الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

..و تخترق «فوضى» معامل التحاليل الخاصة

..و تخترق «فوضى» معامل التحاليل الخاصة
..و تخترق «فوضى» معامل التحاليل الخاصة




تحقيق وتصوير – محمد سعيد

«الغالى ثمنه فيه» فرضية لا يتم تطبيقها على أرض الواقع، خاصة فيما يتعلق بمعامل التحاليل الخاصة، فبالرغم من الشهرة التى اكتسبها البعض وشهادات الجودة التى يتفاخرون بها، إلا أن الأخطاء الفادحة مازالت تحدث، فالخطأ فى نتيجة التحاليل يتبعه خطأ فى التشخيص ومن ثم العلاج، ليدخل المريض دائرة من المعاناة والشك والألم، وقد يتطور الأمر ليصل إلى المرض النفسى، «روزاليوسف» اخترقت عالم التحاليل الخاصة وتتعرف على ضحاياه، ففى غياب الرقابة، يصبح كل شيء متوقعا، حتى أصبحت إمبراطورية معامل التحاليل الطبية الخاصة خارج السيطرة، ونتائج بعضها أصبحت تثير حيرة الأطباء ذاتهم، بدلا من مساعدتهم على اتخاذ القرار المناسب بإجراء جراحة أو بالعلاج الطبى‏..
الضحية الأولى لها كان الطفل عبدالرحمن حسن - 3 أعوام من محافظة الدقهلية - والذى قال والده إن الطبيب أمره بعمل صورة دم كاملة للطفل، وبالفعل نفذ ذلك فى أحد أفرع المعامل الشهيرة والتى أظهرت نتائج الصفائح الدموية 15 ألفا، ولم يقتنع الطبيب بتلك النتائج وأمر بإعادتها فى معمل آخر فكانت نتيجة الصفائح 37 ألفا، فعاد إلى الطبيب المعالج الذى أمره بالذهاب فى الحال إلى مستشفى أطفال المنصورة لتكون الفيصل النهائى فى تلك الفوضى وأعيدت  التحاليل مرة ثالثة، وأظهرت تضارب النتائج السابقة إذ جاءت  105 آلاف ولكن بعد رحلة مريرة من العذاب والأذى النفسى الذى عاشه الطفل وأسرته طوال أسابيع ترددوا فيها على معامل التحاليل، وأخيرا للاطمئنان أمرهم الطبيب بإجراء تحليل فى مستشفى الأورام وتم سحب عينة من النخاع والتى أكدت أن النتيجة سلبية.
أما الضحية الثانية فكان بطلها  إبراهيم غالى - 41 عاما من كفر الشيخ - وقال بإنه أجرى تحليلا فى أحد معامل المدينة فأظهر إصابته بالسكر، فوصف له الطبيب العلاج والذى تناوله لمدة عامين واستمر، وكلما شعر بالتعب يذهب للطبيب الذى يضاعف له الجرعة التى كلما تناولها يشعر بالهبوط، وذات يوم اصطدم بسيارة وانتقل إلى مستشفى طوارئ المنصورة، فأخبر الطبيب أنه مريض بالسكر، لكن بالكشف عليه تبين أن نسبته طبيعية، وعندما أجرى تحليل السكر فى 3 معامل أخرى أكدت له النتائج أنه سليم، فذهب إلى الطبيب الذى أمره بأخذ العقاقير لمدة عامين وتشاجر معه..أما الضحية الثالثة فكان بطلها طفل صغير لم يتعد عمره الثلاثة أعوام ويدعى «مصطفى المنسوب» والذى ذكر شقيقه الأكبر أنه أجرى تحاليل شاملة، فأظهرت النتائج إصابتة «بفيروس سى» وتسبب ذلك  فى ضغوط عصبية للأسرة بأكملها، وأجرى نفس التحليل فى معملين آخرين للاطمئنان وأظهرت سلامته، ويستطرد الحديث موضحا أن بعض المعامل الشهيرة مثل معامل بير السلم ولكنها اتخذت لنفسها مكانة نفسية لدى المتعاملين معها بحكم كونها مشهورة.
كما أكد حمادة محمود الشريف - 45 عاما من الفيوم – أنه أجرى تحليلا فى أحد المعامل الخاصة وأظهر إصابته بالسكر، وتسبب ذلك فى حالة نفسية سيئة، فأجرى التحليل فى معمل آخر وظهرت النتيجة بأنه سليم ومعافى.
قابلنا حالات كثيرة، ولكن المساحة لا تتسع لذكرها، فواجهنا عاملين ومسئولين بالمعامل الخاصة بالأخطاء، وعلق الدكتور مسعد محمد – مدير معمل خاص للتحاليل الطبية – قائلا: لا توجد رقابة من وزارة الصحة على المعامل الخاصة، مما جعل غير المؤهلين للعمل بها دخول المجال، مؤكدا أن إعطاء التراخيص لغير الأطباء البشريين خطأ ويؤثر بالسلب على صحة المريض، بينما يعمل خريجو الكليات الأخرى تحت إشرافه، لأنه بالفعل درس كافة الخطوات ويستطيع التعامل مع أى طارئ، مضيفا  أنه لا يوجد معمل تخلو نتائجه من الأخطاء وخاصة كبرى المعامل وهذه  نسب عالمية  معروفة، مشيرا إلى أن الإشراف الطبى المتخصص يكسب الفنى الخبرات ويجنبه الوقوع فى الخطأ، حيث ترجع أسباب الأخطاء فى النتائج لوجود غير المتخصصين، مشددا على أن الرقابة على المعامل ضعيفة، ولا تتناسب مع أهمية المهنة أو مخاطر الجهل بممارستها من جانب غير المتخصصين.
