الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أهالى «أبو قرن» و«رملة بولاق» يلتحفون السماء

أهالى «أبو قرن» و«رملة بولاق» يلتحفون السماء
أهالى «أبو قرن» و«رملة بولاق» يلتحفون السماء




تحقيق - مروة عمارة

لا يملكون لمواجهة الشتاء سوى بعض الأطباق والأوانى البلاستيكية لنزح المياه التى تتساقط من أسقف منازلهم المتهالكة، ولم تتمكن الأكياس البلاستكية التى وضعوها بالأسقف من حمايتهم من تسرب مياه الأمطار، ولم تصلح الأغطية والبطاطين فى حمايتهم من البرد القارس وتبعاته من أمراض الصدر والرئة والقلب.
سكان غزبة «أبو قرن» إحدى المناطق العشوائية المتواجدة بحى مصر القديمة بالقرب من الكورنيش، وحالها حال أغلب المناطق العشوائية حيث غياب التخطيط والمرافق والخدمات، والحياة بشكل غير آدمى.

معاناة الشتاء
يهل الشتاء ليبدأ الأهالى فى محاولة تسقيف الغرفة السكنية بمزيد من الأغطية والأكياس البلاستكية وتثبيتها ببعض الأسمنت، ولكن مع هطول الأمطار الشديدة، وحسب قولهم، تبدأ معاناتهم فى جمع المياه عبر الأوانى بمنتصف الغرفة ونزحها لخارجها، ولضيق ظروفهم لم يتمكنوا من بناء سقف.
 «أم رحاب» سيدة مسنة من سكان العزبة تتحدث عن المأساة قائلة: وعدونا كثير بتوفير غرف سكنية، وطالبنا المسئولين بذلك وجاءوا واخدوا بيانات الأسر، ولم يتم تلبية ندائنا، حتى إننا ذهبنا للجمعيات الشرعية بالمساجد وفروا لنا ملابس وأغطية، وعندما طلبنا من الجمعية الخيرية المتواجدة بالعزبة بناء الاسقف، أكدوا لنا صعوبة ذلك لعدم ملكيتنا للأراضى وأغلبنا لا يملك عقود تمليك او إيجار، ولأن تكلفة بناء السقف تتعدى ألفى جنيه، فإننا لم نتمكن حتى الآن من بنائه».
وتابعت من أمام غرفتها المتهالكة: رغم إننا نقوم بدفع معونة الشتاء شهريا على بطاقة التموين، وضمن رسوم معاش زوجى ورغم ذلك لم نحصل يوما على معونة أو مساعدة من الدولة، وننتظر مساعدات المساجد والجمعيات الخيرية من بطاطين وملابس، ولكن لا يوجد من يوفر لنا سقفا يحمينا من الشتاء القارس، وحال أغلب أهالى العزبة مثلنا وقد ناشدنا المسئولين مرارا ولم يستجب أحد لنا.
سكان أبو قرن
«كبر سنى يحول دون عملى ومعاشى لا يتعدى 300 جنيه، وهو بالكاد يكفى بناتى ونفقات طعامهم وشرابهم، وقد تقدمت كثيرا لبناء سقف لدى الجمعيات الاهلية والمساجد ولكن لارتفاع نفقات السقف رفضوا، وأتساءل أين هى معونة الشتاء التى تم إقرارها منذ عهد عبدالناصر لمساعدة الفقراء فى مواجهة الشتاء، رغم استمرار الدولة فى تحصيلها، إلا اننا المحتاجون لها لم نحصل عليها يوما»، هكذا يحكى مدحت عبدالله، مواطن بالمعاش.
 ويشتكى سكان «عزبة أبوقرن» من تحصيل تبرعات على بطاقات التموين بواقع جنيه وجنيهين شهرياً من قبل البقالين المتعاملين معهم وإجبارهم على تسديدها بحجة تحصيلها كتبرعات لمعونة الشتاء، وذلك كشرط أساسى لصرف السلع التموينية المدعمة، وهى إجبارية كتبرعات من خلال أربعة كوبونات فئة 25 قرشا للكوبون، واكد البقال لهم أن الكوبونات تأتى إليهم من مؤسسة التكافل ويتم تحصيلها لصالحها.
