الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يا أستاذ «أنت راجل قديم»

يا أستاذ «أنت راجل قديم»
يا أستاذ «أنت راجل قديم»




يكتب: محمد عبد الشافى
ترددت كثيرًا فى الكتابة.. وعندما قررت ذلك سألت نفسى فيما أكتب.. هل أكتب فى السياسة؟ فإذا بى أرى أن السياسة قد ضجت بمن يكتبون أو يحللون أو يتكلمون فى «حراك كلامى» وليس سياسى.. فكل ما أقرأه أو أشاهده على «العزب الفضائية» ما هو إلا اشتباك أو تراشق بالألفاظ التى لا تعبر إلا عن هوى صاحبها، حيث يتبارى الكاتب أو الإعلامى فى اعتلاء منصة الكتابة أو الحوار كى يجعل له مكانًا على تلك المنصة غير ملتفت إلى الصالح العام.. فتجد أنفسنا أمام «فوضى كلامية» غير مستندة إلى دليل أو معلومة ولا يتردد هؤلاء فى الكذب والخداع من أجل أن يكون الأول فى السباق وبذلك تضيع الحقيقة ويكتسب المتلقى أو القارئ معلومات مضللة تشكل لديه رأيًا خاطئًا يدفعه إلى فعل خاطئ.. واسمحوا لى أن أركز  هنا على «عينة» من هؤلاء
 أولهما «المسخناتى» الذى يحتل مساحة برنامج شهير منذ سنوات وكل ما يفعله أن يأتى بضيفين على طاولة برنامجه ثم يزرع بينهما الفتنة فيتراشقان بالألفاظ النابية وفى أحيان تصل إلى حد التراشق بالأيدى فيما يكون هو «متفرجًا» وذلك لخلق قضية تشتت رأى وفكر المشاهد أما هو لا يستطيع أن يقول جملة صحيحة مكونة من فاعل وفعل ومفعول.
 ثانيهما «المهيّاص»  فهو يهيص فى الزفة لا تسمع منه إلا صوتًا عاليًا يأتى بكلمة من الشرق وأخرى من الغرب.. لا يفهم ما يقول ويذكرنى  بالمتحدث على «المصطبة» بل أنه «مصطبجى» بلا أخلاق وكاذب ومخادع والأكثر من ذلك أنه نصب من نفسه متحدثًا رسميًا باسم الدولة والمصريين.
ثالثهما: ذلك الكاتب «صاحب صاحبه» الذى بجل مبارك وكان يسانده بكل ما أوتى من قوة ورحل مبارك فكان أول من شتمه وسبه ثم رأيناه يقف وراء مرسى يصفق له ويقول عليه الرجل العالم وما إن رحل مرسى حتى وصفه بالجاهل والإرهابى وها هو يمارس هوايته فى دعمه القوى للدولة «فى حب مصر».. أفعال هؤلاء ومن على شاكلتهم أكدت لى أنه لا فائدة من الكتابة أو الكلام فى هذا الحراك غير المفيد الذى قد يدفعنى إلى الكذب لاعتلاء المنصة مثلهم وهذا لا يتفق مع تكوينى العقلى والأخلاقى.
ثم نازعتنى نفسى أن أكتب فى الفن فوجدت أن زمن الفن ولىّ وحل محله فن «أمينة حنطور» و«ريكو» تحت إشراف السبكى بعد اعتزال محسن جابر وإحباط وحيد حامد.
أما الرياضة فهى خاوية على عروشها إلا من هذا «الشتّام» الذى لا يترك أحدًا إلا وقذفه وسبه بأفظع الألفاظ.. انتابتنى الحيرة وكنت على وشك أن أقرر عدم الكتابة.. لكن ذات يوم جلست إلى أولاد من عمر الخامسة عشرة إلى عمر الثامنة عشرة كانوا يتناقشون فى أنشطتهم على موقع «فيس بوك» ذلك المستعمر الذى سيطر على عقولهم يقضون أمامه ساعات طويلة فى ممارسة أشياء لا تفيد بل وتغيبهم عن الواقع والحياة.. حاولت أن أدخل معهم فى جدل.
قلت لهم ماذا تعرفون عن مصر وتاريخها؟ فإذا بهم يردون فى صوت واحد نعرف مسلسل «مهند» ونتابع برامج «المقالب» ونتابع أخبار «تامر حسنى» و«هيفاء».. فقلت ألا تعرفون «أم كلثوم» أو «أحمد بهاء الدين» ألا تعرفون «الإمام محمد عبده» أو «الدكتور مصطفى محمود» فكانت المفاجأة بقولهم يا أستاذ «أنت راجل قديم».. استفزتنى هذه العبارة فهم يصفون هؤلاء الرموز وهذا التاريخ بالقديم.. تركت تلك الجلسة وحين خلوت إلى نفسى تأكدت أن هذا الجيل ضحية لأفعالنا نحن الكبار لقد تركناهم وهمشناهم فلا عرفوا مصر ولا عرفوا المصريين.. لذا رأيت أن مسئوليتى تحتم علىّ أن أكتب لهؤلاء بما يتيسر لى عن مصر وتاريخها كى أعيدهم إلى عباءة مصر والمصريين.
آثرت أن يكون عنوان مقالى «اعتذار».. أعتذر لجيل شرد وخرج عن سرب مجتمعنا بسبب «أب» انشغل عنه بالجرى ليل نهار للحصول على لقمة العيش.. بسبب «معّلم» شغلته عنه الدروس الخصوصية.. بسبب «رجل دين» أعطاه ظهره وسخر علمه فى فتوى عن الجنس أو السحر أو الشعوذة.. بسبب «مسئول» اهتم بإقامة الكبارى والجسور ولم يهتم ببناء العقول.. أكتب له سطورى داعيًا الله أن يعيننى على مساعدته فى العودة مرة أخرى إلى ذاكرة الوطن.