الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«داعش» تنهب ثروات 4 دول بعد «الربيع العربى»

«داعش» تنهب ثروات 4 دول بعد «الربيع العربى»
«داعش» تنهب ثروات 4 دول بعد «الربيع العربى»




تحقيق - نسرين عبد الرحيم

مر العالم العربى بفترة سياسية أثرت على كل مناحى الحياة ومن بينها الآثار والتراث، وتأثيرها كان سلبيا على الناحية الحضارية والثقافية، وأصبح الموروث الأثرى والتراثى فى مهب الريح، وتعرضت الآثار فى دول الربيع للسرقة العشوائية والمنظمة، وكذلك للتدمير والتخريب وتدخل المتطرفون والتكفيريون بثقلهم للقضاء على ذلك الموروث، ومن أكثر الدول العربية التى تعرضت آثارها للدمار ليبيا واليمن والعراق وسوريا.

آثار ليبيا
وقال د. عبد العزيز الفضالى - الباحث فى التراث وخبير الآثار - إن الربيع الليبى هو خريف الآثار والتراث الليبى، فليبيا تمتلك تراثاً هائلاً وفريداً من الآثار التى خلفتها الحضارات والثقافات المختلفة، واستغلت ذلك الكم الكبير من الآثار فى الدخل القومى والسياحة، وتهدد هذا التراث الحضارى المميز بشدة فى ظل الفوضى السياسية والأمنية التى تعيشها ليبيا بعد عام 2011.
وأكد أن فى ليبيا مدن أثرية كاملة من الحضارتين الإغريقية والرومانية، ومواقع من الحضارة الجرمانتية فى جنوب غرب البلاد، وفيها 5 مواقع مصنفة كمواقع تراث إنسانى عالمى بحسب منظمة اليونيسكو، وكانت بها مجموعة من المتاحف تعرض القطع الأثرية النادرة، وعددها قرابة 20 متحفا بين عام ومتخصص موزعة على المدن، لعل أكبرها وأكثرها احتواء للقطع متاحف السرايا الحمراء فى طرابلس، وشحات للمنحوتات، ولبدة، ومصراتة، وجرمة، وهدمت معظم تلك المتاحف، ونهبت محتوياتها بعد أحداث فبراير، وفى أغلب المدن الليبية مبانٍ وأحياء كاملة يطلق عليها «المدن القديمة» ولاتزال العديد من منشآتها مستخدمة حتى يومنا هذا.
وعن وضع الآثار فى ليبيا بعد 17 فبراير، قال إن البلاد دخلت فى حالة من الفوضى التى كان لها آثار سلبية خطيرة على وضع التراث الأثرى فى ليبيا، لعل أكبرها الكوارث التى تعرضت لها الآثار الليبية بعد الثورة فى مايو 2011، جريمة سرقة وديعة عُرفت إعلاميا باسم «كنز بنغازي» وكانت قد وضعتها مصلحة الآثار الليبية فى بنغازى فى خزانة أحد المصارف الحكومية، وتعرض المصرف لعملية سرقة مُحكمة، وتعرضت عدة تماثيل وأضرحة للسرقة، وبعض القطع المسروقة وجدت طريقها للأسواق العالمية، وصالات المزادات فى آسيا وأوروبا.
وتعرضت المدن التاريخية لإهمال شديد فى صيانتها، مثل متحف البركة فى بنغازي، ووصل الأمر لهدم مبانٍ تاريخية كقصر الجزيرة فى بنغازي، وتعرضت بقايا كنيسة أثرية من العهد البيزنطى لتدمير وجرف تام فى فبراير 2011 بغرض الاستيلاء على الأرض المقامة عليها، ولعل الإدارة السيئة لمصلحة الآثار الليبية، وعدم اهتمام وزارة الثقافة، زاد من سوء الموقف ولم يتمكنوا من وقف التعديات التى تتعرض لها الآثار فى ليبيا، حيث شهدت عدة أراض مصنفة كمناطق أثرية أو مقابر رومانية وإغريقية تعديات من قبل مواطنين طامعين فى تقسيم تلك الأراضى وبيعها فى ظل الفوضى التى شهدتها ليبيا بعد انهيار الدولة.
واستنكر الدكتور على جمعة - المفتى السابق للديار المصرية - الاعتداءات على الآثار الإسلامية الليبية، واصفا المعتدين على الأضرحة بخوارج العصر وكلاب النار، الذين يسعون فى الأرض فساداً، ويحاولون إسقاط أهل ليبيا فى الفتن الطائفية والحروب الأهلية».
ثروة اليمن
