السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سوريا "برميل بارود كيميائي" مهدد بالانفجار في أي وقت




 
تحولت سوريا لـ«بارميل بارود كيميائى مستعد للانفجار فى أى وقت»، هذا هو التحذير المخيف الذى أطلقه تقرير مركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار الأسلحة النووية بمعهد مونتيرى للدراسات الدولية، حيث دفعت الأوضاع فى سوريا للحديث عن خطر نشوب حرب أهلية فى سوريا وطرح الأسئلة عن مصير الأسلحة الكيميائية، هل ستتم سرقتها؟ أو نقلها؟ وطرح سبل لكيفية التعامل معها.
 
ومع وجود تلك الاحتمالات المخيفة، وضعت الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن وتركيا، وغيرها، خطط طوارئ لمنع استخدام تلك الأسلحة، سواء بتحذير بشار الأسد فى الخفاء، أو برصد مواقعها وحراسة الحدود مع سوريا.وأشار المحلل السياسى روبرت ساتلوف بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى أن نشوب حرب أهلية فى سوريا لن يؤثر على سوريا وحدها بل ستكون له نتائج كارثية على الأمن القومى الأمريكى وستكون المصالح الأمريكية على المحك. ويرى ساتلوف أن هناك عدة سيناريوهات للأزمة الراهنة فى سوريا محتملة الحدوث منها: ترك وحدات الجيش السورى تأمين أماكن تخزين الأسلحة البيولوجية والكيميائية إما لترك وظائفهم أو لانشقاقهم أو التمرد وقد يسيطر المتمردون على هذه الأسلحة وهو ما يهدد الأمن القومى الأمريكى. أو اندلاع حرب أهلية وامتدادها إلى لبنان وهذا سيدخل الولايات المتحدة فى حرب أو أن تدعم سوريا الهجوم على تركيا عن طريق حزب العمال الكردستانى كنوع من رد الفعل لقيام تركيا بتقديم العون والمساعدة للمتمردين على النظام الأسدى.
 
ويرى ساتلوف أن غياب التدخل الأمريكى سوف يتيح للأسد الفرصة لاتباع إجراءات أشد قسوة وتزيد من تعقيد الأمر. ويؤكد ساتلوف على أن الإسراع برحيل نظام الأسد هو الحل الأمثل لتفادى تفاقم الوضع. ونصح الإدارة الأمريكية باستخدام تكتيكات مثل الحرب الافتراضية الإلكترونية واستخدام طائرات بدون طيار فى توجيه الضربات الجوية وتدريب الثوار، وضرورة التنسيق مع تركيا والدول العربية فى التخطيط لمستقبل سوريا ما بعد رحيل الأسد.
 
 
وفى تحليل للوضع فى سوريا أشارت مجلة «الإيكونومست» البريطانية إلى أنه فى الوقت الذى تلوح فيه احتماليات تفكك النظام الأسدى تتزايد مخاوف الغرب بشأن الترسانة الضخمة من الأسلحة الكيميائية التى قد يهدد النظام باستخدامها كورقة لعب أخيرة أو أن تحدث الكارثة الكبرى وتقع فى يد إرهابيين. وأوضحت المجلة البريطانية أن سوريا بعد شعورها بالإذلال خلال حرب لبنان عام 1982 أطلقت برنامج أسلحة الدمار الشامل فى محاولة يائسة منها لاستعادة التكافؤ الاستراتيجى وهو ما مكن سوريا من اكتساب الخبرة والمواد اللازمة لإقامة واحدة من أكبر ترسانات الأسلحة الكيميائية فى العالم.
 
وأضاف التحليل أن مخازن الأسلحة الكيميائية فى سوريا تبلغ نحو 50 مخزنًا وتحتاج إلى 75 ألف جندى لتأمينها ومن الأرجح أن تكون الأردن هى الخيار الأفضل للقيام بتلك المهمة. وأن المواد الكيميائية التى تنتجها سوريا تتضمن غاز الخردل والسارين وغاز الأعصاب (فى أكس) موضحة أن الأقلية العلوية الحاكمة تنظر إليها باعتبارها وسيلة دفاع أخيرة ضد سقوط النظام.
 
