كلنا أحباب الله!

وليد طوغان  يكتب

لا العلمانية كفُر، ولا أبناء التيار السلفى هم وحدهم أحباب الله.
 العلمانية اتجاه فكرى، واعتبارها، حتى الآن فى الشارع، لفظا مضادا للدين أمر غريب وعجيب. خلل ما فى منظومة التعليم، وكثير من الثقافة الشعبية هى التى أدت ببعض المصطلحات فى الشارع المصرى إلى مناطق حمراء، صارت محرمة فيما بعد. فالعلمانية صارت مصطلحًا مضادًا للدين، مع أن هذا ليس صحيحا.
العلمانية مبدأ عام، يمكن اعتباره مرادفا لمفهوم المواطنة، أو مدنية الحكم فى دولة ما. العلمانية على هذا الأساس صيغة أشمل من صيغ الحكم. الاتجاه العلمانى فى الحكومات اتجاه مدنى، بينما التوجه الدينى فى السلطة اتجاه محدود ضيق. العلمانية اتجاه عام لاستيعاب جميع أبناء البلاد على اختلاف الأديان، واختلاف الاتجاهات الفكرية، لم يقل أحد أن علمانية الحكومات إشارة إلى خلل فى الفكر الدينى لأعضاء الحكومة. ولا أن الحكومات العلمانية، هى دائما ضد المفاهيم الدينية، ولا علاقة لما ارتبط فى الشارع من تهويمات وخيالات حول مفهوم العلمانية بالواقع.
فى الدول الحديثة، وبين طلاب الديمقراطية العلمانية هى الحل. فهى الحكم المدنى، والمشاركة للجميع.
الفارق بين الحكم المدنى، والحكم الدينى كبير، فالدولة المدنية تسعى لاستيعاب كل مواطنيها، باختلاف أديانهم، بينما الدولة الدينية تسعى لفرض اجتهادات دينها على مواطنين لا يؤمن كثير منهم به، والنتيجة خصام وصدام، ودماء لو لم يأذن الله بالعفو.
العلمانية ليست طائفية، لكن السلطوية الدينية هى بالضرورة كذلك. مثلا، سن قوانين إسلامية فى دولة ما، ثم إلزام غير المسلمين بتنفيذها، هو الطريق الى صراع ونزاع بين طائفتين، الأولى تعتبر مصدر إلزامها للثانية إلهيا، بينما تسير الأخرى نحو الكبت لحين الانفجار.
الفكر السلفى الدينى مضاد لمفاهيم ومبادئ العلمانية فى الحكومة، وفى السلطة. لاحظ أن الفكر السلفى ليس قاصرا على المسلمين وحدهم، ففى المسيحية هناك سلفيون، وفى اليهودية أيضا. السلفية تطرف دينى إلى اليمين، وهى كاتجاه يسعى إلى إحياء ما كان يقوم به الأوائل فى بداية عصر الرسالة.
مثلا التمادى فى التمسك بعادات بولس الرسول سلفية مسيحية، على اعتبار أن بولس الرسول من السلف الأوائل للديانة المسيحية. والإصرار على أداء العادات الشخصية واليومية ليوشع بن نون سلفية يهودية. وتحول عادات بولس، أو بن نون بعد فترة من الزمن الى التزامات دينية تقترب من النصوص.. وتدخل فى العبادات.. مصيبة.
لذلك نحن فى حاجة الى مزيد من التحرر. مثلا، يجوز اعتبار ما كان يقوم به السلف فى عصور الأديان الأولى اجتهادا، وتقربا من الله على طريقتهم. لكن لما تغيرت الأزمان، واستجدت العصور، وظهرت فى الأمور أمور، فإنه يجوز للخلف، الذين هم نحن، أن نعبد الله بطرق عصرية فنخالف السلف.
يجوز لنا أيضا الاجتهاد بما يخالف اجتهادات السلف، دون أن نكون لا كفرة ولا طغاة، فقد شرع الله الأديان للاستمرار، بينما عادات واجتهادات السلف موقوفة على أزمانهم وعصورهم، وثقافاتهم. ليس عيبا فى السلف، ولا نقيصة فى الخلف أن يتدبروا أديانهم، مستوعبين تغير العصور، واتساع الثقافات حسب المفاهيم العلمانية.
لاحظ ان الخلف دائما كانوا اكثر تجديدا من السلف. أبوبكر الصديق (رض) كان سلفا للإمام الشافعى، وكان الشافعى خلفا لأبوبكر، مع ذلك لم يقدم أبوبكر فى الفقه الإسلامى مثلما قدم الشافعى، ولا قدم عثمان ابن عفان (رض) للمسلمين، مثلما قدم مالك وأبو حنيفة من اجتهادات فى فقه البيوع والرهن والارتفاق، وعدالة الشهود، وعدالة الرواة.
ليس عيبا فى «السلف» أبوبكر أو عثمان، ولا هى درجة أعلى للخلف، إنما تغير الزمن، واتساع الرؤية فى الفترة الزمنية بين أبوبكر (رض) وبين الإمام الشافعى هى التى أتاحت للأخير استيعابا أكثر، ورؤية أوسع للدين.
المعنى أن السلفية ليست هى الدين.. ولا المتدينون على طريقة الأوائل هم وحدهم أحباب الله. كلنا أحباب الله.