وعن آثار اليمن بعد الربيع العربى يذكر د. محمد حمدى - متخصص فى آثار اليمن والجزيرة العربية - أن سنوات الثورة والحرب كانت من مدمرة للتراث اليمني، فمن المخاطر التى هددت آثارها ودمرت معالمه هو فكر تنظيم القاعدة والجماعات التابعة لها، حيث دمرت الكثير من المواقع الأثرية، ومنها المدرسة العامرية فى مدينة رداع، واحتلت المدينة واتخذت المدرسة قاعدة عسكرية لها، وحطمت القباب الأثرية التى تضم أضرحة لنهب محتوياتها وتسويتها بالأرض، ونبشوا قبور الأولياء، وتعرض معبد جين الهندوسى بعدن للتدمير على أيديهم، وحصرت هيئة الآثار والمتاحف اليمنية العشرات من حالات التدمير للتراث اليمني، فقد دمر أكثر من 50 موقعا أثريا، منها المدن التاريخية، ومتاحف عدن الحربى وذمار الوطنى وعتق بشبوة، وعدة جوامع، وأجزاء من سد مأرب الشهير ومعالم مدينة زبيد التاريخية اللذان تعرضا لقصف شديد وتدمير ممنهج، ودمرت المعالم الأثرية فى مدينة صعدة وهى المعقل التاريخى للزيدية والحوثيين، وسويت بالأرض نتيجة الغارات.
ذاكرة  العراق
وعن آثار العراق قالت د. رويدا أبو بكر - متخصصة فى آثار وحضارة العراق والشرق الأدنى القديم - ان هناك خطة ممنهجة لتدمير التراث الحضارى فى العراق ونهب آثاره، بدأت منذ احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وما تبعه من سلب ونهب لمحتويات المتحف الوطني، وعلى الرغم من نجاح العراق فى استعادة الكثير من القطع المنهوبة إلا أنه فقد الكثير منها، بالإضافة إلى التعدى على الكثير من المناطق الأثرية التى شهدت عمليات تنقيب على الآثار وسرقة للمخازن الأثرية، والتى قامت بها الجماعات المسلحة لتوفير الأموال اللازمة لعملياتها العسكرية، وشهدت الكثير من المواقع التاريخية تدميرا نتيجة عمليات إرهابية من قبل تنظيم القاعدة خاصة المساجد الشيعية وأضرحة الأئمة الشيعة.
وعلى الرغم من جهود الأثريين العراقيين لترميم ما دمرته الحرب واستعادة ما نهبته العصابات المسلحة، إلا أن تراث العراق نهب مرة أخرى مع ما عرف بتنظيم داعش من سوريا إلى العراق، واستيلائه على مناطق ذات تاريخ تراثى مهم، حيث عمل على تدمير بعض المواقع التراثية بحجة دينية على اعتبار أنها أماكن وثنية كالمدن الآشورية والبابلية، غير أن التقارير الدولية تشير إلى أن داعش يستمد جزءا مهما من اقتصاده من التجارة فى الآثار العراقية المنهوبة من المتاحف ومن عمليات التنقيب، واستخدام مواقع التواصل الإجتماعى لبيع تلك القطع الأثرية عبر وسطاء مقابل أسعار زهيدة، وعند استيلائهم على الموصل اقتحموا المكتبة التى تضم نحو 8000 من الكتب والمخطوطات النادرة وعلى 2500 كتاب، ثم أحرقوا الكتب التى صادروها، ودمروا التماثيل النادرة فى متحف الموصل، بحجة كونها من الأوثان، وتم جرف مدينة الحضر التاريخية جنوب غرب الموصل بالمعدات الثقيلة بعد نقل آثار وعملات إلى جهة غير معلومة، وذلك بعد يومين من تدمير المسلحين لمدينة نمرود، ثم تجريف معبد وآثار مدينة خورسباد الآشورية شمال الموصل.
الآثار السورية
وفى سوريا تؤكد د. رويدا أن حجم الدمار الذى لحق بالتراث السورى يعادل أضعاف ما لحق من دمار بالتراث العراقى، نظرا لدأب الجماعات المسلحة على إلحاق الأذى به، تارة بنهبه وتارة بتدمير وتارة باتخاذ الأماكن الأثرية القديمة فى المدن كملاجئ ودروع لهم ضد الجيش السوري، ودمرت العمليات العسكرية سوق المدينة القديمة وأجزاء من قلعة حلب الشهيرة، وهى مناطق تنشط فيها عصابات مرتبطة بتنظيم القاعدة، تحفر الأنفاق وتفخخها لمهاجمة قوات الجيش السورى المرابض حول القلعة، وفقدت حلب أجزاء من المدينة القديمة، وكان لتنظيم داعش الدور الأكبر فى نهب وتدمير الآثار السورية، وتشكل تجارة داعش فى الآثار مصدر الدخل الرئيسى لها بعد تهريب البترول، واستولت على مدينة «تدمر» الأثرية وفخخت مبانيها لمنع قوات الجيش السورى من الاقتراب منها.
ونهبت جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة الآثار السورية، ودمرت الأضرحة فى حلب وإدلب، وتؤكد تقارير دولية أن اقتصاديات تجارة الآثار فى سوريا بلغت 2 مليار دولار.