الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سالى الزينى ترسم «الحديقة» محملة بالذكريات

سالى الزينى ترسم «الحديقة» محملة بالذكريات
سالى الزينى ترسم «الحديقة» محملة بالذكريات




كتبت - سوزى شكرى

من منا لا يبحث عن مكان هادئ يذهب إليه كلما ضاقت به ضغوط الحياة وقسوة تجارب الأيام، مكان نجد فيه الراحة والاسترخاء والبهجة، مكان تتحدث فيه مع ذاتك بصوت عال دون أن يتهمك أحد بالجنون، وتلقى بهمومك واحدة تلو الأخرى دون أن يقاطعك أحد، وبعد أن تتخلص من همومك تهدأ وتصغى لنغمات الزهور وتغنى وترقص مع الطيور وترفع يديك إلى أعلى ربما تلامس السحاب وترسم نجمة فى الهواء وتجعلك تبتسم لك وتعطيك إشارة بحلم قادم ، ولكن أين هو هذا المكان؟، هل يوجد مكان يترقب وصولنا بين الحين والحين، أم نصنع نحن واقعًا بديلا عن الواقع، فليكن المكان هو «الحديقة»، فأى حديقة نذهب إليها، إنها حديقة الفنانة سالى الزيني، الحديقة بالنسبة لسالى واحة من الهدوء وعالمها الخاص الذى صنعته بخيالها، وتمنت أن تعيش فيه بأحلامها، حديقتها التى تعشقها بكل ما فيها من مفردات وعناصر مرحة تشع بهجة، فى حديقتها ذكريات الطفولة، وحواديت الجدة، لقاء العشاق، ونزهة العائلة والأصدقاء، لهو الأطفال، انتظار الغائب، سكون الخريف، ودفيء الشتاء، و تأملات الحياة.
 أوقعتنا «الزينى» فى إشكالية أن حديقتها التى عبرت عنها محملة بالذكريات التى لا يمحوها الزمن بعضها ذكريات حزينة وبعضها مرحة، رغم اختفاء العنصر البشرى من كل الأعمال إلا أننا نجد آثار لوجود رواد المكان، طفل ترك حصانه الخشبى الذى يبدو عليه الإرهاق والتعب، أرجوحة معلقة بالزهور ويجلس تحتها شطرنج يؤكد خسارة أحد الأطراف، وطيارة ورقية مقطوعة الخيوط ومعقدة، وقصاصات خطاب تشدو عشقاً وتبحث عن من يلتقط أنفاس حروفها، وزهور تغنى بكلمات الفراق، وفراشات تتأمل المكان فتوقفت وأغلقت جناحيها، كراس خشب عتيقة شاهدة على من اخذوا على أنفسهم العهد باللقاء الثاني، ومنضدة تبدو عليها الشجن، وطيور تداعب بنظراتها زهرة الياسمين فيضحك كل منهم إلى الآخر، وبعد كل ذلك هل تستوعب «حديقة سالى» أن تحكى نحن عن ذكرياتنا، أم نجلس فى حديقتها نسمع ذكريات الحديقة عن راودها الذين رحلوا وتركوا أشياءهم الخاصة، ولازالت الحديقة تنتظر عودتهم، «الحديقة» ترجمة بصرية تشكيلية ووجدانية للحياة، والأحلام المؤجلة، والأحلام التى تتحقق فى الأحلام، الحديقة ذكريات باقية.
الفنانة سالى الزينى مدرس بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة قدمت معرضها التشكيلى الجديد بعنوان «الحديقة» بقاعة كلية الفنون الجميلة بالزمالك ، سالى الزينى فنانة تشكيلية متمردة على الأيام لم تعط للآلام مساحة فى ذكرياتها، قد تستدعى الألم للحظات لتبعث منه الأمل، متمردة أيضا على القواعد الفنية النمطية رغم إتقانها لها، إلا إنها تفضل أن تخاطب المتلقى بلغته وليس بلغة دارسى الفنون، قدمت الفنانة 20 لوحة فى مساحة 60 سم فى 60 سم، مرسومة ومنفذة على ورق يدوى الصنع من «قش الأرز» بعد أن أعيد تدويره، كما استخدمت قصاصات الكولاج وأقمشة الدانتيل وأضافت بعض الزخارف الخطية السردية القادمة من مخزون التراث الانسانى الشعبى الذى ميز أعمالها، كما اختارت بعض من النصوص الشعرية وقصائد للشعراء المصريين والعرب والأجانب الذين كتبوا قصائد استلهموا موضوعاتها من تأملهم جلسات الحدائق حيث جلسات الإفطار والقهوة والنافورة وصندوق البريد الجالس بانتظار المراسلات، منهم الشاعر سعدى يوسف، أمل دنقل ،ادونيس، نزار قبانى، وجيورجس سيفيريس وغيرهما.
صاحبت كل لوحة نص شعرى وسميت اللوحة باسم النص باستثناء نصين كتبتهما «الزينى» لتعبر عن ذاتها، الأعمال ليست مشهدا أو لقطة مباشرة من القصائد ولكنها استلهام حسى وحالة فكرية ترجمت بلغة تشكيليه، قدمت صياغة فنية ومعالجة تجمع بين البساطة والدقة بالرغم من اختزال التفاصيل، التحاور بالخط المحمل بالطاقة والحيوية واللون المبهر الهادئ بدون تدريج يشغلك عن المحتوى، جمعت بين العمق الفنى وعمق المضمون بالربط بين الرسوم والنصوص الأدبية.
حديقة الفنانة سالى الزينى التشكيلية يطلق عليها فنياً «كتاب فنان»، وهى رسوم إيضاحية تعبر عن صفحات من كتاب خاص بالفنان، يصنع الفنان الكتاب من نسخة واحدة يدوية، ومن أوراقه الخاصة وخاماته وأدواته ومفرداته وعناصره يرسمها على مسطح الورق، مستعينا ومستلهماً من النصوص الأدبية مادته الفكرية التى تصاحب الرسوم، بعض النصوص يكتبها الفنان بنفسه، وهذا النوع من الكتاب كان موجود قديمًا قبل اكتشاف الطباعة،عندما اخترع المصريون القدماء أوراق البردى لتوثيق وتدوين حياتهم على اليومية وللتواصل مع مجتمعات أخرى.