الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

بالوقائع التفصيلية والوثائق: الاعترافات «الأمريكية» حول برنامج تغيير «الأنظمة العربية»!

بالوقائع التفصيلية والوثائق: الاعترافات «الأمريكية» حول برنامج تغيير «الأنظمة العربية»!
بالوقائع التفصيلية والوثائق: الاعترافات «الأمريكية» حول برنامج تغيير «الأنظمة العربية»!




يكتب: هانى عبدالله
فى كتابه، الصادر فى مايو من العام 2012م، تحت عنوان: (أرابيسك أمريكية: الدور الأمريكى فى صناعة الثورات العربية - Arabesque Americaine: Role des Etats Unis dans les revoltes de la rue Arabe)، يقول الأكاديمى الكندى – من أصل جزائرى – «أحمد بن سعادة»: إن العشرات من مؤسسات المجتمع المدنى – من دول الشمال الإفريقى إلى بلدان «الشرق الأوسط»، والدول الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجى – قد استفادت من برامج التكوين، والتدريب، و«التأطير»، والتمويل التى ظلت توفرها المؤسسات الأمريكية تحت مسميات وعناوين «مختلفة».. لكنها – أى:  تلك البرامج – كانت تلتقي، فى النهاية، حول المضمون نفسه.. إذا كنت تستهدف – إجمالاً – تغيير ملامح خريطة المنطقة.. ومن ثمَّ.. كان أن لعبت السفارات الأمريكية دورًا ميدانيًا كبيرًا فى مختلف الدول العربية «المستهدفة»؛ بعيدًا عن الدور الذى تحدده القوانين، والأعراف الدوليّة (!)

بعد ما عُرف بـ«ثورات الربيع العربى».. عينت «واشنطن» السفير «ويليام تايلور» فى رئاسة المكتب الخاص بتنسيق تحولات «الإدارة الأمريكية» ببلدان الشرق.. وهو «دبلوماسي» متخصص فى «صناعة وتوجيه الثورات»!
فى أعقاب تفجير فضيحة «ووتر جيت»؛ كان أن اختلطت الأمور، لسنوات طويلة، داخل (وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية - C.I.A) - خاصةً خلال النصف الأخير من السبعينيات– إذ اكتسبت الوكالة سمعة «نابية» بصورة مفرطة.. مما سبب حرجًا لأصحاب النفوذ داخل الوكالة الأمريكية «الأشهر».. وبالتالى.. كان لا بد من عمل شىء ما. لكن.. ما تم عمله – وفقًا لـ«ويليام بلوم» - لم يتطرق إلى وقف «الأعمال الشائنة» التى تورطت بها الوكالة.. بل تم تحويل كثير من هذه الأشياء «الشائنة» إلى منظمة جديدة.. منظمة تحمل اسما له رنين «لطيف»، هو (الصندوق الوطنى للديمقراطية - N.E.D).. وكانت الفكرة؛ أن يفعل الصندوق، أو «الوقف الوطنى» علنًا.. ما ظلت C.I.A تعمله «سرًا» خلال عقود مضت(!) .. وبذلك تزيل «الوصمة» المرتبطة بأنشطة الوكالة السرية (!)
وهكذا.. كان أن تم تأسيس «الصندوق» الجديد، خلال العام 1983م– فى ظل رئاسة رونالد ريجان للولايات المتحدة– لدعم ما أُطلِقَ عليه «المنظمات الديمقراطية» فى العالم(!)
وينبه «بلوم» فى كتابه (الدولة المارقة) إلى أن الوصف، الذى ألحقته الإدارة الأمريكية بالصندوق غير دقيق.. إذ فضّلت الولايات المتحدة وصف الصندوق بالمنظمة “غير حكومية”؛ لأن ذلك يساعدها على الاحتفاظ بمصداقية معينة فى الخارج، لم تتوافر فى حينه لـC.I.A، إذ ينقل “بلوم” عن ألن واينشتين– الذى شارك فى وضع مشروع الصندوق– قوله فى العام 1991م: «إنَّ كثيرًا مما نفعله اليوم، كانت تقوم به وكالة الاستخبارات المركزية «C.I.A»، منذ 25 عامًا».
