الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إحسان عبد القدوس.. صانع الحب

إحسان عبد القدوس.. صانع الحب
إحسان عبد القدوس.. صانع الحب




إعداد - رانيا هلال

ولد إحسان عبد القدوس فى اليوم الذى يفتح به الناس عامهم وتحديدا فى فجر 1 يناير عام 1919م، وهو اليوم الذى شهد مولد الأعلام والخالدين فى تاريخ بنى الإنسان. فى قرية الصالحية بمحافظة الشرقية، وقت أن كانت مصر العظيمة حبلى بثورة غيرت وجه الحياة السياسية فى القرن العشرين، وكأى صبى مدلل ومنعم تربى بين أحضان والده محمد عبد القدوس ووالدته التركية الأصل روزاليوسف مؤسسة دار روزاليوسف بعيدا عن صخب المدينة وضجيجها.

تدرج إحسان فى التعليم الأزهرى من الكتاب حتى المدرسة إلى أن تخرج فيه ومنه عمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية ثم درس فى مدرسة خليل آغا بالقاهرة، ثم فى مدرسة فؤاد الأول بالقاهرة، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة. ورغم نشأته الدينية والتزامه الإسلامى المأخوذ عن أبيه المعروف بالتقوى والصلاح؛ إلا أن إحسان تمرد على نشأته وتأمل ربيع الأنثى المنتظر ومسائل الانفتاح الجنسى والعذرية بشىء من الليبرالية غير المعهودة فى زمانه ونلاحظ ذلك فى عدد من الروايات والقصص منها: «حالة الدكتور حسن» التى تحولت إلى فيلم سينمائى حمل اسم «أين عقلى» أدت بطولته فاتنة العرب سعاد حسنى أمام محمود ياسين ومن خلال القصة ناقش اضطراب الشاب الريفى بين التقاليد والتقدمية ـ الذى تلقى تعليمه فى أوروبا بعد أن عرف أن زوجته ليست عذراء كما تربى وأحب وتمنى.
بالرغم من التنوع الكبير الذى حظيت به تجربة السرد لدى إحسان عبد القدوس من خلال نشأته الريفية وتعليمه الأزهرى وشهرة والدته ومجدها وصلاح أبيه وتقواه إلا أنه يعتبر الروائى والقاص الوحيد الذى كرسوا أعماله لأدب الرومانسية المتجردة حتى لو تخللتها أحداث درامية فى حيز السياسية أو حيز الحراك المجتمعى الهائل الذى ولد عبد القدوس فى أحضانه وعاش تجارب تحرر المصريين ونضالهم ضد الاحتلال لحظة بلحظة.
أبسط دليل على ذلك أعماله الشهيرة: «أين عمرى عام 1954م، والوسادة الخالية عام 1955م، والطريق المسدود ولا أنام 1957م، وفى بيتنا رجل عام 1957م، وشىء فى صدرى عام 1958م، ولا يجب نسيان رائعته الدرامية التى لا تتكرر عام 1964م عن الحريات الجنسية اللامقننة واللامنظمة للمرأة فى منتصف القرن العشرين والتى حملت عنوان «أنف وثلاث عيون» وحولها بعد ذلك المخرج اللامع حسين كمال إلى عمل سينمائى أدى بطولته ميرفت أمين وماجدة ونجلاء فتحى ومحمود ياسين.
تفرد إحسان عبد القدوس فى سرده القصصى والروائى بسمات لم يحظ بها أدباء مصر كافة بمن فيهم كاهنهم الأكبر نجيب محفوظ صاحب نوبل، وأهمها على الإطلاق بساطة الفكرة الاجتماعية وتجردها من الأيديولوجيات السياسية والعقائدية ولو تتبعنا مسيرة الرواية المصرية فى القرن العشرين ابتداء من الدكتور هيكل والمازنى وتوفيق الحكيم وطه حسين والعقاد وصولا إلى أديب نوبل ورفاقه وحتى من أعقب تلك المرحلة لوجدنا أن لكل منهم قضية سياسية حملت طابعا فلسفيا حاول الروائى أن يدسها فى جيوب النص لتخرج بالرسالة التى أراد كل واحد منهم أن يوصلها إلى من يهمه الأمر.
لكن إحسان عبد القدوس بأسلوبه شديد السهولة وشديد الامتناع فى آن، دس فى جيوب نصوصه أفكارا تقدمية أكثر منها أى شى آخر وخاصة تلك التى تتعلق بالمرأة وتحررها فخرجت رواياته بيضاء للناظرين محدثة الأثر الأكبر والأهم فى نفوس طالبات الجامعات والسيدات المتعلمات وبنات الطبقات الوسطى والراقية فى الخمسينيات والستينيات ومن ثم بدأن فى المطالبة بتسيير أنفسهن وفقا لنموذج المرأة الأوروبية كما أراد إحسان وسعى.
