السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثورة التشكيك

ثورة التشكيك
ثورة التشكيك




يكتب: د. محمد محيى الدين حسنين

لم أكن من المتابعين الجيدين للبرامج الحوارية قبل 25 يناير 2011، لا لشىء إلا لأنها تحولت إلى جرعات من المرارة تصبها فى حلقوقنا كل ليلة ومدعاة لكوابيس ورعب من النهاية المرتقبة لمصر، وصار السؤال الذى يدور فى مصر وخارجها إلى أين تتجه؟ وما مصيرها المرتقب؟
ولا أزال اتذكر قول أحد أدباء مصر انه يخشى أن يفتح نافذة غرفة نومه فى الصباح فلا يجد مصر، وكأنها ستختفى من الخريطة بعد كل الأهوال التى يسمعها ويشاهدها، ومع كل تلك الجرعات الليلية فانى اعترف بأنها كانت أحد الحفزات لنزول طوائف الشعب المختلفة استجابة لطليعة شبابية خرجت فى الشارع تعترض على النظام، وكما يقال فليس المهم ان تكون مظلوما ولكن ان تعرف انك مظلوم، وقد كان لتلك البرامج الفضل فى فتح العيون على ما يجرى وأن نعرف مدى الظلم الواقع علينا، ومن الغريب أننا كنا نتساءل الا تتابع الرئاسة والحكومة ما يناقش ويقال فى هذه البرامج؟ وربما كان من حسن الحظ انهم لم يتابعوها أو يقرأوا ما يقال تمشيا مع مبدأ «دعهم يتسلون» وأنه «ليس فى الإمكان أبدع مما كان».
كانت الايام الثلاثة بعد تلك الانتفاضة بمثابة زلزال هز اركان الدولة، حتى أجبر مبارك على التخلى عن السلطة، فتحولت مصر الى فرح كبير، ومازلت اتذكر دموع الفرح فى عيون المصريين فى الخارج وأن بعضهم بدأ بالترتيب للعودة إلى أرض الوطن إحساسا منهم بأن هجرتهم خارجه أصبحت غير ذات معنى امام نداء الوطن، ولكن سرعان ما بدى للكثير ان الهدف من اشعال الثورة التى أيده الشعب لم يكن اسقاط النظام ولكن اسقاط الدولة، بدءا بمؤسسة الشرطة ومرورا بالمؤسسة العسكرية، وبين ليلة وضحاها، تم اختطاف الثورة بتخطيط منظم من القوى اليمينية وفوضى كلامية ودعاوى هشة من القوى اليسارية ومن اولئك من نصبوا أنفسهم قادة لها.
وعندما فشلت القوى اليمينة والنخبة اليسارية فى الصمود أمام تيار جارف من الشعب المصرى الذى خرج فى 30 يونية 2013 رافضا للعبث بالدولة، بدأ مسلسل التشكيك فى كل قيمة ورمز وشخصية عامة، ودخل المصريون فى دوامة التفريق بين ما هو حقيقى وما هو مزيف خاصة عندما اذيعت تسريبات لمحادثات هاتفية فضحت ثوار الامس، وفقد الشعب الثقة فيمن كانوا فى  صدارة الاحداث، وامتد التشكيك ليطال ثوابت المجتمع ودخلت البرامج الحوارية على الخط لتناقش بطريقة سفسطائية ما إذا كانت ثورة يناير هى ثورة حقيقية أم مؤامرة؟ وهل ثورة 2013 هى الثورة أم لا؟ ونسى الجميع انهم يتحدثون عن تاريخ قريب عايشه الشعب قام بتأييد ثورة يناير عندما اشتعلت، وأسقط من اختطفها فى الوقت المناسب، ونجح فى تعديل الموازين دونما تدخل او توجيه او مؤامرة خارجية.
واذا كانت الدولة لم تسقط بالثورة فلا مانع من هز ثقة الشعب فى تاريخه وقيمه، ولا مانع من الهمز واللمز حول أحمد عرابى، وأن الناس كانت تبصق عليه بعد عودته من المنفى، واثارة الريبة حول عبد الناصر، وأن نكبة مصر بدأت به، ولم ينته الأمر عند هذا الحد فتحت دعوى أصلاح الخطاب الدينى ومحاربة الإرهاب ظهر من يشكك فى التراث الإسلامى ويهجو الأئمة الأربعة ويتهمهم بالجهل والغفلة، وأنهم السبب فى تخلفنا ليتلقف الخيط من يتهم الحكومة بأنها سلفية، وتقوم بتدليل السلفيين، وأنها وإن كانت تحارب الإرهاب إلا أنها تغذيه وتحميه بالابقاء على رءوس السلفيين على أكتافهم وبمهادنة دول الخليج ومرة أخرى يظهر من يشكك فى قصة الإسراء والمعراج وفى المسجد الأقصى وأخيرًا تدور القصص والحوارات حول مجلس النواب الذى لم يعقد بعد جلسته الأولى أو الكشف عن خلفية أعضائه والاغتيال المعنوى لهم.
هل يمكن ان نفهم الان لماذا كان الإقبال أقل من المتوسط فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة؟ فلا عجب فقد دخل الشعب فى نفق مظلم بعد أن تحول الأمر إلى ثورة تشكيك فى كل شىء، والواضح أننا نخوض حربا من الجيل الرابع عدونا فيها البعض منا، يأمل فى ان تسقط تلك الدولة التى تأويهم ومع ذلك فاننا نبشرهم ونبشر من ورائهم بأن هذا الشعب بفطرته السليمة وقيادته المخلصة لن يتركها تسقط أبدا والله المعين.