الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

محمد هشام عبيه: الكتابة الساخرة عابرة لحواجز الكتابة التقليدية وتوجع المسئولين أكثر من الكتابة الجادة

محمد هشام عبيه: الكتابة الساخرة عابرة لحواجز الكتابة التقليدية وتوجع المسئولين أكثر من الكتابة الجادة
محمد هشام عبيه: الكتابة الساخرة عابرة لحواجز الكتابة التقليدية وتوجع المسئولين أكثر من الكتابة الجادة




كتبت: رانيا هلال


■  تتضاعف أهمية الكتابة فى أى مجال إذا كانت مدعمة بخلاصة تجارب وخبرات حياتية فريدة فتضفى على الكلمات بريقًا كما تلقى قبولا لدى المتلقى بجميع فئاته. ممن انتهجوا هذا النهج فى كتاباتهم الكاتب محمد هشام عبيه الذى تجول بين شطآن أدب الرحلات وكتابة المقالات والكتابة الساخرة والأدب، وفى إصداراه الأخير «الكتاب الامريكانى» يصف لنا تجربته عميقة الأثر فى بلاد العم سام كما يحدثنا عن الكتابة الساخرة وأهميتها فى توصيل الأفكار والمعلومات وحتى توجيه المجتمع ومواجهته بتناقضاته. معا أبحرنا فى عالم الكاتب الصحفى محمد هشام عبيه نتبين آراءه وأفكاره ونقف على تجربته فى عالم الكتابة.
■ تجربتك فى أدب الرحلات فى إصدارك الأخير «الكتاب الامريكانى» كان لها مذاق خاص برؤيتك. صفها لنا؟
- السفر إلى أمريكا، تجربة مهمة لأى شخص. تتضاعف هذه الأهمية لكل المهمومين بالكتابة. ذلك أن ما يشاهده المرأ هناك والمقارنة التى يجد نفسه يعقدها دوما بين ما هو كائن فى بلاده وما هو يحدث فى أمريكا. يجعل تجربة السفر إلى هناك ثرية للغاية وتغير الكثير من أفكار ومفاهيم الواحد التقليدية عن الحياة.
وحقيقة الأمر أنه لم يكن فى نيتى إصدار كتاب عن الرحلة. لكنى وجدت نفسى مدفوعا للكتابة عقب عودتى من رحلة استغرقت 21 يوما وبتحريض من الكاتب الصحفى الكبير إبراهيم عيسى الذى شجعنى على تسجيل يوميات الرحلة ونشرها مسلسلة فى جريدة التحرير وقتما كانت تصدر بشكل مطبوع قبل توقفها فى سبتمبر 2015. ورغم أن برنامج الزائر الدولى الذى تنظمه الولايات المتحدة سنويا بانتظام منذ أكثر من سبعين عاما، والذى تمت استضافتى فى أمريكا من خلاله، شارك فيه عدد كبير من الصحفيين، إلا أن كتابى «الكتاب الأمريكاني» هو الأول مصريا تقريبا وربما عربيا الذى يوثق هذه التجربة وهذه الزيارة.
أحب أدب الرحلات عامة منذ طفولتي. وما كتبه الفذ د.محمد المخزنجى فى مجلة العربى الكويتية فى عز مجدها الصحفى فى التسعينيات وأوائل الألفية من مزج أدبى فريد بين وصف الرحلة والولوج إلى قلب الأماكن والناس، كان الجسر الرئيس لمحبتى لأدب الرحلات. ثم أن هناك كاتبا أخر يمزج السخرية بأدب الرحلة لكنه للأسف لايحظى بانتشار وشهرها يستحقها هو الأستاذ حسين قدري، وله كتابات فى الرحلات داخل مصر وخارجها شديدة المتعة.
أدب الرحلات فن خاص يمزج بين المقال الصحفى والكتابة الروائية. ثم انه أدب كونى يجعل العالم حرفيا بين يدى القارئ. وستظل دوما إحدى طموحاتى فى الكتابة هى رصد  مدن وقرى مصر فى كتاب رحلات طويل، وزيارة أمريكا اللاتينية والكتابة عن عالمها السحري.
■ ككاتب ساخر هل تجدى الكتابة الساخرة فى مصر وهل تحقق هدفها فى لفت الأنظار والحشد لقضية ما؟
- الكتابة الساخرة عابرة لحواجز الكتابة التقليدية. وتصل إلى قاعدة جماهيرية أكبر. ثم أنها توجع المسئولين أكثر من الكتابة الجادة. لكن المشكلة هى كم مرة تحدث متتالية «كتابة ساخرة-تأثير- نتيجة»؟ هذه هى المعضلة فى بلد بلا قواعد أو نظريات ثابتة مثل مصر.
لكن الكتابة الساخرة إجمالا لاتستهدف الحشد لقضية بعينها بقدر ما تستهدف تفكيك القداسة عن أفكار أو شخصيات. وهذا هدف سامى فى حد ذاته.
■ عانيت كما يعانى الكتاب المصريين من مشكلة التسويق الإعلامى والدعائى للمثقف فهل ترى لها حلا ؟
- الكاتب الناجج جماهيريا الآن يعرف من «الفولوورز»على فيس بوك أو تويتر. هل هذا أمر صحى أو فاسد. هذه أشياء لا نملك حسمها يقينا. لكن الثابت أن فيس بوك مثلما اكتشف مواهب حقيقية وووضعها فى المكانة التى تليق بها.صنع أيضا جماهيرية لكتاب مزيفون بل وجعل بعض منهم مليونيرات بالمعنى الحرف للكلمة. والحل طبعا أن يأخذ الكتاب كورسات فى التسويق والدعاية الإلكترونية لأنفسهم قبل أن يكتبوا حرفا واحدا!
