الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فقهاء المصادرة يحكمون الشارع

فقهاء المصادرة يحكمون الشارع
فقهاء المصادرة يحكمون الشارع




عاطف بشاى  يكتب

حينما أعلنت ثورة 30 يونيو عن نفسها وأطاحت بحكم الإخوان.. كتبت وقتها أن الفرح لن يبدو بعد الآن مستحيلا كالغول والعنقاء والخل الوفى.. لقد انتزعناه من براثن حزن طالت إقامته داخل النفس المكسورة والأيام الممرورة فى ظل عناكب الجهامة وخفافيش الكآبة حيث يمكننا أن نمد أكفنا للسعادة فلا تتسرب من بين أصابعنا التى كانت ترتعش بالخوف واليأس ولن تعود السعادة أمرا عارضا أو ظرفا استثنائيا أو حكما افتراضيا.
لقد أعلنت يومها الثورة عودة أشجار الياسمين إلى الحياة من جديد.. فلن يتم اغتيال البلابل على أغصان الحرية ولن تختنق الشمس على مشانق الإرهاب.. ولن تموت الحدائق والفصول والقصائد والفنون.. ولن تأفل أضواء الحب وشموع الحرية ووهج الحضارة فقد كنا نتوجس من اقترابنا من مشارف الدخول فى التوحش والتخلف والقبح والبشاعة وعصور البربرية والقمع وثقافة الهكسوس وقانون الغاب حيث السماء من حجر وعيون القادمين من خارج الزمن من زجاج.. ألسنتهم تنطق بالورع والتقوى والإيمان وقلوبهم تضمر الشر والطغيان.
تصورت أنه بقيام الثورة لن يتنازع الوطن فاشية الدجل والدمامة ولن يحكمنا فقهاء الوصاية ودعاة الظلام وكهان الردة الحضارية بأوراق التكفير الصفراء وكتب التحريم والتجريم والإقصاء والمصادرة وثقافة الحلال والحرام.. والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتمكين.. وارتداء قشرة العصر.. بينما الروح جاهلية والنفس همجية والأردية صحراوية.
تصورت أنه قد آن الأوان لتفك مصر العجوز ضفائرها لتعود حورية شابة سافرة تعانق نسائم الحرية.. وموج البحر ولن يجرؤ الملتاثون أعداء الإبداع على قتل تماثيل رواد التنوير واغتيال الكتب وتشويه الفنانين واعتقال الفكر والمفكرين.. لتعود «مصر» للمصريين - كما فى صيحة أستاذ الجيل لطفى السيد - لا إخوان.. ولا سلفيين.
وأيقنت كل اليقين أننا سوف نتحرر من الظلاميين لتعود روح صناع عصر النهضة ترفرف فى سماء المحروسة «الطهطاوى» والإمام «محمد عبده» والشيخ «على عبد الرازق» و«طه حسين» و«قاسم أمين» و«هدى شعراوى».. كما أيقنت أن الخفافيش سوف تتوارى فى أوكارها وفى السجون.. فتسترد ثورتنا عافيتها ونحقق حلم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. وتصنع مدينتها الفاضلة وأحلامها الكبيرة..
لكن.. وبعد مرور خمس سنوات على قيام الثورة لم تتوار الخفافيش فى أوكارها.. لكنها خرجت من سراديب العصور الوسطى وكهوف تجار الدين لتستهدف هذه المرة مفكرا اجتهد ليضيئ شمعة تنوير وسط ضباب كثيف.. وغيوم التباسات معقدة.. متسلحا بغضبه رئيس مصر وقائد الثورة الذى أحزنه أن تفسد الفتاوى المسمومة والدعاوى الظلامية المكفرة مسيرة أمة تسعى إلى النهوض من كبوتها لاستشراف مستقبل جديد.. فصاح مطالبا بتجديد الخطاب الدينى وتنقيته من شوائب التراث الضارة فإذا بالرد القاسى أن يوضع المفكر فى السجن.. ويبقى المروجون للعنف والتزمت والانغلاق والخرافة ينعقون خارجه.
رفض الضابط المكلف باقتياد «إسلام البحيرى» إلى محبسه أن يعامله معاملة المجرمين الخارجين عن القانون ويضع «الكلبشات» فى يده مدركا ببصيرته الهادية وعقله الراجح وروحه الحانية أن الفكر لا يسجن.. والفكرة تناهضها فكرة والرأى يجابهه الرأى الآخر.
والدستور يحمى حرية الرأى والتعبير والاعتقاد والتصور.. ووجهات النظر المختلفة.. والكلمة الحرة والأحلام بالتغيير والحداثة.. ولا يحمى التكفير والمكفرون وزواج القاصرات وجهاد المناكحة وازدراء شركاء الوطن واحتقار المرأة.. وسفاحى «داعش» الذين هم بلا شك الامتداد المتوقع لانحرافات الخارجين عن صحيح الدين السمح المتسامى فوق ترهات الإرهاب والإرهابيين والذى يدعو إلى الموعظة الحسنة والعمل الصالح.
فالجمود الفكرى والتحجر العقلى والثبات عند المسلمات والموروثات العتيقة التى تحتوى عليها الكتب الصفراء.. وكهنوت الذين يتصورون أنهم يملكون صكوك العقاب الإلهى للمارقين - من وجهة نظرهم - أسوة بسلاطين الكنيسة فى العصور الوسطى الغابرة.. هؤلاء هم الذين قادونا إلى ممارسات الداعشيين الوحشية.
فأى زمن كريه هذا الذى يصبح فيه سجان العقل وفقهاء المصادرة وأعداء الحضارة الذين يحكمون الشارع من فوق المنبر هم الأطهار فى مملكة الشر.. والمفكرون والتنويريون الشياطين فى دنيا الأطهار.