وعلى الجانب الآخر أوضحت بسنت إيهاب - بكالوريوس زراعة  تخصص كيمياء - والتى تعمل بمعمل تحاليل أنها تسحب عينات الدم بجهاز «الفاكوتينر» والذى يسحب الدم تلقائيا، ثم تضع العينة فى صندوق الأمان، ثم يتم تحليلها بواسطة الطبيب والأجهزة، ويقتصر دورها على ذلك الأمر فقط، وهو بالتالى لا يحتاج لأن تكون حاصلة على بكالوريوس الطب البشرى.
من جانبه أكد الدكتور إيهاب الطاهر – أمين عام نقابة الأطباء - أن بعض المعامل لم تقم بالمعايرة التامة للأجهزة وأخرى لا يوجد بها أطباء مطلقا، وهذا يحتاج لتغيير القانون ورقابة مشددة من إدارة العلاج الحر على المعامل الحالية حتى لا يزداد الأمر سوءا، وطرح الحل فى وجود متخصصين لأن من سيقوم بالرقابة ليس موظفا فقط بل طبيب فى نفس التخصص يعلم ما هو جهاز التحليل وماذا تعنى المعايرة والنتائج بحيث  يعطى تقريرا صحيحا بعد التفتيش.
انتقلنا للمسئولين، فأكد الدكتور صابر غنيم - وكيل وزارة الصحة للعلاج الحر ومدير إدارة التراخيص الطبية - أن الإدارة تشن حملات تفتيشية بشكل دورى على كافة المنشآت الطبية والصحية غير الحكومية بكافة المحافظات، وتحقق فى كافة الشكاوى التى ترد إليها من المواطنين الخاصة بوجود نتائج خاطئة فى عينات التحاليل، والتى يتم اكتشافها من خلال إجراء المريض تحليل بمعمل معين ثم يعيده فى آخر ويكتشف اختلاف النتيجتين، فيتم الحصول على النتيجتين وأخذ عينة من نفس الشخص وعرضها على المعامل المركزية بوزارة الصحة، وفى ضوئها يتم تحديد المعمل الذى أصدر النتيجة الصحيحة والخاطئة، وفيما يتعلق بالمخطئ يتم توجيه إنذار له، وإذا تكرر الخطأ يغلق المعمل لمدة شهر، ولو تكرر للمرة الثالثة يغلق لمدد متفاوتة لحين توفيق وضعه، وإزالة أسباب استخراج نتائج خاطئة.
الدكتور أحمد صفوت - مدير المعامل المركزية بوزارة الصحة - أكد أن أهم الشروط  اللازم توافرها للحصول على ترخيص المعمل الخاص هى أن يكون أخصائيا فى أحد تخصصات التحاليل الطبية، وهناك شروط للعاملين بالمعامل أولها أن يكون مديرها طبيبا أخصائيا فى التحاليل الطبية ولا يقتصر على الأطباء البشريين فقط، فالقانون يسمح للصيادلة، والبيطريين، والعلميين، وبعض التخصصات فى كلية الزراعة بالعمل بالمهنة، وتعرض الشهادات على اللجنة التى تعقد لاستخراج ترخيص مزاولة المهنة، ثم لجنة مشكلة من الوزارة وأعضاء من أساتذة الجامعة أخصائيين فى التحاليل لدراسة الشهادات ويقررون إن كان مؤهل لفتح معمل أم لا؟، ثم يحصل المتقدم على رخصة مزاوله المهنة.
كما أن هناك شروطا خاصة بالمكان أولها الإطلاع على الرسم الهندسى ومطابقته للواقع، والبناء الجيد، والمساحة، والتهوية، والإضاءة، وكذا الأرضيات والحوائط لا بد أن تكون سهلة التنظيف والتعقيم، ولابد من وجود أكثر من متخصص لأخذ العينات معزول بعيدا عن المعمل، لافتا إلى أن هناك شروطا للتخلص الآمن من النفايات متوفرة فى المعمل، وبالنسبة للسموم، والسرنجات والأشياء الحادة يتوفر لها أوعية خاصة إما كارتون أو بلاستيك تلقى بها، والمكان لابد أن يكون متعاقدا مع محرقةأما مكافحة العدوى، فلابد من توافر أدوات التعقيم اللازمة، والنفايات التى تخرج تعقم قبل ذهابها إلى المحرقة، لافتا إلى أن العاملين ملتزمون بارتداء القفازات المعقمة، وإرتداء ماسك واقيا للأنف عند التعامل مع المصابين بالأمراض الصدرية، وفى حالة وجود مخالفة عند المعاينة الأولية للترخيص أو لم تستوف الشروط، لا يسمح للمتقدم بطلب الترخيص بممارسة المهنة ويأخذ مهلة لتصحيح الخطأ وتتم المعاينة من جديد، فلو استوفى الشروط والمواصفات يحصل على الترخيص.