سيناريوهات معقولة ولكنها غير محتملة
 
وينتاب الحكومات الغربية الشعور بالقلق إزاء بعض السيناريوهات المحتملة والتى وصفها اميل هوكيان - المحلل الاستراتيجى بالمعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية (IISS) بأنها معقولة ولكن ليست محتملة.
 
ويعد أول تلك السيناريوهات أنه على الرغم من إعلان حكومة الأسد أن الأسلحة الكيميائية لن تستخدم إلا فى حالة حدوث عدوان خارجى فإنه سيستخدمها ضد الجيش السورى الحر أو كتكتيك إرهابى ضد المدينة التى فقد السيطرة عليها ولكن يرى المحلل الاستراتيجى هوكيان أن هذا السيناريو غير محتمل وذلك لأن القذائف والصواريخ ذات الرءوس الكيميائية قد تكون مجدية عند استخدامها ضد التجمعات الكبيرة من القوات ولكن لن تكون ذات فائدة فى حالة استخدامها ضد القوات غير النظامية لأنها من الممكن أن تمثل خطرا على من يطلقها.
 
كما أن سيناريو أى هجوم بصواريخ سكود على إسرائيل قد يؤدى إلى نتائج عكسية لأن تلك الصواريخ ليست دقيقة بالقدر الكافى وتشير خبيرة الانتشار النووى بالمعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية بلندن، دينا أصفنديارى، فإن حزب الله، الذى يرغب على نحو متزايد أن ينظر إليه باعتباره لاعبًا فى حجم دولة كبرى لا يعبأ كثيرًا بالحصول على مثل هذه الأسلحة.
 
ولكن على الرغم من كل هذا لايزال الأمر المثير للقلق حقا هو وقوع مثل هذه الأسلحة فى أيدى مجموعات إرهابية فى خضم الفوضى المحتملة فى سوريا.
 
سيناريوهات محتملة
 
يرى مايكل آيزنشتات، مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن النظام السورى لا يعرف عنه استخدام لأسلحة كيميائية فى الماضى، وليس هناك أدلة على الشائعات التى تدور منذ فترة طويلة عن استخدامه لها فى مدينة حماة عام 1982. إلا أن هناك حكومات أخرى فى المنطقة استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد معارضيها المحليين منهم اليمن أثناء الحرب الأهلية فى الستينيات من القرن الماضى، والعراق ضد الأكراد والمتمردين الشيعة عامى 1988 و1991 على التوالى - لذلك فإن هذا السيناريو ليس مستبعدًا فى سوريا. ومن المرجح أن تزيد دمشق من استخدامها للمدفعية الثقيلة والطائرات قبل اللجوء إلى الأسلحة الكيميائية.وأشار مايكل إلى أن هناك سيناريوهات أخرى تفترض مسبقًا انهيار الأمن فى منشآت تخزين الأسلحة الكيميائية.
 
 
على سبيل المثال، بإمكان المتمردين السوريين استخدام ذخائر الأسلحة الكيميائية المستولى عليها ضد قوات النظام «مثلهم مثل استخدام بعض المتمردين العراقيين لذخيرة الأسلحة الكيميائية المهجورة، فى العبوات الناسفة ضد القوات الأمريكية». ويمكن أيضا تسريب أجزاء من مخزون المواد الكيميائية من قبل تنظيم «القاعدة» أو
«حزب الله» أو حتى إيران التى تفيد التقارير بأنها دمرت مخزوناتها من الأسلحة الكيميائية فى بداية التسعينيات قبل انضمامها إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
 
والمواد السائبة مخزنة فى حاويات كبيرة وقد يصعب تسريبها، وقد تتسرب إذا لم يتم صيانتها بشكل كاف. وعلاوة على ذلك فإن الذخيرة من النوع الثنائى تتطلب اثنين من العناصر الكيميائية التى قد تكون خزنت بشكل منفصل، ولذا فقد لا تكون الأسلحة المسربة من هذا النوع ذات فائدة ما لم يتم الحصول على كلا العنصرين،وإذا كان هناك خلل أمنى فى منشآت التخزين فقد لا يسترعى تسريب أعداد صغيرة من الذخيرة أى انتباه، إذا ما تم تسريبها من قبل متمردين محليين مستعدين لتحمل المخاطر التى تنطوى عليها. وتتطلب وجود أشخاص مدربين وجهدًا لوجستيًا كبيرًا - لذلك من المرجح أن تتم ملاحظتها، لا سيما إذا كان هدفها إخراج الأسلحة الكيميائية من البلاد.
 