وعقب تأسيس «الصندوق الوطنى للديمقراطية»، الذى تُوفِّر ميزانيته الحكومة الأمريكية الفيدرالية، عبر وزارة الخارجية الأمريكية، فى العام 1983م.. كان أن استقرت «الولايات المتحدة» على تأسيس 4 هيئات تابعة، لتلقى أموال الدعم المقرر من الصندوق.. وكانت هذه الهيئات، هى:
المعهد الجمهورى الدولى «IRI»، والمعهد الديمقراطى الوطنى للشئون الدولية «NDI»، و”المركز الأمريكى للتضامن العمالى الدولى» - وهو مركز يتبع اتحاد العمال الأمريكي، ومؤتمر المنظمات الصناعية - و«المركز الدولى للمشروعات الخاصة»، ويتبع الغرفة التجارية الأمريكية.
ومن ثمَّ.. شرع «الوقف الوطنى للديمقراطية» - الطبعة المنقحة من «C.I.A» - فى تمويل العديد من المنظمات، خلال السنين التالية لتأسيسه بمنطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن العديد من البلدان الأخرى، مثل دول أمريكا اللاتينية، التى لعب داخلها “مركز التضامن العمالى”، المدعوم استخباراتيًا العديد من الأدوار؛ لإفساد البنية الاشتراكية لهذه الدول.
لكن.. كان لاتجاه بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط – خاصة مصر – نحو الاقتصاد الحر، أثر ملموس فى الحد من توغل “مركز التضامن العمالى”، على غرار ما حدث مع دول أمريكا اللاتينية فى الماضى .. وبالتالى.. كان أن تركز نشاط “الصندوق” فى مصر، خلال السنوات الماضية، على كلٍ من المعهدين: الجمهورى، الديمقراطى.. إذ ضمت “تركيبة” الوجوه الفاعلة داخل المعهدين، العديد من القيادات الأمنية الأمريكية “المعروفة”.. وهى تركيبة تسمح بما لا يدع مجالاً للشك، بالاستفادة من خبرات هذه العناصر “الأمنية والسياسية”، فى لعب الدور الاستخباراتى المنوط بها، عبر منظمات المجتمع المدنى.
.. فكيف بدأت – إذًا – فصول تلك القصة(؟)
(1)
فى أعقاب انهيار “الاتحاد السوفيتى”، ودول أوروبا الشرقية - نهاية ثمانينيات القرن الماضى - قامت “الدول الغربية” – وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية – بتوجيه التمويلات، التى كانت مخصصة لتفكيك الاتحاد السوفيتى إلى منطقة الشرق الأوسط؛ لإحداث تغييرات «جذرية» فى الأفكار والمعتقدات؛ تأسيسًا على تكتيكات (القوة الناعمة – soft power).
وكان من أهم الآليات التى اعتمدت عليها القوى الغربية – فى هذا السياق - “مؤسسات المجتمع المدني”، عبر تدشين ظاهرة المجتمع المدنى العالمي؛ إذ تخطت هذه الظاهرة حدود الدول، مُحدِثة تغييرات “جوهرية” فى بنية النظم الحاكمة للعديد من البلدان، اعتمادًا على استقطاب قطاعات “محددة” من قوى المعارضة بهذه الدول، خاصة بلدان “الشرق الأوسط”، بما يحقق المصالح الغربية وأهدافها الاستراتيجية بدول المنطقة.
كما امتدت – أيضًا – هذه السياسات، لدول “الشرق الأدنى”؛ للحد من نفوذ دولتى (روسيا، والصين).. وهو ما أفرز بدوره مشروع “الشرق الأوسط الكبير”؛ إذ كان أحد مستهدفات هذا المشروع “الرئيسية”، هو السيطرة على ثروات دول المنطقة العربية.. وهو ما لم يكن بعيدًا، بأى حال من الأحوال، عن تدخلات الأجهزة الاستخبارية للدول الغربية – خاصة الاستخبارات الأمريكية – التى عملت على هذا المشروع منذ وقت مبكر، عبر خلق “غطاء دولي” جديد لتحركاتها.
.. وكان هذا الغطاء – كما بينّا - هو (الصندوق الوطنى للديمقراطية – NED)؛ إذ كان بمثابة الوجهة القانونية (الناعمة) لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.. وقد تمكنت هذه المؤسسة (الواجهة) عبر سنوات خلت من نشر أضخم شبكة فساد على مستوى العالم، إذ نجحت فى تجنيد العديد من النقابات العمالية، ومدراء الشركات، فضلاً عن «أحزاب سياسية» من اليمين واليسار، ومؤسسات المجتمع المدنى على حد سواء؛ بغرض الدفاع عن «المصالح الأمريكية» نيابة عن أعضائها (!)
