الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بالتفاصيل.. أخــطر تقارير «الأمن القومى الأمريكى» عن إسقاط أنظمة «الشرق الأوسط»

بالتفاصيل..  أخــطر   تقارير «الأمن القومى الأمريكى»  عن إسقاط أنظمة «الشرق الأوسط»
بالتفاصيل.. أخــطر تقارير «الأمن القومى الأمريكى» عن إسقاط أنظمة «الشرق الأوسط»




هانى عبدالله  يكتب:

فى عالم «الاستخبارات».. لا مجال لإهمال أضعف «الاحتمالات».. تبقى «الخيارات» – دائمًا – مفتوحة.. وكل «التحركات» مطروحة.. وجُل «التصورات» مسموحة.. و«البدائل السياسية» كافة، رهن «الوقت المناسب» للتنفيذ.. فإن كنّا نتحدث عن أن «الغلبة لمن يمتلك المعلومة»، فواقع تلك «الغلبة»، أن يتم – ابتداءً – تأمين صفوف الدولة – أى دولة – من الهزيمة «الداخلية» أولاً.
أما (فُرص «هزيمة الخصم».. فالخصم، نفسه، هو الذى يوفرها لنا).

تبدو «الأولويات» هنا مُحدّدة «على سبيل الحصر».. فالعبارة الأخيرة، التى ورثتها أغلب أجهزة الاستخبارات الدولية عن «فنون المواجهة» بالصين القديمة – تبدو ماثلة إلى حدٍّ بعيد، ونحن نتحدث عن إعادة ترسيم حدود «الشرق الأوسط»، وفقًا للعديد من السيناريوهات «المعلنة»، و«غير المعلنة»، من قِبل «الولايات المتحدة الأمريكية».
إذ تتغذى تلك السيناريوهات – من حيث الأصل – على مَوَاطن الضعف: (السياسى، والاجتماعى، والاقتصادى... إلخ)، فضلاً عن إرث التوترات «الحدودية»، و«المذهبية» الضارب بجذوره فى عمق العديد من الدول المستهدفة.
ومع ذلك.. لم تستطع أغلب دول المنطقة، ممن طالتها سهام «السيناريوهات الأمريكية» – باستثناء «الحالة المصرية» – أن تؤمّن بيوتاتها من الداخل.. إذ اكتفت بلعب دور «المفعول به»، لا الفاعل.. تركت أيادى التدخل الخارجى تمتد إلى آذاننا، لتفقدنا السمع.. وإلى عيوننا، لتفقدنا الرؤية.. وإلى شفاهنا، لتفقدنا النطق.. ثم كان أن واصلت تلك الأيادى عبثها، أملاً فى أن تفقدنا – يومًا ما – أعز ما نملك (وطنيتنا، وأوطاننا).
(1)
ففى نهاية العام 2012م وبالتزامن مع بداية ولاية الرئيس الأمريكى «أوباما» الثانية.. كان ثمة تقرير «مهم» عرف طريقه، إذ ذاك، نحو «المكتب البيضاوى»، مثّل – فى مُجمَلِه – خُلاصة العديد من معلومات، وتقديرات «الأجهزة الأمنية» بالولايات المتحدة.
حمل التقرير عددًا من التوصيات «الأمنية» المباشرة، حول ما يجب أن يفعله «الرئيس الأمريكي»، وهو يعيد صياغة «مُخطط» إدارته تجاه «الشرق الأوسط»، حتى العام 2016م.. إذ كان من بين البلدان التى شملها التقرير: مصر (كان الإخوان بالحكم، وقتها)، ودول الخليج العربي، وسوريا، والعراق، وإيران.
..ولأن مخططات «الفترة الرئاسية الأولى»، بدت – حينها – وكأنها أثمرت شيئا داخل منطقة «الشمال الإفريقي»، إذ تمكنت قوى «الإسلام السياسي» من الوصول إلى السلطة، وفقًا لبرنامج الارتباط الذى عملت عليه «وكالة الاستخبارات المركزية»، نحو 15 عامًا (كانت ثورة 30 يونيو – يقينًا – بعيدة، عن تقديرات أجهزة الأمن الأمريكية، حينئذ)، فإن التقرير صبَّ أغلب توصياته على منطقتي: «الخليج العربي، والشام».. إلى جانب مناطق النفوذ الإيرانية (الفارسية)، وتداعيات برنامج «طهران» النووى.
