الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الروائى أحمد مجدى همام: نريد دستورا يرفع سقف المسموح به إلى أقصاه




 
 
 
 
 
عبر عوالم الفضاء الافتراضى الغامضة تدور رواية "أوجاع ابن آوى" للروائى احمد مجدى همام، حيث تناول حيوات ثلاث من الشخصيات المحورية فى الرواية والتى تتداخل تفاصيل حياتهم ببعضها على نحو يبرز مدى تشابه الإنسان فى أى مكان وأى زمان، حتى وإن كان ذلك الإنسان صاحب عاهة، لديه من السمات ما يجعله مختلفا ظاهريا عن بقية الناس، إلا أنه وفى حقيقة الأمر يتضح لنا أنها اختلافات ليست جوهرية، وهذا ما توضحه لنا الرواية التى تطرق باب الأسئلة، وتتركه مفتوحا عن آخره بلا إجابات، تاركا لنا مهمة البحث عنها.

 ■ جاء العنوان مشوقا وجاذبا رغم غرابته فلماذا اخترت هذا العنوان تحديدا "أوجاع ابن آوى"؟

- شعرت بجرس موسيقى فى العنوان، بخلاف أننى رأيته مشابها للرواية فى الروح والمعنى، لكن لأن النص يتسع ليشمل أكثر من خيط، أضفت العنوان الفرعى "من سيرة النقص والشغف" ليغطى مساحة أخرى من النص.

■ استخدمت فى روايتك الوسائط المتعددة كالإنترنت بكل أشكال التواصل عليه فكيف وظفت ذلك؟
- تقنيات الإنترنت منحتنى فرصة لإضافة صوت آخر للرواية، فالمكتوب فى المدونة يمثل صوتا، كما أن قارئ المدونة صوت آخر، والحاجز بين الواقع والعالم الافتراضى رسم فجوة بين "عفاف" من جهة و"علاء" و"الشامى" من جهة، وهو ما منحنى مساحة أوسع لتحريك الشخصيات والأسئلة المطروحة عبر تلك الفجوة.
■  استخدمت أبناط الكتابة المختلفة للتعبير عن الرواة المختلفين، هل كنت تبحث عن شكل مختلف لتقديم قصتك أم أن النص اقتضى ذلك؟

- لا أحب المجانية فى الكتابة، كل سمة لها هدف معين، فالحكى المتداخل فى الرواية اضطرنى لتمييز كل شخصية بخط مختلف، لأنك ستجد مثلا "عفاف" تحكى عن "الشامي" ومدونته، ثم تجد "الشامي" يتكلم عن "علاء"، ثم تجد "علاء" يتكلم عن نفسه وعن "الشامي"، وهذه التفاصيل تأتى فى فقرات متتالية دون فواصل فى الأغلب، لذا وجب تمييز كل صوت بخط خاص به يدعم استقلالية الصوت وتميزه.
■  وضح جليا للقارئ امتلاكك للثقافة البحثية وتضفيرها بتفاصيل العالم الافتراضى وربما هذا ما شكل تميزا لتلك التفاصيل فكيف تصف هذا؟

- البحث كان ضروريا فى الرواية، فالعمل يتناول مساحة جغرافية تتسع من عُمان شرقا مرورا بسوريا ومصر وحتى المغرب فى أقصى الغرب، كما جاء اتساع الفضاء الزمانى من منتصف أربعينيات القرن الماضى وحتى هذه الأيام ليفرض على البحث عن تفاصيل تلك السنين، توزع بحثى فى ثلاثة محاور رئيسية، الأول هو التاريخى الذى يشير لفترات معينة من تاريخ الجزائر والمغرب وعمان وسوريا ومصر بالطبع، ثم محور آخر متعلق بقراءة المرجع الوحيد المتوفر "الإشارات الإلهية" لأبى حيان التوحيدى والذى يخدم فكرة امكانية التماهى بين الأشخاص والأقدار، وهو كتاب شيق صعب للغاية كُتِب منذ 1300 سنة واستلزم شهرين لفكه بمساعدة المعاجم والقواميس العربية، وأخيرا اقتضى منى الأمر السفر لسوريا لمعاينة دمشق وبعض الأماكن التى وظفتها كفضاء مكانى للأحداث، أمضيت عشرة أيام فى حى "العمارة فى دمشق"، ومن الغريب أن تقع لى أحداث أثناء إقامتى فى سوريا فى 2010 وتكون صالحة للكتابة، وكأنها تقول لى (اكتبني)، وبشكل عام أحب الأعمال التى تقوم على مجهودات بحثية ثم تعمد لخلق حياة فى مساحة البحث زمانا ومكانا.
■ وظفت الهوامش والحواشى فنياً بحيث لم تعد جزء تكميلى شارح، بل كتبتها كجزء من نسيج الرواية، كيف ترى استيعاب الرواية الحديثة لمثل هذه التقنية؟