البقالون
يفرض البقالون التموينيون مبلغ جنيه واحد شهرياً على كل بطاقة تموينية كتبرع إجبارى تحت اسم معونة الشتاء، وتأتى تلك الكونات من قبل مكاتب التموين التابعة لوزارة التضامن، بدعوى إنها جمع تبرعات لمعونة الشتاء وحسب حديث كمال عبدالقادر، مواطن على المعاش، يوضح أن تلك الكوبنات تحصل إجباريا على المواطن وبلا إيصالات ولو اعترضنا لا يتم صرف التموين، وهو الامر الذى يجعلنا نتساءل إين تذهب تلك التبرعات التى تحصل منا.
 ويذكر وليد الشيخ رئيس نقابة بقالى التموين معونة الشتاء تفرض على التاجر من الإدارات التموينية وتحصل منه خالصة بنسبة 100% ولا يستفيد منها التاجر مطلقاً والمفروض أن يحصلها من المواطن بشكل اختيارى ودون إجبار، ولا نعلم أين تذهب تلك التبرعات التى تحصل من قرابة 20 مليون مواطن هم مستفيدو بطاقات التموين، واحيانا تحصل تحت مسمى «دمغة الهلال الاحمر، وبعد تحصيلها تذهب لإدارات التموين بكل محافظة ومنها لوزارة التضامن.
«لا نعلم أين تذهب أموال معونة الشتاء، والوزارة تفرض على كل بقال 100 طابع شهريا، مما يعنى 1200 طابع كل عام، أى 30 مليون طابع لجميع بقالى التموين سنوياً، والطوابع من فئات ربع جنيه ونصف جنيه وجنيه واحد، ويتواجد فى مصر 25 ألف بقال تموينى، وما يقرب من 20 مليون بطاقة تموين» .
تاريخ المعونة  
يعود تاريخ معونة الشتاء لإنشاء هيئة لها عام 1946 فى ظل حكومة إسماعيل باشا صدقى، بهدف إنشاء مساكن للفقراء، وفى عام 1961 تم وضع صندوق خاص لها فى جميع وزارات وهيئات القطاع العام، واستمر جمع الأموال فى هذه الصناديق شتاء وصيفاً حتى عام 2002، عندما تغير اسم الهيئة العامة لمعونة الشتاء إلى المؤسسة العامة للتكافل الاجتماعى، التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، وعلى مدار تلك الاعوام بلغت إيراداتها 7 مليارات جنيه ومستحقى المعونة الذين يصل عددهم إلى 18 مليون مواطن، طبقا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء وهو إجمالى عدد المواطنين بلا سكن وسكان العشوائيات.
وكان هدفها تقديم خدمات اجتماعية للفقراء والمتضررين من كوارث الشتاء خاصة بالقرى والأماكن النائية أثناء التغيرات المناخية والفيضانات والسيول وقتها من خلال حصيلة الطوابع التى توزع على بعض الجهات الحكومية كالتموين وهيئة السكة الحديد والإدارات التعليمية لتذهب الأموال بعدها إلى اللجنة التى تتولى تقديم المعونات للمحتاجين، وكان المواطن يدفعها خلال طوابع رسمية على بعض الخدمات الحكومية التى يحصلون عليها كبطاقات التموين وتذاكر سفر القطارات ورسوم المدارس، وبمرور الوقت تحولت تلك المعونة إلى جباية أو إتاوة تفرض إجبارياً على بعض الفئات ولا يعرف المواطن أين تذهب ولا لمن ولا حتى المبالغ الإجمالية التى يتم تحصيلها والتى تفرض وزارة التضامن تعتيما حولها.
