السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عبد الكريم المقداد: القصة القصيرة انعكاس لكل ما يلحق بروح الكاتب

عبد الكريم المقداد: القصة القصيرة انعكاس لكل ما يلحق بروح الكاتب
عبد الكريم المقداد: القصة القصيرة انعكاس لكل ما يلحق بروح الكاتب




حوار – خالد بيومى


عبدالكريم المقداد كاتب وناقد وقاص وصحفى سورى مقيم بالكويت، يعتبر القصة القصيرة عشقه الأول، وهو ليس بدعاً فى هذا الأمر فقد سبقه إلى الإخلاص لهذا الفن أسماء حفرت اسمها بأحرف من نور فى سماء هذا الفن الصعب أمثال: زكريا تامر ومحمود شقير ويوسف الشارونى ويوسف إدريس وسعيد الكفراوى. ويعتبر المأساة السورية فوق طاقة الخيال. تخرج فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة دمشق، وعضو اتحاد الكتاب العرب. من أعماله القصصية: وقائع موت شامة، نجوم الظهر، ومن أعماله النقدية: تضاريس المتعة، ملامح الحركة القصصية فى الكويت. عن أعماله ورؤيته الثقافية كان حوارنا معه.
■ أنت كاتب وناقد وقاص وصحفى ..كيف توفق بين هذه الاهتمامات؟
ـ الصحافة مجرد مهنة لكسب العيش لا أكثر، أما كونى كاتبا وقاصا وناقدا فلا أرى فى ذلك أى تعارض يحتاج إلى توفيق، فالإبداع هاجس يرافق المبدع أينما حل، فى البيت، فى الشارع، فى الوظيفة، فى حديث أو منظر أو غيره. قد تلمع شرارة القصة من مشهد ما، أو من موقف، أو من عبارة يتفوه بها أحدهم. أما النقد فيأتى كضرورة فنية ومعرفية خاصة للإجابة عن أسئلة تنطلق من الداخل ولا تهدأ إلا بالبحث عن إجابات تطفئها. فى حين تلبى كتابة المقال الحاجة لتسجيل رأى أو تركيز الضوء على فكرة ملحة. وفى النهاية أجد أن الكتابة والإبداع والصحافة متآلفة ومتقاربة.
■ هل يحدث تصارع بين سلطة النقد وسلطة الكتابة بداخلك؟
ـ أرى فى النقد معرفة فنية تراكمية تشكل البنية التحتية التى تنطلق منها الكتابة. وأظن أن التفاعل بين العمليتين يتم بشكل عفوى بعيدا عن التسلط أو الإكراه. تماما مثل أن تتحاشى رمى عقب السيجارة فى الشارع العام نتيجة وازع داخلى عفوى، لا خوفا من المخالفة، فالمعرفة النقدية تزود الكاتب بمقياس تهذيبى وتقويمى وتقييمى يعمل بشكل تلقائى خلال عملية الإبداع.
■ لماذا اخترت كتابة القصة القصيرة ونحن فى زمن الرواية.. هل من الممكن أن تكون القصة عتبة للرواية؟
ـ يستفزنى التحدى فى القصة القصيرة فهى لا تسلس قيادها إلا بعد ترويض. إنها حساسة ودقيقة وصافية بحيث يظهر أى عبث بها جليا فاقعا. قد يجرؤ الكثيرون على ركوب موجة الرواية، لكنهم لا يجرؤون على اقتحام عالم القصة القصيرة كى لا يفتضح أمرهم. فالرواية بحر متلاطم الأموج قادر على مواراة الكثير من الهنات، فى حين لا تحتمل القصة القصيرة ما يعكر صفوها، فتفضحه مباشرة. والأمر أكثر تعقيدا مع القصة القصيرة جدا، التى لا يميز الكثيرون ممن يتنطحون لها بينها وبين الخاطرة أو الطرفة أو القول المأثور.
■ هل تكون القصة القصيرة عتبة للرواية؟ ـ هذا ممكن، لكن ليس بالضرورة. وعموما أرى أن من تحول من كتابة القصة القصيرة إلى الرواية قد أجاد كتابتها أكثر بكثير ممن بدأ بالرواية مباشرة، وأذكر فى هذا المجال على سبيل المثال غادة السمان وإبراهيم أصلان وإدوار الخراط وحيدر حيدر. وفى المقابل هناك من أخلص للقصة القصيرة وجعلها عشقه الدائم كزكريا تامر ومحمود شقير ويوسف الشارونى وسعيد الكفراوى.
■ «نجوم الظهر «هو عنوان مجموعتك القصصية الثانية والعنوان إشكالى ماذا عنه؟ وما التجربة الإبداعية التى تطرحها المجموعة؟