لكن من الإنصاف أيضا القول بأن الجيل الذى انتمى إليه لديه فرصة أكبر فى الانتشار لعدة أسباب، أولها سهولة النشر الآن رغم السلبيات التى ترافق ذلك، ثم أن الوسائط التى يمكن أن يطل عليها المرء ألان على قرائه أصبحت متعددة ، وتصل إلى قطاعات كبيرة من الناس. على المرء أن يدرك فقط أن الموهبة وحدها لا تكفى لتصنع كاتبًا مشهورًا أو مؤثرًا. هناك دور مهم يتعلق بطريقة التسويق لهذا الكاتب ولإنتاجه. الموضوع قد يبدو سهلا لكنه ليس بهذه البساطة.
■ من مقالاتك المتنوعة يتضح انك متابع جيد لكل ما ينشر فحدثنا عن رأيك فى الكتابات الأدبية الشابة؟
ثمة استعجال فى النشر. القدرة على حشد المئات فى حفلات التوقيع، جعلت هناك جرأة فى النشر أكثر مما هناك جرأة فى الكتابة. لكن هذا لايعنى أنه لاتوجد أسماء موهوبة وتستحق النشر والإشادة والجماهيرية، لكن الوصول إليها وسط هذا الزحام أصبح أمرا صعبا.
من المهم الإشارة إلى أن الجوائز المحلية وخاصة (ساويرس)، أصبحت عاملاً رئيسيًا فى تسليط الضوء على مواهب شابة لا تمتلك «أولتراس»، أو تأكيد مواهب شابة راسخة. مثلا فإن القائمة القصيرة فى الرواية والقصة التى تم إعلانها مؤخرا، تضم أسماء شابة راسخة مثلا طارق إمام وأحمد عبد اللطيف ومحمد خير ووجدى الكومى وآخرين، كما أنها أيضا ضمت رواية مبهرة لكاتب شاب عشريناتى هو أحمد خالد وهى رواية «شرق الدائري»، وهى رواية تستحق الاهتمام من القراء والنقاد وأهل الإنتاج السينمائى والدرامى أيضا، لكن صاحبها يكتب فقط ولايعرف تسويق نفسه فجاءت الجائزة لتنصفه ولو قليلا. ربما لو اتسع نطاق تغطية الجائزة لمجالات أخرى مثل كتابة المقال أو أدب الرحلات سيساعد ذلك على مزيد من ظهور كتاب أكفاء واتساع قاعدة قراءهم ، كما أنه يعطينى أملا فى الفوز بالجائزة ذات مرة!
■ فى كتابك الحالة ميم تعرضت للعديد من الموضوعات المختلفة فى صورة مقالات ومنها الحياة للفرد المصرى فى ظل المنغصات والتحديات اليومية فلماذا أسميته بهذا الاسم «الحالة ميم»؟
- كنت أقصد بذلك الحالة المصرية الخالصة القادرة على التكيف على أوضاع مزعجة من الصعب التعايش معها فى العديد من المجتمعات الأخرى. المصريون يهاجمون المسئولين مثلا عن سوء شبكة الصرف الصحى الذى يظهر جليا وقت سقوط أمطار غزيرة، لكنهم لايكتفون بالهجوم فحسب، بل يتعاملون مع الأزمة بأنفسهم، هكذا وجدنا الشاب الذى يحمل العجائز ليعبر بهم الطريق الغارق، والشباب الذين قرروا لعب كرة الماء فى قلب مياه الأمطار. هذا سلوك مصرى فريد. هذه تحديدا هى الحالة ميم.
■ ماذا عن مشاريعك الكتابية القادمة وهل ستتضمن مشاريع أدبية؟
- لدى ثلاثة مشاريع أولهم كتاب يضم مقالات سياسية اجتماعية ساخرة، والثانى يندرج تحت أدب الرحلات عن رحلتى إلى رام الله، أما الثالث فهو رواية بعنوان «الآباء المؤسسون»، وهى مستوحاة من رحلتى القصيرة للولايات المتحدة الأمريكية.
■ هل ترى فى عمل المؤسسات الثقافية الرسمية والمستقلة صدى يمكن الاتكاء عليه فى تغير المجتمع إلى الأفضل؟
- بكل تأكيد نعم. لأن هذا هو الطريق الوحيد أمامنا. المبادرات الثقافية المستقلة أغلبها ناجح ومتحقق ووصل إلى قاعدة كبيرة. بينما وجود المؤسسات الثقافية الرسمية شديد الأهمية مهما أصابها من ترهل. لأنها تمتلك أدوات وإمكانيات على الأقل لوجستية تتعلق بالانتشار فى أنحاء الجمهورية تمكنها من ذلك.
■ كتبت فى فن القصص المصورة أو «الكوميكس» فصف لنا تجربتك ولماذا لم تكررها خاصة أنك اخترت التعبير عن ثورة يناير بهذا النوع تحديدا؟
- كتابة الكوميكس الطويل «18 يوما» من أمتع تجاربى فى الكتابة، رغم أن العمل تمت كتابته عقب قيام ثورة 25 يناير بفترة وجيزة، فظهر متأثرا بالأجواء، وغلبت عليه التسجيلية أكثر من الفن. لدى أكثر من مشروع موجل لرواية مصورة من بينها قصة تستلهم أجواء احتجاز الرهائن فى الحرم المكى عام 1979، لكن المشكلة التى تؤجل خروج هذه المشاريع للنور- إلى جانب الكسل وسوء تنظيم الوقت قطعا- هو أنها تستغرق وقتا طويلا فى التحضير والرسم تحديدا.