الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الدين والإرهاب

الدين والإرهاب
الدين والإرهاب




يكتب: صالح الوردانى

حفظ الدماء والأموال حقيقة ثابتة فى جميع الشرائع والأديان، ومن ينقض هذه الحقيقة لا دين له ولا وطن، والأديان لم تأت لتفرض بالقوة على العباد، وإنما جاءت لتوطن روح التسامح والمحبة وحرية الاختيار، وإن من يعمل على فرض الدين بالقوة لا يعمل باسم الدين وإنما يعمل باسم المذاهب المتعصبة التى تم إلصاقها بالدين، والاعتدال والتسامح هى سمة الأديان السماوية، والتطرف والإرهاب هو وليد المذاهب والروايات الدخيلة على الدين.
والأزمة تكمن فيمن نصب نفسه للدعوة والتصدى للآخر دون امتلاك الأدوات، واستثمر الروايات وأقوال الرجال فى دعم التعصب والتطرف والإرهاب، وأمثال هؤلاء هم إحدى أدوات التطرف والإرهاب الذى نعيشه، والفيصل بين الاعتدال والتسامح والتطرف والإرهاب يكمن فى تحديد أركان الدين وثوابته، وتحديد ما ألصق بهذه الأركان والثوابت، وتلك هى المقدمة التى نخرج منها بنتيجة ضرورية وهى أن التطرف والإرهاب ينبعان ويرتبطان بما ألصق بأركان الدين وثوابته من روايات ومذاهب رجال.
وأركان الدين وثوابته يتركزان فى محيط الله والرسول والقرآن، وما دون ذلك من أمور فهى من صنع المذاهب والروايات، والإرهاب الذى يسود واقعنا اليوم منبعه المذاهب والروايات، والحكومات وأجهزتها، والسياسة والمصالح الدولية، ثم المؤسسات الدينية الفاشلة. على مستوى المذاهب والروايات كان المصدر الذى يضفى المشروعية على الإرهاب هو عقل الماضى والتعصب للروايات، وقد مثل التطبيق الخاطئ لفكرة الجهاد والغزو فى تأريخ المسلمين الدافع المعنوى والمبرر الشرعى للفرق القتالية المعاصرة لممارسة القتل والبطش والتنكيل باسم الدين.
وكما وطنت نصوص التوراة للعداء والكراهية واستحلال الآخر عند اليهود، وطنت الروايات لنفس الحالة عند المسلمين، جاء فى العهد القديم فى سفر التثنية الإصحاح العشرون ما يلى:
«حين تقترب من مدينة لكى تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعوب الموجودة فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما فى المدينة كل غنيمتها فتغنمها لنفسك وتاكل غنيمة أعدائك التى أعطاك الرب إلهك»
وجاء فى الروايات:
«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّه، مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ».
ثم جاء الإعلام المذهبى الذى يبث عبر القنوات الفضائية السلفية والشيعية ليؤجج الفتن الطائفية ويوطن للخرافة والتعصب المذهبى الذى يعد المقدمة الأولى للإرهاب، وعلى المستوى الحكومى والسياسى كانت مواقف الحكومات العسكرية والنفطية وسياساتها هى التى وطنت للإرهاب وأشعلت الفتن فى المنطقة، كانت المعالجة الانتقامية لمشكلة التطرف فى منتصف الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى هى الطامة الأولى، وجاء دخول بعض الدول فى اللعبة الأفغانية تحت المظلة الأمريكية ودعم حركة الجهاد فى أفغانستان ليشكل الطامة الثالثة، ثم جاء ظهور الجمهورية الإسلامية فى إيران ليشكل الطامة الرابعة، وشكل سقوط نظام صدام فى العراق الطامة الخامسة، وكل تلك الدول قد أسهمت فى إشعال الفتن والحروب الطائفية بين المسلمين، ونشر الإرهاب باسم الدين فى كل مكان، وفتح الأبواب على مصارعها لأعداء الإسلام للهيمنة على المسلمين، لتبرز الورقة الطائفية بقوة وتستخدم من قبل حكومات المنطقة قبل أن تستخدم من قبل القوى الخارجية، وتشكل دعماً للقاعدة وطالبان وداعش ورموز الإرهاب، لتشتعل الحروب الداخلية والطائفية، ويسود الإرهاب، وفى النهاية الذى دفع ثمن كل هذا ولايزال يدفع هم شعوب المنطقة لا حكوماتها.
ويكشف لنا انتشار الإرهاب باسم الدين مدى فشل المؤسسات الدينية، والحقيقة أن هذه المؤسسات لم تقدم شيئاً فى مواجهة الإرهاب، ولن تستطع أن تقدم شيئاً، لكونها تعيش بعقل الماضى وترتع وتعيش على حساب الروايات التى أننتجت الإرهاب، عقل الماضى هو الذى أحيا الفكر الإرهابى الذى رفع رايته فقهاء الحنابلة وغيرهم فى الماضى وقام ببعثه ابن تيمية ثم ابن عبد الوهاب ثم أدعياء السلفية فى الحاضر، وهو الذى أحيا الموقف العدائى من قبل السنة تجاه الشيعة، وأحيا أيضاً الموقف العدائى من قبل الشيعة تجاه السنة.
إن الخطوة الأولى التى يجب اتخاذها فى مقاومة الإرهاب هى التحرر من عقل لماضى، ثم صناعة الثقافة البديلة على أساس العقل القرآنى لا العقل الروائى.