 وتذهب الآن مصادر تمويل «معونة الشتاء» للمعونة السنوية من قبل الوزارة وتبرعات المواطنين إلى مؤسسة التكافل الاجتماعي، والتى تقدم مساعدات مادية راتب شهرى أو عينية كالبطاطين والوجبات الغذائية ومساعدات لذوى الاحتياجات الخاصة ويتم هذا عبر 27 فرعاً للمؤسسة على مستوى المحافظات بحيث تتبع مديريات التضامن، والمؤسسة العامة للتكافل الاجتماعى عبارة عن مؤسسة أهلية تابعة للوزارة يرأس مجلس أمنائها وزير التضامن، ومشهرة وفقًا للقانون 84 لسنة 2002، وتحصل على ترخيص جمع مالى كأى جمعية أهلية أخرى، وبالنسبة للمساعدات فإما تكون دفعة واحدة أو شهرية أو نصف سنوية طبقًا لظروف الحالات المتقدمة بالطلب.
مؤسسة التكافل
ويصرح كمال الشريف رئيس مؤسسة التكافل أن المؤسسة تعمل بشكل عام فى مجال إغاثة المناطق المتضررة من السيول او الكواراث، ولكن لا يوجد حصر بجهود المؤسسة حتى الآن، ولم يتم البدء فى توفير أسقف للمنازل المتضررة من الشتاء.
وتابع: «إصدار طوابع معونة الشتاء مازال موجودا، ويتم عبر تصريح من الوزيرة، ويتم الحصول على ترخيص معين، وبعدها يتم مراجعته، والمؤسسة تقوم بمساعدة قرابة المليون مواطن سنوياً، من خلال إعطائهم مبالغ مالية شهرية وبطاطين تحميهم من برد الشتاء ويتم التنسيق مع جميع الجمعيات الأهلية والحاصلة على ترخيص جمع المال لتوفير المساعدات للفقراء».
وطبقا لتصريحات سابقة لرئيس مؤسسة التكافل فإن حجم إيرادات المؤسسة وصل العام الماضى إلى 50 مليون جنيه، وأنها قامت بخدمة 1.5 مليون مواطن من خلال مساعدات مالية، موضحا أن وزارة التضامن الاجتماعى قامت هى الأخرى بمساعدة ما يقرب من 1.5 مليون مواطن تحت خط الفقر، جزء منهم من خلال مكتب المعاشات الاستثنائية، والمؤسسة تعتبر هى الجهة الوحيدة المسئولة عن تجميع أموال معونة الشتاء من المواطنين ولديها 2700 وحدة على مستوى الجمهورية، ويتم عمل بحث اجتماعى من خلال الحالة التى تتقدم بطلب معونة من وزارة التضامن الاجتماعى، وأى مواطن بيتقدم لنا بنعمل له بحث اجتماعى عن حالته وظروفه الاجتماعية والمعيشية، ونوصى فى نهاية البحث بخيارين، إما يتم توجيهه لمؤسسة التكافل الاجتماعى، ولو عنده مشكلة كبيرة يتم إرساله لوزارة التضامن الاجتماعى فى قسم المعاشات الاستثنائية، مساعدتنا للفقراء مش مستمرة، نعطيهم مساعدة لمدة عام.
 دفيهم وابنى لهم سقف
وفى مقابل غياب دور مؤسسات الدولة.. رصدت «روزاليوسف» الجهود الأهلية لبعض التجمعات عبر مواقع التواصل الاجتماعى والتى تقوم بدور الدولة فى بناء الأسقف للأسر بعزبة «أبوقرن» «أبوحشيش» و«رملة بولاق» وغيرها من الأحياء العشوائية التى بلا منازل آدمية ولم يتلقوا معونات الشتاء من الدولة فبحثوا عن البديل فى الجهود الخيربة.
 «دورنا نساعد الأسر اللى بيوتها من غير أسقف ، اطلع فوق وابنى لهم ساتر كله باقى لك فى الدفاتر.. يلا عايزين نلحق فى عز المطر والبرد دول نبنى أسقف ونحمى أسرنا.. من أجل شتاء أقل سقيعاً.. شاركونا «هكذا أعلن مجموعة دفيهم وابنى لهم سقف عن جهودها فى بناء أسقف لسكان عزبة ابو قرن بحى مصر القديمة وعزبة حيدر.