يمكن القول إن السينما العربية قامت روائيا وحواريا على أكتاف رجلين اثنين: نجيب محفوظ ثم إحسان عبد القدوس ومن المعروف أن إحسان شارك فى صياغة قصص وروايات كتبها ولم يكتبها عند تحويلها إلى أفلام سينمائية فقد كتب الحوار لفيلم «لا تطفئ الشمس» الذى أخرجه صلاح أبوسيف عن إحدى رواياته، وكتب الحوار لفيلم «إمبراطورية ميم» الذى أخرجه حسين كمال عن أقصوصة من مجموعة «بنت السلطان»، وكتب حوار «بعيدا عن الأرض» للمخرج نفسه.
اللافت فى تلك الخاصية لدى إحسان عبد القدوس أنه شارك كل من رفيق الصبان وحسين كمال فى كتابة سيناريو عدد من الأفلام المهمة، كما شارك سعد الدين وهبة ويوسف فرنسيس فى كتابة سيناريو فيلم «أبى فوق الشجرة»، ولذلك نقول بارتياح ضمير إن إحسان هو ثانى أكثر كتاب القصة والرواية إثراء للسينما كمًا وكيفًا، لا يسبقه فى ذلك سوى سيد الرواة وتاج رأسهم: نجيب محفوظ، فقد بلغ عدد الأفلام المأخوذة عن أدب إحسان 42 فيلماً تنوعت مصادرها بين القصة (٣٢ فيلما) بينها ثلاثة أفلام كل منها ثلاث قصص هى: البنات والصيف وثلاثة لصوص وثلاث نساء، والرواية (10 أفلام).
لم يتعمد إحسان عبد القدوس تعميق رواياته بالأفكار السياسية كشأن العادة التى جُبل عليها الرواة المصريين لكن على صعيد الصحافة كتب عبد القدوس عددا من المقالات السياسية التى ضاق بها صدر الرئيس جمال عبد الناصر خاصة بعد أن وشى به عدد من المقربين منه ولذلك أصدر زعيم العرب قراره باعتقال عبد القدوس فى السجن الحربى مرتين. ثم تحول الخريف بين عبد الناصر وعبد القدوس إلى ربيع أخرج الأخير من بين أنياب الأسد ومنحه الرئيس عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عن مجمل أعماله الأدبية.
وفى عصرنا هذا لا يزال عبدالقدوس قبلة الباحثين والطلاب فقد قام الباحث الصينى الجنسية آى خه شيو، أو آسر إبراهيم - كما أسمى نفسه بالعربية- الحصول على  درجة الماجستير بامتياز، عن دراسة بعنوان: الرواية السياسية، دراسة فى نماذج من إحسان عبد القدوس، وذلك تحت إشراف د.خيرى محمد دومة، وبمناقشة د.سيد البحراوى (جامعة القاهرة)، ود.شريف سعد محمد الجيار (جامعة بنى سويف).
تتناول الدراسة، التى تقع فى نحو 200 صفحة، العلاقات بين السياسة والأدب فى روايات الأديب المصرى الراحل إحسان عبد القدوس من خلال رواياته السياسية عبر مراحلها المختلفة، بالتطبيق على: فى بيتنا رجل (١٩٥٧م)، وشيء فى صدرى ( ١٩٥٨م )، وثقوب فى الثوب الأسود ( ١٩٦٢م )، مع عرض آراء النقاد الذين تعرضوا لموضوع الأدب فى علاقته بالسياسة. وقد تتبع الباحث جذور الإبداع والعامل السياسى فى أدب إحسان من خلال تحليل مستويات المكان، والزمان، والشخصيات، والأفكار المحورية، والسرد فى كل رواية على حدة.
ويرى شيو إبراهيم أن السياسة حاضرة فى كل الخطابات والفنون والأجناس الأدبية، وخصوصًا فى فن الرواية، الذى يعكس نثرية الواقع وصراع الذات مع الموضوع، والصراع الطبقى والسياسى، والتفاوت الاجتماعى، وتناحر العقائد والأيديولوجيات، والتركيز على الرهان السياسى من خلال نقد الواقع السائد واستشراف الممكن.
وينقسم بحث شيو إبراهيم إلى بابين، حيث يتناول الأول المفهوم النظرى الرواية السياسية، والعلاقة بين الأدب والسياسة، وآراء النقاد حول الأدب السياسى، ويتناول الباب الثانى نشأة الفكر السياسى وتطوره عند إحسان، والتأثير الذاتى والتأثير الخارجى، والتحليل السياسى للروايات المختارة، فضلًا عن الخاتمة والنتائج، وأخيرا المصادر والمراجع والقائمة الببليوجرافية التى تضمنت قائمة بأعمال إحسان والكتب والدراسات الجامعية التى تناولت حياته وأعماله بالعربية والإنجليزية والصينية.