 
التدخل العسكرى
 
يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى التصدى لمنع تسريب الأسلحة الكيميائية أو استخدامها إما عن طريق شن هجمات جوية على مخابئ هذه الأسلحة أو تدمير الذخائر أو الدفع بالجنود على أرض المعركة من أجل توفير التأمين المادى لمنشآت التخزين.
 
■ تعتمد فاعلية الهجمات الجوية بشكل جزئى على دقة المعلومات الاستخباراتية التى توجهها، حيث نجت معظم ترسانة العراق من الأسلحة الكيميائية فى ذلك الحين من حرب الخليج عام 1991، نظرًا لافتقار الولايات المتحدة إلى معلومات استخباراتية دقيقة عن البنية التحتية من مستودعات التخزين قبل اندلاع النزاع.
 
رغم أن القصف الجوى المباشر قد يدمر أعدادًا كبيرة من ذخيرة الأسلحة الكيميائية السورية إلا أنه يرجح أن تنطلق فى الهواء بعض العناصر الكيميائية مما سيعرض حياة المدنيين فى المناطق المجاورة للخطر. فضلا عن احتمالية أن تترك العديد من الذخيرة من هذه الغارات بلا حماية مما يجعلها عرضة للسرقة. لذا يمكن إعاقة الدخول إلى مستودعات الأسلحة الكيميائية الواقعة على جانب الجبال عن طريق قصفها باستخدام الذخائر العنقودية.
 
■ النهج الأكثر انتظاما هو الدفع بقوات العمليات الخاصة للاستيلاء على المنشآت المعرضة للخطر وتأمينها، وهو ما يتطلب وإجراء عمليات استخباراتية واستطلاعية فضلا عن عمليات مراقبة ودعم جوى.
 
ويطرح آيزنشتات أربع وسائل مناسبة لمواجهة مشكلة الأسلحة الكيميائية السورية.
 
■ أولا: الردع: يتحتم على واشنطن اقناع النظام السورى بأن استخدام الأسلحة الكيميائية سوف يغير قواعد اللعبة وقد يؤدى إلى تدخل عسكرى دولى فورى. وكذلك تعقب المتورطين فى استخدامها والتأكيد فى الوقت ذاته على أن الأشخاص الذين يرفضونها الأسلحة سيلقون المساعدة .
 
■ ثانيًا المساعدة: فى إطار محاولة التصدى لخطر تسريب الأسلحة يجب على الولايات المتحدة أن تعمل بهدوء مع روسيا لعرض وسائل متعددة لتحمل المسئولية والتحكم فى مخزون سوريا من الأسلحة
 
■ ثالثًا: الاحتواء: يتعين على الولايات المتحدة أن تواصل العمل مع جيران سوريا لإحكام السيطرة على الحدود وضمان عدم تسرب الأسلحة إلى الخارج.
 
■ رابعًا: الإزالة: ضرورة أن تبدأ واشنطن بالتخطيط لتحديد مواقع مخزون الأسلحة وبنيتها التحتية وتأمينها وإزالتها إذا فقد النظام السيطرة على تلك المنشآت كلية. وفى الوقت ذاته يجب أن تكون الولايات المتحدة قد استوعبت بقدر كاف الدروس التى تلقتها فى العراق وليبيا وتجنب تكرار أخطاء الماضى بثلاثة سبل: الأول: وضع احتمال بأن تكون المعلومات الاستخباراتية الحالية ليست على قدر كبير من الصحة. الثانى: الأخذ فى الاعتبار بأن التخلص من مخزون الأسلحة قد يكون تحت ظروف غير مستقرة الثالث: العمل على دراسة سبل لإيجاد فرص عمل لمهندسى الأسلحة السوريين حتى لا تسارع دول متطرفة بتوفير الوظائف لهم.