وفيما كانت رياح التغيير – ذات البصمات الأمريكية – تلقى بظلالها «الكثيفة» على العديد من دول الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا.. نبه «التقرير» إلى 4 دروس «رئيسية» يمكن الاستفادة منها، فى ضوء «الفترة الرئاسية» الأولى لـ«أوباما».. وكانت تلك الدروس على سبيل الحصر:
1 – من الخطأ أن نعتقد أن محور ارتكاز «الولايات المتحدة»، يمكن أن يكون بعيدًا عن منطقتي: الشرق الأوسط، وآسيا، وكأن لدينا مقدارًا ثابتًا من «نطاق الترددات»، ونحظى بترف إعادة توزيع تلك السياسة بحسب ما نفضله.. فلن تستطيع «الولايات المتحدة» فى المستقبل القريب، تجنّب التعامل مع التهديدات والتحديات التى ستفرضها هذه المنطقة.
2 – تدور سياسات الولايات المتحدة فى «الشرق الأوسط» حول تهديدين أساسيين:
أ – طموحات إيران التوسعية.
ب – انتشار التطرف السنى العنيف.
..وفى هذا الإطار، توجد قضايا أخرى تعتبر «ثانوية» بالنسبة لمصالح واشنطن.. فالصراع «الإسرائيلى – الفلسطيني» – على سبيل المثال – يُعد مهمًا بشدة بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين (ولهذه الأسباب يعد مهمًا أيضًا للولايات المتحدة)، ولكن استمراره، أو تسويته، لن يكون مؤثرًا على التغيرات الأكبر التى يمثلها التهديدان السابقان.
3 – وجد القليل فى «الشرق الأوسط « من الأحداث (السعيدة)!.. فالتطورات التى تبدأ بأملٍ، وإلهام ملحوظين نادرًا ما تنتهى على هذا النحو.. انظر إلى الثورة البيضاء فى تونس، وروح «ميدان التحرير»، والشجاعة المذهلة للمتظاهرين (السلميين)! فى درعا.. ثم انظر إلى ما هم عليه الآن.. فمما لا شك فيه أن كل من تابع عملية «أوسلو» على مدى التسعة عشر عامًا الماضية، قد تعلّم بالفعل هذا الدرس، لكن.. كل إدارة تتعلّم ذلك بنفسها.
4 – بقدر ما يكون الكلام مهمًا – سواء كانت كلماتٍ شامخة مثل تلك التى وُجهت إلى العالم الإسلامى فى خطاب القاهرة فى «يونيو 2009م» – (يقصد التقرير، هنا: خطاب «أوباما» فى جامعة القاهرة، إذ كان، ذلك الخطاب، نقطة الانطلاق الأولى، للإعلان عن قرار «الولايات المتحدة» بالارتباط والقوى الدينية بالمنطقة، وتصعيدها على رأس السلطة، بدلاً من أنظمة الحُكم القائمة) – أو الكلمات التحذيرية «المنع وليس الردع» فيما يتعلق بالأسلحة النووية الإيرانية – يكون الفعل أكثر أهمية.. ومن الخطأ أن نصدق أن الأول يمكن أن يكون بديلاً عن الأخير.
(2)
فى ظل وقائع التقرير، بدت مناطق «النفوذ الإيرانى»، إلى جانب «منطقة الخليج» هى الأَولَى «مرحليًّا» – كما أوضحنا – باهتمام صانعى السياسات داخل «البيت الأبيض».. ومن ثمَّ، انطلقت التوصيات – بشكل مباشر – نحو ضرورة التخلص سريعًا من النظام «السورى»، إذ ذكر التقرير صراحةً: «علينا العمل على إسقاط نظام بشار الأسد فى أقرب وقت ممكن لفرض «هزيمة استراتيجية» على إيران، وفصل المحور الذى يربط بين (طهران – دمشق – حزب الله) فى بيروت».
..وكانت تلك «التوصية» – على وجه التحديد – تستهدف فى المقام الأول، جر المحور «الثلاثي» لعملية استنزاف سريعة (تشير تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى أن «حزب الله» خسر – بالفعل – نحو 1\4 «رُبع» قوته بعد دخول عناصره حلبة الصراع السوري، دعمًا لبشار الأسد).. وأن عملية «الاستنزاف» تلك يجب ألا تنتهى بانتصار «نظام بشار» بأى حال من الأحوال، إذ إن خسارة «طهران» للمعركة على الأرض، سوف يجعلها – فى نهاية المطاف – ترضخ لمطالب «الولايات المتحدة»، عند شروع «الأخيرة» فى تنفيذ برنامج الارتباط مع «إيران» مستقبلاً.
..وهو البرنامج الذى بدت بشائره فى أعقاب ظهور ما يُعرف بتنظيم الدولة فى العراق والشام (داعش)، والوصول إلى اتفاق «إطارى» بين إدارة أوباما، و«إيران»، حول برنامج «الأخيرة» النووى.