 وتحدث محمد عبدالله أحد الشباب المتطوعين، أن هناك آلاف الاسر بحاجة لسقف ولكن من خلال كشوف الحالات تمت مراعاة الاشد ضررا، للبدء ببناء السقف وبناؤه يتكلف من ألفى جنيه لخمسة ألاف جنيه، وهو سقف خرسانى وليس خشبيا ويتم بناؤه بالجهود الذاتية للشباب وبمساعدة الأهالى من سكان المنطقة، بدأنا بمئة سقف ونسعى للوصول لبقية المحتاجين ولكن الأمر مكلف.
 وتحدث: «للأسف الدولة لا توفر سقفا لتلك المنازل بحجة أنها مناطق عشوائية خطرة لابد من إزالتها ولا يمكن تطويرها، والدولة لا توفر سقف لأن أغلب المنازل ليست ملكاً لسكانها وبالتالى ترفض مؤسسة التكافل بناء أسقف لهم ، بحجة أن المسكن مخالف وغير مرخص».
 حملة احميهم
«يأتى الشتاء ببرده القارس وأمطاره الغزيرة فيعانى الكثير من عدم وجود مأوى  مجرد سقف بيت يحميه ويجعله يشعر بالأمان، هناك من يحتاج للدفء هذا العام، يمكنك بناء حياة الكثير من الفقراء عن طريق بناء سقف منزل يمنحهم الدفء والامان، هل طرأ فى ذهن أحد منا أن بجينه واحد فقط تستطيع ترميم وإصلاح حياة إنســــــان، بناء اسقف للفقراء أهم من وجبة يأكلونها أو أموال تعطى اليهم «هكذا بدأت حملة أهالينا جهودها للإعلان عن تطوعها لبناء أسقف للمنازل الفقيرة لقرابة مائة حالة على مستوى الجمهورية وتأمل فى تلقى تبرعات لبناء المزيد، تحت شعار احميهم من برد الشتاء.
وتابع أحد مسئوليها «ناس كتير محتاجة مجرد سقف يحميهم من برد ومطر الشتاء ومن ضمن أهدافها أنها تتضمن تعريشا للمنازل فى القرى الفقيرة والمحتاجة، وعزلها عن مياه الأمطار، الأمر ليس فى محافظة القاهرة، ولكن الأخطر من هم بالقرى والنجوع».
حجم المعاناة  
وصلت مساحة العشوائيات إلى 119.5 كم2، ويقطنها حتى الآن 16 مليون مواطن، ممثلين بأكملهم 24% من إجمالى سكان الجمهورية، ما بين 35 منطقة مُهددة بالانهيار الكامل، و281 منطقة غير صالحة للاستخدام الآدمى، يعيش 16 مليون مصرى أغلبهم تحت خط الفقر، يتقاضون ما هو أقل من 3 دولارات يوميًا.
طبقا للتقرير الذى أصدره صندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2014، فإن هناك ما يقارب 15.5 مليون مصرى يسكنون فى مناطق عشوائية يعانون من الأمطار وبرد الشتاء، كما أن هناك ثلاثة ملايين مواطن مشردين فى الشوارع بلا مأوى، وقد وصل عدد المناطق العشوائية فى مصر إلى 1221 منطقة منتشرة فى 24 محافظة.

مطالب بإلغاء المعونة

لعدم شفافية الأمر طالبت جهات عديدة بإلغائها ومنها جمعية مواطنون   ضد الغلاء، حيث طالب محمود العسقلانى، رئيس الجمعيةـ بإلغاء تحصيل معونة الشتاء التى تصل لجنيهات على البطاقات التموينية لمستحقى البطاقات من الشرائح الاجتماعية المحتاجة للدعم، وهى رسوم غير معلنة وهو ما يعد انتقاصا للدعم وعدم اتباع معايير الشفافية تجاه مستحقى الدعم من المواطنين.
تابع: «هناك قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم 4314 يحظر على البدالين التموينيين تحصيل أى رسوم من المواطنين تحت أى مسميات ماعدا هامش الربح المحدد على قائمة السلع التموينية المضافة على البطاقات، والتى تلزم البدالين بوضع القائمة على مكان ظاهر وبخط واضح بواجهة المحل لايحتمل الشك أو التفسير، ورغم ذلك ما زالت معونة الشتاء يتم تحصيلها من كل بطاقة لصالح المحافظة ، ولهذا طالبنا وزارة التموين بإلغائها