- اعجبتنى هذه التقنية فى روايات غسان كنفانى ومحمد مستجاب، هى تشبه اللعب مع القاريء، وساهمت فى "ابن آوى" فى إثراء كل صوت سردى بامتيازات خاصة، يكتب المدوّن "الشامي" هوامشه وتعليقاته أثناء سرده لقصة "علاء"، وبهذه التقنية تعمّق مصداقية الشخصية وتنسج القصة بتواشج أعمق حسب ظنى.

■ تعددت تفاصيل شخصيات الرواية الرئيسيين بشكل كبير أولم تخش إرهاق القارىء وتشتيته رغم تضافر العامية بالفصحى وامتزاجهما بشكل مناسب وواضح لتلك التفاصيل؟
- فى العمل ثلاث شخصيات كبرى وبعض الشخصيات الثانوية، الشخصيات الكبرى أمتلك كل منهم صوت مستقل، بدورى عمدت أن يكون كل صوت بفونت كتابة مختلف لكيلا يتوه القاريء، كما حرصت أن أمنح كل شخصية منهم صوتا مستقلا ومميزا، فعلاء يتميز بالكلمات المشظاة نظرا لإعاقته، وشامى يكتب بعربية تشبه فصحى الشوام والعراقيين، بينما عفاف تكتب فصحى بسيطة ومنتمية للجذور اللغوية. أما على مستوى الشخصيات الثانوية، فحرصت على أن يكون ظهورها خفيفا وغير مربك.

■ ألا ترى معى أن اهتمامك بكتاب "الإشارات الإلهية" لأبى حيان التوحيدى واسترشادك به فى الرواية جاء مبالغا فيه بعض الشىء بالنسبة لإيقاع الرواية السردى؟
- بعض النقاد لهم نفس الرأي، وأنا أتفهم هذا المأخذ، ربما جاء تضفير هذا الجانب التراثى مع عالم الإنترنت والمدونات ليشكل تناقضًا فى روح العمل، لكنى بشكل أو بآخر أرى فيه مفتاحا لقراءة الرواية وفك رموزها، فالفكرة المعقدة والنادرة التى تحاول الرواية طرحها حول تماهى الأقدار بشكل يكاد يكون منهجيًا، احتاج لمرجع لتبنى عليه الشخصية نظريتها، فى رأيى كانت الاقتباسات من (الإشارات الإلهية) مفتاحًا من مفاتيح النص.

■  ارتكنت الرواية كثيرا للحلم بعوالمه الضبابية، هل خدمت هذه الأجواء الضبابية الرواية؟

- الحلم جاء كضرورة فنية إثر وجود فجوة فى التواصل بين عفاف فى واقعها، وعلاء وشامى بعالمهما الافتراضي، وربما كان الحلم ضرورة أيضا للتعبير عن عفاف التى تلجأ للحلم أو الهلوسة أو حلم اليقظة كقناة افتراضية بديلة عن كل مخاوفها وهواجسها، وهو مايوحى باضطراب نفسى ما حاولت أن أضيفه لشخصية عفاف.

■ جاءت النهاية مفتوحة لم تجب عن اسئلة الشخصيات والتى طرحتها على مدار الاحداث فماذا قصدت بهذا؟

- النهاية المحددة تعطى انطباعا بضيق الأفق، والحياة نفسها ليست بهذا التحديد، الحياة فوضى منظمة، ولذلك كان النص أيضا فوضى منظمة بين ثلاثة أقطاب. النهاية/الحلم أضفت على النص بعدا ضبابيا مقصودًا، فالتحديد يشير بشكل أو آخر لليقين، وبظنى أن الروايات والأسئلة المطروحة عبرها تنبع أصلا من اللايقين، من حالة بين بين. أضيف لذلك أنى مؤمن بأن إيجاد الإجابات والحلول ليس من صلب دور الروائي. الكاتب يطرح التساؤلات ويغزلها فى عمل فنى فقط.

