الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«التنظيمات المسلحة» صنعت «التطرف الأوروبى» منذ السبعينيات

«التنظيمات المسلحة» صنعت «التطرف الأوروبى» منذ السبعينيات
«التنظيمات المسلحة» صنعت «التطرف الأوروبى» منذ السبعينيات




كشف كتاب جديد تحت عنوان «لماذا ينضم الأوروبيون لداعش؟» عن أن المراكز الإسلامية فى أوروبا لعبت دورا مؤثرا فى انضمام العناصر المتطرفة إلى «داعش»، وأشار الدكتور محمود أحمد عبدالله مؤلف الكتاب إلى أن تصاعد موجة الخوف من الشيوعية والمهاجرين فى أوروبا، والقلق من آثار العولمة وتبعاتها، هى الأسباب المسئولة عن انتقال التطرف إلى الأوروبيين المسلمين، وبالتالى أصبح مألوفا أن ينضم الأوروبيون لتنظيمات إرهابية إسلامية
وحاولت الدراسة المنشورة كإحدى دراسات المركز العربى للبحوث والدراسات، الإجابة عن السؤال فى 8 نقاط أساسية، واستعرضت الأولى عرض مناخ إنتاج الإرهاب، فى محاولة للتفسير حيث يبرز مفهوم الإرهاب كواحد من المفاهيم الإشكالية حيث يتداخل مع غيره من المفاهيم ذات الصلة بالفعل الإجرامى المحرجة لأفراد أو مؤسسات، وأشارت الدراسة إلى تبنى الباحثين فى حقل دراسة الإرهاب النظرية الثقافية التى تحيل العمل الإرهابى إلى كل التصورات التى يتربى عليها الأفراد فى طفولتهم، والتى تصب فى مصلحة شجب الهوية، وتفكيك مفهومها، وتدشين مفهوم عولمى له.
وتابعت: يذهب طرف ثان إلى تفسير الظاهرة بعامل الاقتصاد، على أساس أن الحاجة تؤدى إلى تبنى السلوك العنيف تجاه الدولة للحصول على لقمة العيش، خاصة أن نسبة كبيرة ممن مارسوا الأعمال الإرهابية هم من سكان الضواحى والأحياء الفقيرة، رغم أن بعض القيادات الإرهابية من أصول ثرية، ومنهم من حصل على خلفية تعليمية جيدة، ما يعنى أن هناك تمييزاً بين القيادات ذات الأصول المترفة و القواعد الوافدة من الهوامش الحضرية، وأن هناك تفسيرا آخر يلجأ إلى ربط الظاهرة ببيئات منتجة له، لأسباب تتصل ببعد هذه البيئات عن مناطق التكدس السكاني.
ويقدم لنا الباحث تفسيرا آخر يذهب فيه أنصاره إلى أن أصل التطرف هو من عنصرية المؤسسات الأوروبية والغربية، وانحيازها الواضح للمواطن الأبيض، فالنظام الاجتماعى هو نظام عنصري، وهو ما يجعل المؤسسة الأمنية هناك تتعامل بقسوة مبالغ فيها مع المشتبه بهم من الملونين أو الزنوج بشكل خاص، ويخلص الكاتب إلى تعدد الدوافع التى تضطر الشباب إلى الانضمام للجماعات الجهادية، وهى تمثل فى مجموعها مناخ انتاج العنف ضد الدولة والمجتمع، باعتبارها مصدر اشباع احتياجات الفرد، وعلى هذا النحو يصعب التعويل على أى تفسير بعينه، فلا يوجد تفسير واحد ممكن لظاهرة، بل إن الأسباب كلها محتملة.
وشهدت أوروبا الغربية بعض الحركات النشطة من اليمين المتطرف أكثر من أى منظمة أخرى فى العالم، حيث نشأت خلال الحرب الباردة مجموعات تدعم الوضع القائم فى بلادها وتدافع عن المصالح الوطنية، ويعرض الكاتب أنواع الجهاديين الأوروبيين وميز بين نوعين منهم أولهما من أصل عربي، وهم أنهم أبناء الجاليات العربية من الجيل الثانى والثالث، وورثوا عنهم الدين والعادات والتقاليد العربية، وثانيهما المتحولون عن المسيحية للإسلام من أبناء نفس الجيل، وهم تربوا دينيا ومعرفيا على يد العرب الوافدين إلى أوروبا.