وتدريجيًّا.. وفى ظل برامج «الشراكة» بين الجهات الأمريكية «المانحة»، ومنظمات المجتمع المدني، والحركات الاحتجاجية داخل العديد من بلدان «الشرق الأوسط» – ومنها: مصر – كان أن تحولت تلك التحركات إلى برامج كاملة؛ لتغيير الأنظمة بالمنطقة.. والارتباط – فى المقابل - وتيار «الإسلام السياسي»، نيابةً عن تلك الأنظمة.
 (للمزيد من التفاصيل عن برنامج الارتباط هذا؛ يمكن مراجعة الفصول الثلاثة الأولى من كتابنا: «كعبة الجواسيس» – ط \ مركز الأهرام للنشر - 2015م).
(2)
يمكننا، فى سياق تتبع الوثائق الأمريكية المفرج عنها – مؤخرًا – فيما يتعلق باستراتيجيات تغيير أنظمة «الشرق الأوسط»؛ ملاحظة أن تلك الاستراتيجيات لم تكن وليدة اللحظة.. إذ طُرحت فى بادئ الأمر على إدارة «الجمهوريين» داخل «البيت الأبيض».. وهو ما تمخض، بدوره، عن طرح فكرة تقسيم الشرق الأوسط، بشكل أكبر، اعتمادًا على الشركاء «الإسلاميين».. واستخدام «الحركات الاحتجاجية»، والمنظمات الحقوقية - الممولة أمريكيًّا – فى تمهيد الشارع أمام تلك القوى، عبر مفاهيم «الفوضى الخلاقة»، وصناعة «الثورات الملونة» بالشرق الأوسط (Color Revolutions Agenda in the Middle East)، بما يصب – فى النهاية – نحو تعزيز المصالح، والأهداف الأمريكية على حساب مصالح، واستقلال، ووحدة أراضى دول المنطقة(!)
فحتى اللحظة.. وعلى الموقع الخاص بـ«البيت الأبيض»؛ يمكن للعديد من المتصفحين الوصول إلى التوجيه الرئاسى رقم 10 (Presidential Study Directive 10) أو (PSD-10).. وهو توجيه خاص بحظر «الإبادة الجماعية».. لكن.. عبثًا ستفعل، إن حاولت الوصول إلى التوجيه الرئاسى رقم 11 (PSD-11).. وهو التوجيه الخاص بالارتباط مع قوى «الإسلام السياسي» – خاصة جماعة الإخوان - و«الحركات المتعاونة» مع تنظيم الجماعة، أو تلك الداعمة للأجندة الأمريكية؛ من أجل تغيير أنظمة المنطقة (!)، إذ تعاملت إدارة أوباما مع هذا التوجيه باعتباره «توجيهًا فائق السرية».. إلا إنه عرف طريقه إلينا – مؤخرًا - عبر الدائرة البحثية الخاصة بالشرق الأوسط فى «جلوبال ريسرش» (Global Research)، بموجب قانون حرية تداول المعلومات.
فوفقًا للتوجيه الرئاسى PSD-11 .. فإن إدارة أوباما خططت لدعم جماعة الإخوان – منذ اليوم الأول لدخولها المكتب البيضاوى - وقوى «الإسلام السياسي»، و«الحركات الأخرى» المتحالفة معها، إذ اعتقدت – أى: إدارة أوباما - أن هذه الجماعات، والحركات.. متوافقة تمامًا مع الأهداف الخارجية للسياسة الأمريكية.
ومن أجل ذلك؛ تم اعتماد توجيه استراتيجيات مبادرة الشراكة «الشرق – أوسطية» ، من قبل كلٍ من: «بول سانفين»، القنصل الأمريكى العام «السابق» فى أربيل بالعراق، والمسئول الحالى عن «مكتب تل أبيب» بمكتب وزارة الخارجية لشئون الشرق الأدنى.. ومعه نائبته «كاترين بورجوا»، إذ ضمت وزارة الخارجية الأمريكية – قبل ما يُعرف بثورات الربيع العربى – العديد من المهام الأخرى لـ«كاترين»، منها: تطوير «تقنيات المعلومات» بما يسمح بتعزيز أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.. وكانت تلك «الصلاحيات» الإضافية، مقدمة مهمة؛ لإلحاق اثنين آخرين من كبار مسئولى «وزارة الخارجية» فى تطوير، وتوسيع «برنامج الشراكة» بما يسمح بتحويله إلى قوةٍ «فاعلة» لتغيير الأنظمة الحاكمة(!)