إذ وفقًا للمعلومات المتاحة لنا، فإن برنامج الارتباط هذا، عُرض – ابتداءً – على «الإدارة الجمهورية» السابقة لإدارة أوباما.. إلا أن «الأولى» أجلت تنفيذ البرنامج، لحين وصول «إدارة ديمقراطية» للبيت الأبيض.. وكان هذا جزءًا من برنامج ارتباط «عام» مع قوى الإسلام السياسى كافة، داخل المنطقة، بغض النظر عن «توجهها المذهبى»، إذ إن هذا التوجه المذهبى – فى حد ذاته – يُمكن أن يكون «نقطة إيجابية» فى إطار رسم «المخططات الأمريكية» للمنطقة، تُسهم فى «تفتيت» الكيانات الكُبرى بها، عندما تستعر «المواجهات الطائفية» بين السنة، والشيعة.. وهو ما سيحفظ – يقينًا – تفوقًا نوعيًّا فى القوة العسكرية لـ«إسرائيل»، من دون مجهود إضافى تُقدمه الولايات المتحدة (!)
وقد كان – يقينًا – تصعيد جماعة «الإخوان» على رأس السلطة فى مصر، أحد ثمار هذا البرنامج، خلال الفترة الرئاسية الأولى لـ«باراك أوباما».. وهو ما كان سيسمح لها (أى: للولايات المتحدة الأمريكية) بفرض مزيد من شروطها السياسية على حُكّام «القاهرة» الجدد.
وعن هذا يقول التقرير: «علينا إعادة النظر فى العلاقات مع حكام مصر الإسلاميين، إذ إن النهج الأمريكى الحالى تجاه القاهرة يمثل استمرارًا لما كان عليه الحال فى عهد مبارك، مع منح القليل من المعونات الإضافية.. لكن.. حتى اللحظة، تبدو الإدارة الأمريكية بعيدة عن وضع سياسات، واستراتيجيات أكثر تفصيلاً فى إطار علاقتها الجديدة مع الحكام الإسلاميين فى مصر.. وينطبق ذلك على جميع القضايا الثنائية، مثل: المعونة الاقتصادية، والعلاقات العسكرية، والتواصل مع المجتمع المدني.. وهكذا».
وكان من ثمار الاستراتيجيات «المقترحة» التى ساقها التقرير لـ«إدارة أوباما»، هو وضع كلٍّ من «جماعة الإخوان»، وحلفائها «الأتراك» على خط التعامل المباشر مع إسرائيل بصورة أكبر.. وأن يتم هذا الأمر فى سياق مبادرة تتبناها «واشنطن».. وأن تتخذ تلك المبادرة – فى شكلها الإطارى – الطابع الاقتصادي، تأسيسًا على أن الأزمة المالية التى تمر بها الولايات المتحدة، ستحول دون تقديم المزيد من المساعدات المالية للقاهرة.. وإذا كانت القاهرة جادة فى سعيها نحو حلول سليمة لأزمتها الاقتصادية، فبإمكانها جنى العديد من الفوائد من «اتفاقية التجارة الحرة» عن طريق التوسع الهائل فى نظام «المنطقة الصناعية المؤهلة» مع إسرائيل.. (وهو ما كانت تدرسه الجماعة – جديًّا – قبل الإطاحة بها من الحكم!).
أما عن جانب العلاقات «التركية – الإسرائيلية» فقد ذكر التقرير:
«بعد قرابة عامين ونصف العام من حادث «مافى مرمرة»، فإن المصالحة بين هاتين الدولتين (الحليفتين للولايات المتحدة) واجبة.. وإحياء العلاقة بين تركيا وإسرائيل يصب بالتأكيد فى صالح «الولايات المتحدة»، كما أن الكثير من الأتراك والإسرائيليين يعتقدون أن ذلك يصب فى صالحهم أيضًا.. وعلى الرغم من أن العلاقات الثنائية قد لا تعود أبدًا إلى ما كانت عليه من حميمية وصداقة، إلا أنه لا يزال هناك الكثير مما يمكن للبلدين القيام به معًا، لتعزيز المصالح المشتركة.
وعلى الرغم من فشل جهود واشنطن السابقة للمصالحة بين البلدين، إلا أن الزمن قد تغير – فأردوغان أصبح أكثر ضعفًا، ونتانياهو (فى حالة فوزه فى الانتخابات) سوف يكون أقوى، كما أن أزمة سوريا قد أظهرت الخطر المشترك الذى تواجهه تركيا وإسرائيل.. لقد حان الوقت لإعادة المحاولة».
