الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر.. رؤية من الخارج

مصر.. رؤية من الخارج
مصر.. رؤية من الخارج




أحمد عبده طرابيك  يكتب

جمعنى لقاء مع السفير شاهين عبد اللايف سفير جمهورية أذربيجان بالقاهرة بمناسبة انتهاء فترة عمله بالقاهرة بعد خمس سنوات قضاها سفيرا لبلاده فى مصر، ولأن الرجل يتحدث اللغة العربية بطلاقة، ويتمتع بنشاط ورغبة كبيرة فى العمل، فقد تمكن من إقامة علاقات وتواصل مع الكثير من الشخصيات فى مختلف الأوساط السياسية والاقتصادية والاعلامية، وشاهد وعايش حياة المصريين على أرض الواقع، وخاصة أنه قبل مجيئه إلى مصر كان سفيرا لبلاده فى الكويت، الأمر الذى ساعده فى التعرف على مصر من خلال وسائل الإعلام وبعض الزيارات، بل وكان يتطلع إلى العمل فى مصر باعتبار ذلك تكريما لكل من يعمل بها.
خلال عمله سعى السفير شاهين إلى مد جسور قوية من التعاون بين بلاده وبين مصر، لقناعته بأن مصر هى كل العرب، وبها إمكانيات تفوق الامكانيات التى تمتلكها الدول العربية، سواء من حيث الموقع الجغرافى الذى يتوسط العالم، والمناخ المعتدل طوال العام، والثروة البشرية الهائلة التى يعتبرها أهم الموارد المصرية، إضافة إلى التاريخ العريق، الذى يعتبره أيضا ًمن أهم عوامل الإلهام والمحفز الدائم على العمل والإنجاز، فالحضارة العريقة لها دورها المهم ليس فى جذب السياح وحسب، ولكن كباعث على وضع أهداف طموحة، والسعى لتحقيقها.
مازالت مصر تنظر إلى الدول الكبرى «الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبى، روسيا، الصين» على أنها وحدها التى تمتلك الفرص للشراكة الاقتصادية معها، ولم يتم حتى الآن اكتشاف الفرص المتاحة مع الدول الصغيرة، على الرغم من أن الدول الصغيرة لديها فرص كبيرة ومتعددة فى مختلف المجالات، وتستطيع مصر الاستفادة من تلك الفرص فى كثير من المجالات والقطاعات الإنتاجية أكثر مما تستفيده من تعاونها مع الدول الكبرى.
 على سبيل المثال، السياحة فى شرم الشيخ والغردقة تعتمد بشكل كبير جدا على السياح القادمين من روسيا وبريطانيا، وعندما وقعت حادثة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، وما ترتب عليها من توقف حركة السياح الروس والبريطانيين، أصيب قطاع السياحة فى تلك المدينتين المهمتين سياحيا بالشلل التام، وإذا كان هناك تنوع فى مصادر السياحة من دول أخرى مثل أذربيجان ودول آسيا الوسطى التى تتشابه فى مناخها البارد مع روسيا معظم شهور العام، فإن حدة المشكلة كانت ستكون أقل بكثير.
هذا إلى جانب العديد من المجالات التى يمكن التعاون من خلالها بين مصر ودول رابطة كومنولث الدول المستقلة، حيث تحظى الأدوية المصرية بشهرة كبيرة فيها، إلى جانب الاستثمارات المتبادلة فى كثير من القطاعات، يأتى فى مقدمتها قطاع النفط الذى تمتلك فيه أذربيجان خبرة كبيرة فيه، باعتبارها من أوائل الدول التى تم اكتشاف النفط فيها، فالدول الصغيرة مثل أذربيجان وآسيا الوسطى لديها امكانات كبيرة وفرص متعددة للتعاون، تفوق فى كثير منها ما لدى الدول الكبرى.
تنظر أذربيجان ودول آسيا الوسطى وشعوبهم إلى مصر نظرة تقدير كبيرة، فالتراث المشترك الذى يجمع بين شعوب تلك الدول مع مصر يضرب بجذوره فى أعماق التاريخ، ومازالت القاهرة والعديد من مدن تلك الدول تحتضن الكثير من الآثار والمعالم التى تجسد ذلك التاريخ العريق الذى يربط بينهم، هذا إلى جانب ما يربط بين الشعبين من عادات وتقاليد وقيم مشتركة، ومن هذا المنطلق تسعى هذه الدول، حكومات ومستثمرون وسياح وطلاب العلم وعلماء وباحثون، إلى إعادة تجسيد تلك العلاقات التاريخية على أرض الواقع مرة أخرى، ومن ثم تنتظر الفرص التى توفر لها مجالات أرحب للتعاون المثمر بين الشعبين.
 تحدث سفير أذربيجان عن مصر بأنها تمتلك عوامل كثيرة تؤهلها لأن ترتقى إلى مصاف الدول المتقدمة خلال سنوات قليلة، لكن لابد أن تتحرر عن شىء من البيروقراطية، والعمل بشكل براجماتى، سعيا وراء مصالحها ومصالح الأمة، وأن تنطلق إلى استعادة دورها القيادى، ومكانتها الرائدة فى العالمين العربى والإسلامى، والاستفادة من كل المقومات المتاحة لها، فالانكفاء داخل دائرة صغيرة ليس من سمات الدول القيادية والمؤثرة فى محيطها الإقليمى، فالدول العربية والإسلامية تنتظر من مصر الكثير من المبادرات والمشروعات القومية العملاقة حتى تنطلق خلفها نحو التقدم، والتى من شأنها أن تغير شكل المنطقة، وعلى مصر أن لا تترك الساحة لمن يعبث بأمن المنطقة واستقرارها، وإهدار ثرواتها ومقومات ازدهارها ورفاهية شعوبها.