ـ «نجوم الظهر» تكشف العديد من الأسباب الكامنة وراء قيام الثورة السورية. انها اقتناص لحالات إنسانية سحقتها الحال التى آلت إليها الأوضاع قبل الثورة. أستطيع القول إنها بانوراما فنية عكست أحوال السياسى والعسكرى والمدنى فى تلك الفترة الحرجة. ففيها السياسى الذى خرج من سجنه بعد ثلاثة وعشرين سنة من الاعتقال دون محاكمة، وبالكاد تعرفت عليه زوجته التى كانت قد تلقت خبر وفاته قبل سنوات. وهناك العسكرى الذى أضاع دبابة! وهناك التمرين العسكرى الموسع الذى فشل فشلا ذريعا أمام القيادات العسكرية بعد أن تبين أن الذخيرة تالفة! ناهيك عن الخوف الذى يكبل المواطن العادى لمجرد رؤيته سيارة الشرطة تجوب الحى، وضيق مساحة الحرية التى تجعله يبلع لسانه أو يلجأ إلى الشكوى للهواء بلغة الإشارة.
وعلى صعيد البناء الفنى جاءت النصوص مركزة، وخاطفة، ومشدودة كالقوس، وبعيدة ـ إلى حد ما ـ عن المباشرة. والحق أننى فوجئت بإجازة اتحاد الكتاب لها وتبنى طباعتها، وحين استفسرت من اللجنة المعنية أكدت لى أنها رأت فيها جرأة غير مباشرة فى الطرح، و أسلوب مغاير فى المعالجة.
■ ماذا عن علاقة القصة بزمن الكاتب وهل تشكل التحولات السياسية الضخمة فرصة للمبدع أو إكراها ضاغطاً عليه فى إيجاد موضوع نصه؟
ـ القصة هى انعكاسات لكل ما يلتصق بروح الكاتب، حزنا كان أم فرحا. والسياسة هى الخبز اليومى للمواطن العربى سواء أراد ذلك أم لا لأن السياسة تتدخل فى أدق تفاصيل حياته ولا يملك لها تغييرا أو ردا.  إذا تحدثت عن اتجاهات الرياح فأنت تتحدث عن السياسة، وإذا تطرقت إلى زحمة السير فأنت معارض وهكذا. بالنسبة لى لا أطيق السياسة لكن لا حيلة لى فى ذلك لأن كل ما حولى مسيس.
السياسة تشكل حياتنا من ألفها إلى يائها، فالكارثة السورية المتواصلة منذ خمس سنوات عصفت بحيوات كل السوريين، ومن الطبيعى أن ترخى بظلالها على نتاجات المبدعين. من تشرد من الكتاب أو فقد أحد أقربائه أو هدم بيته أو أصيب بإعاقة دائمة سيكتب بكل عفوية عن معاناة الحرب لأن روحه تشبعت بمآسيها. ما من أحد يفرض عليه ذلك، لكنه تشبع بها وباتت تنسرب مع كل حرف من حروفه.
■ هل توافقنى الرأى أن ما يحدث فى سوريا فوق طاقة الخيال؟
ـ إن الخيال ليعجز عن رسم ما حدث ويحدث فى سوريا. من كان يتخيل أن تقود حادثة أطفال درعا، وكان بالإمكان علاجها فى اليوم ذاته وبكل يسر، إلى تدمير الوطن وقتل وتهجير الشعب؟! ما حدث ويحدث أكبر بكثير من أن يقاس بعقل أو منطق. لم يتخيل النظام الحاكم أن يعجز عن كبح جماح شعب ساسه بالحديد والنار واطمأن إلى ترويضه طوال نصف قرن. كما لم يتخيل الشعب أن يصل الأمر بالنظام إلى حرق القسم الأكبر من البلاد وقتل وتهجير أكثر من نصف الشعب فى سبيل بقائه. لوحة سوريالية لو رسمها أحدهم قبل خمس سنوات لوصف بالجنون وبارت لوحته.
رأس النظام وصف الملايين من شعبه، ومنذ البدايات، بالمتطرفين والإرهابيين و«الجراثيم» و«الحشرات» و«الفقاعات». ولم يخطر ببال الشعب الذى تحمل الدماء والخراب والضياع أن يستغل أغلب الدول مأساته، فيفاقمها لتصفية الحسابات المختلفة فى المحرقة السورية.الأفق ضبابي، والمأساة تتصاعد، والنتيجة كارثية مهما كان شكل الخاتمة!
■ ما المشاريع الإبداعية الجديدة التى تعمل عليها؟
ـ أعمل حاليا على إنجاز مجموعتين قصصيتين، الأولى ستكون مجموعة قصص قصيرة، والثانية مجموعة قصص قصيرة جدا. وأفكر أيضا فى جمع الكثير من قصص الشهداء العرب التى كتبتها على مدى العديد من السنوات الماضية، وشملت كل البلاد العربية، ونشرها فى كتاب، أو أكثر.
■ هل تخليت عن دمشق ام أن دمشق هى التى تخلت عنك؟
ـ لم تتخل عنى، وليس بمقدورى التخلى عنها. هى جزء لا يتجزأ من الروح، ولم أغادرها إلا مكرها تحت ضغوط أسرية معيشية طاحنة. وأصدقك القول إننى لم أهنأ فى عيشى منذ غادرتها. يقال إن حياة الإنسان هى عبارة عن مجموع اللحظات السعيدة التى عاشها. وبالنسبة لى ما زلت أعيش على الذكريات الجميلة التى عشتها قبل نحو ربع قرن فى سوريا. انطفأت روحى منذ غادرت سوريا. أما اليوم فأنا أموت كمدا على ما حل بها من ويلات، وأصبح كل أملى ألا يقضى أبنائى حيواتهم فى الغربة بعيدا عنها!