(ولسنا هنا، فى حاجة إلى إعادة التأكيد على أن التوصية الخاصة بإعادة ضبط العلاقات «التركية – الإسرائيلية» من الناحية الاقتصادية، قد أخذت تؤتى أوكلها خلال الشهر الماضى)!
(3)
لا يمكننا هنا، فهم توصيف عبارة: «طموحات إيران التوسعية» بالتهديد – خاصةً فى ظل برنامج الارتباط بين واشنطن، وطهران – إلا فى سياق محاولات السيطرة على برنامجها النووي، إذ يجب – وفقًا لنص التقرير – الحيلولة دون حدوث هذا السيناريو المخيف، بأى ثمن.. فإذا نجحت «إيران» فى تطوير «سلاح نووى» خلال الولاية الثانية للرئيس أوباما – فى ظل التزام صريح من جانب الولايات المتحدة بمنع حدوث تلك النتيجة – فسيكون ذلك الفشل بمثابة إرث الرئيس الأمريكى فى الشرق الأوسط، وسيُنقش على ضريح سياسته الخارجية «فى عهده حصلت إيران على القنبلة النووية»!
ورغم ما يبدو – حتى اللحظة – من أن إدارة أوباما نجحت، فى توقيع اتفاقها الإطارى مع «طهران» حول البرنامج النووى للأخيرة – وهو اتفاق يصفه، الآن، العديد من الدوائر الأمريكية بـ«الاتفاق ضيق النطاق» – لم يسقط التقرير – كذلك – إمكانية البحث عن بدائل «داخلية» للضغط على «نظام طهران»، إذ نبه التقرير إلى إمكانية الاستفادة مستقبلاً من إعادة إحياء «الحركة الخضراء» هناك.. وفى تلك الحالة، يتعين على واشنطن إيجاد سبل لاحتضان، وتشجيع، ودعم المتظاهرين.. وعلى أقل تقدير، قد يضيف ذلك بعدًا جديدًا للضغط على حُكّام إيران.
وفى حين لم تسقط «الأجهزة الأمنية الأمريكية» إمكانية استخدام المعارضة الإيرانية، للضغط على نظام «طهران»، أوصت – فى المقابل بأن تقف الولايات المتحدة، نفسها، حائلاً دون وصول دعاوى تغيير الأنظمة (وفقًا لنظرية «الدومينو») لعدد من «الملكيات الحليفة للغرب»، مثل: البحرين، والأردن (فضلاً عن «المغرب» فى منطقة الشمال الإفريقى).. ونبه التقرير إلى أنّ «المنامة» تحظى بعناق المملكة العربية السعودية كأخٍ أكبر يحافظ عليها.. وعلى ذلك، يبدو أكثر «الملكيات» الثلاثة ضعفًا – بحسب توصيف التقرير – هى الأردن، حيث أنها دولة فاصلة، ومحدودة الموارد.. إلا إنها تُمثل نقطة ارتكاز «مهمة» لمصالح الولايات المتحدة فى المشرق.
ومن ثمَّ.. فعلى «واشنطن» أن توليها مزيدًا من الاهتمام، إلى جانب مد قنوات الاتصال مع «الجيل القادم» من الأمراء بـ«المملكة العربية»، إذ تبدو – وفقًا لتوصيات التقرير «المبكرة» – احتمالية نقل السلطة إلى الأحفاد قد بدأت بالفعل.
تبدو – إذًا – عوامل «البرجماتية» فى السياسة الخارجية الأمريكية، أكبر من أن نتجاهلها، أو نتناساها فى أى وقت من الأوقات.. إذ لم يسقط التقرير – فى مجمله – سياسة «إسقاط الأنظمة»، وتصدير الثورات.. أو «منعها».. كلما بدت فى الأفق أى تحركات «إقليمية» من شأنها التعارض والتوجه العام للسياسات الأمريكية بالمنطقة.. وهى سياسة عرفت – أيضًا – طريقها، منذ وقت مبكر، نحو مؤسسات «القلب الصلب» الأمريكية.. قبل أن تتحول إلى «خرائط» غائرة الجروح، لم يجف نزيفها بعد (!)
.. وهو ما سيكون لنا معه وقفة تالية، إذ عرفت تلك السياسة طريقها لـ«الغرف المغلقة» بالولايات المتحدة الأمريكية، منذ (الستينيات، تقريبًا)، ولم تتوقف حتى اللحظة (!)

الأسبوع المقبل بالوقائع التفصيلية: كيف خطط «البنتاجون» لصناعة الثورات الملونة .. ولماذا ورث CIA البرنامج؟