ويقدم لنا الكاتب فى النقطة الرابعة من إجابته عن عنوان الدراسة، أن المراكز الإسلامية فى أوروبا لعبت دورا مؤثرا فى ترتيب الأوضاع لصالح العناصر المتطرفة، بحيث أصبح الخطاب الإسلامى المعتدل غير موجود على الساحة الأوروبية، فيما تغلغل الإسلام السياسى تحت غطاء مفاهيم بدأت فى الظهور، من قبيل «الإسلام الأوروبي»، و«الإسلام المتنور» و«ما بعد الإسلامية» كخيال سياسى يصور إمكانية دمج «الإسلام السياسي» فى العمل السياسى والمجتمع.
ويرصد تصنيفات بعض الباحثين لمناطق المسلمين فى أوروبا، وتنقسم إلى 3 مناطق حسب القرب والبعد من التطرف الإسلامي، هى بلاد لديها أكبر عدد من المقاتلين، وتشمل بريطانيا، وبلجيكا وفرنسا وهولندا وألمانيا والبلقان، وبلاد متوسطة العدد، ممن لا يتجاوزون 100 مقاتل، وتضم أيرلندا وإسبانيا وإيطاليا والدنمارك والسويد وفنلندا والنرويج والنمسا، وبلاد أقل مشاركة وتشارك بـ 10 أفراد وتشمل بلغاريا، وألبانيا والمجر ورومانيا وسويسرا.
وحول سياسات الإدماج يقول الكاتب إن الدول الأوروبية اتخذت 3 سبل للتعامل مع المهاجرين المسلمين، ما بين سياسات الدمج الكلي، وتذويب الهوية، والتعبير الحر عن الهوية الثقافية، والسياسة النسبية.
وحول طرق الجذب والتجنيد يؤكد الكاتب أن تنظيم «داعش» يستخدم حزمة من وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تويتر، وفيس بوك، وتامبلر، ويوتيوب، وسكاى بي، وجوجل بلاي، لتوجه دعايتها لمجتمع الإنترنت العالمي، ويصدر مجلة إلكترونية «دابق، ملفات عديدة» ولديها قنوات تليفزيونية، وصفحات عديدة على الشبكة، ويبث مقاطع فيديو عالية الدقة، وصفها أحد المراسلين بأنها سلسلة أفلام تشبه فى جودتها جودة أفلام هوليوود.
وتمثل بواعث الانتماء نقطة جوهرية لانضمام الأوروبيين لداعش، وهناك علل يسردها الكاتب أولها أن نمط الحداثة الأوروبية لا يسمح بالتعددية الثقافية المأمولة من جهة هؤلاء الأوروبيين، حيث لا يستطيعون التعبير عن هويتهم الإسلامية كما يحلو لهم، دون أن يتعرضوا للتوقيف، أو السخرية أو التوبيخ، والعلة الثانية هى الخروج من مادية الواقع الأوروبى وفرديته إلى روحانية «الأمة»، والثالثة هى تفويض أشكال التقديس التقليدية التى نشأت مع الحداثة، وهى القومية والعلم والتقدم والكفاح الطبقى وصور الالتزام المسيحي، فلم تعد الأشكال الفكرية قادرة على تقديم الدعم المعنوى الذى يمكن أن يقدمه الدين الجديد
وأخيرا يختتم الباحث دراسته بالتأكيد على أن التطرف الأوروبى ليس جديدا على الساحة الدولية، فقد بدأ فى السبعينيات على يد التنظيمات المسلحة المنتمية لليمين واليسار، مع تصاعد موجة الخوف من الشيوعية والمهاجرين من جهة اليمين، والقلق من آثار العولمة وتبعاتها من جهة اليسار، ومع ما جرى على الأرض الروسية من تطورات انتقل التطرف إلى الأوروبيين المسلمين، وبعدها أصبح مألوفا أن ينضم الأوروبيون لتنظيمات إرهابية إسلامية.