.. وفى سبتمبر من العام 2011م؛ تم تعيين السفير «ويليام تايلور» فى رئاسة المكتب الخاص بتنسيق تحولات، واستراتيجيات «الإدارة الأمريكية» ببلدان الشرق الأوسط.. وكان «تايلور» - وهو «دبلوماسي» يكاد يكون متخصصًا فى «الثورات» - قد شغل، فى السابق، موقع سفير الولايات المتحدة لدى «أوكرانيا» أثناء الثورة البرتقالية، خلال الفترة ما بين عامي: 2006-2009م (!)
.. ووفقا للوثيقة؛ فإن مهمة المكتب الذى أداره «تايلور» بالعام 2011م (D/MET) – أي: المكتب الخاص بالمنسق الأمريكى لعملية الانتقال فى «الشرق الأوسط» - كانت تقديم المساعدات الأمريكية لما اصطلح على تسميته بـ«الديمقراطيات الناشئة عن الثورات الشعبية» بالشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، خاصة: مصر، وتونس، وليبيا، على غرار ما حدث فى وسط وشرق أوروبا، من قبل(!).. إذ بينت العديد من المعلومات اللاحقة أن أغلب عمليات الحراك تلك (أي: الحراك الأوروبي، والآسيوي)؛ لم تكن – فى جوهرها – سوى نتاج «خالص» لاستراتيجيات تداخلت فى صناعتها أجهزة الاستخبارات المختلفة، والدوائر الدبلوماسية، ووسائل الإعلام.
كما كانت «منظمات المجتمع المدني»، هى رأس الحربة فى تنفيذ تلك الاستراتيجية.. خاصة: (الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية) (USAID) ، و(الصندوق الوطنى للديمقراطية) (National Endowment for Democracy) ، و(المعهد الجمهورى الدولي) (IRI) ، و(المعهد القومى الديمقراطى) (NDI).. وهى الأطراف، نفسها، التى نشطت فى الدول العربية قبل اندلاع شرارة ما يسمى بـ«الربيع العربى».
(3)
لم تكن، إذًا، عمليات التغيير التى شهدتها المنطقة، وليدة الصدفة – بأى حال من الأحوال – إذ كانت نتاجًا للعديد من التحركات الضاربة بجذورها فى عمق سنوات التعاون «المشروطة» من قبل هيئة المعونة الأمريكية.. وهى تحركات كانت تستهدف – فى المقام الأول – تهيئة «المسرح السياسي»؛ لاستقبال عمليات التغيير – إذا ما اقتضت المصالح الأمريكية ذلك – وتصدير الأمر على أنه نتاج «حراك شعبى داخلي».. وهو ما بدا أثره بشكل واضح، فى أعقاب تخلى مبارك عن السلطة فى مصر.. إذ حاولت «الولايات المتحدة الأمريكية» لعب الدور، نفسه، بصورة أكبر خلال المرحلة الانتقالية.
فبالتزامن مع إسناد مهمة «المكتب الخاص» للسفير «ويليام تايلور»؛ كان أن أصدرت لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ (الكونجرس) فى 12 سبتمبر من العام 2011م، توجيهًا جديدًا لزيادة عمليات «توجيه المعونة»، بما يخدم سياسات واشنطن الجديدة بالمنطقة.. وهو ما انعكس – كذلك – على لغة الاعتماد إلى حدٍّ بعيد(!)
إذ تم التأكيد – حينئذ - على ضرورة إقرار «وزارة الخارجية الأمريكية» – من دون سواها - باتفاق الحكومتين على استخدام المخصصات بما يحقق المصالح الوطنية للبلدين (!).. وكان من بين الشروط الأمريكية؛ وضع «قائمة مطولة» عما يمكن أن تعتبره «واشنطن» تحقيقًا لمصالحها الاستراتيجية بالبلاد.. وكانت تلك القائمة – فى مجملها – تدخلاً سافرًا فى الشأن المصرى «الخاص».. إذ كانت تسعى – فعليًّا – الولايات المتحدة، وقتئذ، لتنظيم العديد من اللقاءات بين من وصفتهم بـ«النشطاء» وقادة عسكريين «أجانب»؛ للتدريب على ما أطلقت عليه «آليات إدارة الفترات الانتقالية»، عبر المعهدين: الجمهورى، والديمقراطى(!)
.. أما كيف مهدت «الولايات المتحدة» المسرح السياسي؛ لاستقبال عمليات التغيير، عبر سنوات خلت.. فتلك قصة أخرى، سنقف على تفاصيلها «كاملة» لاحقًا.