■ هل وجدت الرواية الصدى المرجو بين النقاد والكتاب؟

- شخصيا راض عن المردود النقدى والإعلامي، ويكفى هنا التنويه عن أسماء كتبت عن الرواية إضاءات وقراءات نقدية مثل الروائى السودانى أمير تاج السر، والروائى محمود الوردانى وأحمد صبرى أبو الفتوح والجزائرى سمير قسيمى وغيرهم.

■ ماذا عن مشروعك الروائى القادم؟

- أحاول أن أقدم تجربة مختلفة عن تجربتى السابقتين، أسعى لتفكيك الكتابة لعناصرها الأولية، بأن أقدم نصا يتناول الكتابة نفسها كتيمة، وهو ما يسمى بما وراء الكتابة أو الـMetaliterature، أجد نفسى منجذبا تماما للتجريب والخوض فى اللامعقول.. الرواية التى أعمل عليها الآن تحمل اسم (تمرين أوّلى على الكتابة) وأقدم من خلالها بنية سردية مختلفة فاتحا المجال على أقصاه للابتكار والتجريب.

■ هل تعتقد أن نمط الكتابة بعد الثورة سوف يتغير؟

- لا أظن، الثورة المصرية فى الكتابة سبقت ثورة يناير بسنوات، وبالتالى الكتابة لن تتأثر كثيرا، ربما سيحدث أن تطفو نوعيات أدبية بعينها مثل شعر العامية، لكن على المستوى الكيفى لن يحدث تغيير كبير.
■  فى رأيك هل سيؤثر اعتلاء الإخوان سدة الحكم على حرية الإبداع بشكل عام؟
- سيسعون للتضييق على الحريات بشكل أو بآخر، والمواجهات بين المبدعين من جهة وأدعياء الإسلام السياسى من جهة أخرى ستتواصل، العقل والإبداع سلاح الثقافة، والنقل والتطرف سلاح التيارات الدينية، لكن المبشر فى الأمر ان الإسلاميين كشفوا عن هشاشتهم والضحالة التى يعانون منها مع كل موقف وقع منذ الثورة وحتى اللحظة، لامصداقية ولا خطط حقيقية ولا كوادر قادرة على الدفع بنا للإمام، وبالتالى يبقى فقط على المثقفين خوض معاركهم بشيء من التنسيق وبقدرة أكبر على تقديم حلول ملموسة.

■ ماذا تنتظر من الدستور تجاه المبدعين والإبداع؟

- انتظر سقف حريات غير محدود، نظام مبارك لم يضيق على المثقفين مثلما يحاول الإسلاميون أن يفعلوا، وليس من المنطقى أن نقوم بثورة لنأتى بنظام حكم يقمع الحريات والإبداع، وبالتالى لن نقبل سوى بدستور يرفع سقف المسموح به إلى أقصاه. نرفض تماما القوانين التى تحد بشكل أو بآخر من الحريات، قانون الحسبة يجب أن تتم مراجعته، قضايا مثل "وليمة لأعشاب البحر" وأزمة الروايات الثلاث والمصادرة وامتناع عمّال المطابع وكل هذه المآزق التى خاضتها الثقافة المصرية يجب أن نتجاوزها، وهذا لن يحدث إلا بمواجهات بين الطليعة الثقافية ودعاة الرجعية والردة الحضارية. الحرب الرئيسية هى الدستور، لو استطاع هؤلاء تمرير دستور على هواهم ستكون ضربة قوية ربما يردم جانب كبير من الثقافة والهوية المصرية.

■ هل تغير المثقفون بعد الثورة عما قبلها فى رؤاهم واتجاهاتهم خاصة بعد انتخابات الرئاسة واستقرار الأوضاع؟

- لا أظن ذلك، ربما التغير الذى حدث هو محاولة الإخوان استكتاب بعض أنصاف المثقفين وأرباع الموهوبين كسلاح لصد انتقادات المثقفين، وكأن الانتقاد ليس حقا أصيلا للمواطن، لكن للشارع عقله وللمصرى قدرة على فرز الصالح من المعطوب. ويستحيل بشكل أو بآخر أن تكون هذه المنظومة المسماة بالثقافة المصرية سلاحا يساند أى نوع من الحكم الدينى.