد للهيئة فالموسوعة كبيرة وأجزاؤها كثيرة تحتاج لتمويل ورسومات، وظل المشروع معلق بين الصحو والإفاقة حتى عام 2008 حتى أصابنى اليأس وألقيت بها أعلى سطح منزلى مع مقتنيات أمى القديمة حتى تولى د.أحمد مجاهد مجلس ثقافة الطفل وطلب منى كتاب للأطفال وفكرة جديدة ففكرت بأن أنجو بجزء من الموسوعة ولو بأغانى التهنين والهدهدة وأغانى الألعاب والمناسبات بدلا من تلك الأوراق الضائعة بين «الروبابيكيا» وآثرت البحث عنها وبالكاد عثرت عليها وقدمتها إليه وأعجبته الفكرة واقترح على أجزاء جديدة واستكملت بعض أجزائها الناقصة ورسمها الفنان محمد بغدادى وخرجت أخيراً إلى النور عام 2008 وحصلت عنها على جائزة الدولة وكانت مصدر سعادة وبهجة على حياتى بعد عناء ميلادها.
يضيف شومان أن الهدف الأساسى من الموسوعة أن أغنية الطفل تعانى فى ظل انهيار القيم فى هذا العصر، فالأطفال متجهون إلى ألعاب الفيديو والكمبيوتر وهى صماء بلا مشاعر فترسخ بداخلهم التعامل بميكانيكية شديدة غير ألعابنا الشعبية وإحساس الطفل بها وتعامله معها على الساحة. نحن الآن لا نملك أغانى كثيرة مؤلفة للأطفال لكن لدينا كنز من التراث الشعبى والطفل مازال جنينًا فى بطن أمه تعده لاستقبال الموسيقى والتفاعل معها مرتبطة بدورة حياته منذ الحمل والوضع والسبوع وألعابه ومناسباته.
 مشروع قومى فى انتظار دعمه
الكتاب، الفيلم، المسرحية، العرائس، الأغانى، أشياء دورها أكبر من حدود التسلية وملء وقت الفراغ، إنها عملية تأسيس وبناء نموذج إيجابى يمكنه مواجهة وجدل كل الأفكار الشاذة التى تنتشر فى المجتمع سواء على المستوى الدينى أو الأخلاقى والقيمى وثقافتنا العربية تحتوى على نماذج للتنمية البشرية تلاءمنا وتلاءم مجتمعاتنا، عكس النماذج المترجمة التى يستعين بها الشباب فتفشل لأنها لا تلاءم أسلوب حياتهم ولا تتفق مع سلوكيات الشرقيين وعاداتهم.
هناك 12 مسابقة متنوعة عالمية لأدب الطفل تدعمهم وزارة الثقافة بهيئاتها  وأكثر من 20 كتابًا تصدر سنوياً برعاية لجنة ثقافة الطفل لكنها غير كافية فلم يستطع كل هذا شغل الفراغ الذى خلفه مشروع القراءة للجميع - بغض النظر عن أهداف ونوايا صاحبه - الذى كان نقلة حضارية وثقافية فى حياة أطفال مصر وهى غير مرتبطة ببقاء أو رحيل شخص فهى تخطيط وتنفيذ برعاية جمهورية مصر العربية.
مصر لا ينقصها كتاب أو شعراء أو رسامين أو فنانين أو مخرجين بدليل أنهم  متواجدون بقوة على الساحة العربية والعالمية يرفعون اسم مصر ولكن المنتج غير مصرى والأفكار لمن يملك المال ،هؤلاء فى الأصل  ممن استطاعوا أن ينجو بالطفل الذى بداخلهم لم يسمحوا له بأن يكبر حافظوا على عالمهم البرىء ودافعوا بمشاريعهم الصغيرة عن أحلامهم فى النهوض بالحركة الثقافية والإبداعية الموجهة للطفل المصرى تقنياً وحضارياً فى حرب مع الإسفاف والعولمة وطمس الهوية العربية الممنهج عن طريق القصص «الممصرة» وأفلام الرسوم المتحركة «المدبلجة» والبرامج التعليمية  المعربة.. غابت الشخصية العربية عن عالم الكارتون وظهرت الدبلجة بلهجات مختلفة أثرت على ثقافة وتراث عمره آلاف السنين وشتت خيال الطفل عن التفكير والاستنتاج حولته إلى أداة ميكانيكية كأدوات العصر ووحدات الألومنيوم الرقمية التى يتعامل معها، صارت أغنية الطفل من التراث الذى قلما بثه التليفزيون المصرى على قنواته الأرضية وتتبعناه بحنين وشغف وكأننا غير قادرين على الإبداع.
وعليه يمكن الجزم بأن الطفل فى مصر منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر وحتى يومنا هذا هو مشروع قومى فى انتظار الدعم، وما يخرج عن محيط تمويل ورعاية الدولة من مشاريع لا ضامن لاستمراريته خاصة إذا لم تكن مدعومة من شخصية ذات ثقل تحرك مياهه الراكدة.. ما تقدمه روزاليوسف تتبعاً لما وصل إليه أدب وثقافة الطفل فى مصر ما هو إلا نداء إلى رئيس الجمهورية بأن الطفل المصرى مشروع قومى بانتظار الدعم.