الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حمزة قناوى: المبدع الحقيقى مكانه على يسار السـُلطة

حمزة قناوى: المبدع الحقيقى مكانه على يسار السـُلطة
حمزة قناوى: المبدع الحقيقى مكانه على يسار السـُلطة




حوار - خالد بيومى

مؤخراً نال الشاعر المصرى المقيم فى الخارج حمزة قناوى، جائزة شعرية عن ديوانه «الغريب- قصائد باريس»، كأفضل ديوان يتناول فكرة الحرية والإنسان، وتسلَّم الجائزة من القنصلية المصرية فى باريس، التى نظَّمت المسابقة، بعدها عاد إلى مصر ليُرتِّب إجراءات مناقشة رسالته للماجستير عن «السُّلطة فى أعمال صنع الله إبراهيم» بكلية الآداب، جامعة عين شمس.
«روز اليوسف» حاورت الشاعر الذى احتفى أيضاً بإصدار مجموعته القصصية الأخيرة «باتجاه الطريق»، الصادرة عن دار «الثقافة الجديدة» بالقاهرة فإلى نص الحوار.

■ أين أنتَ من المشهد الثقافى المصرى وموقعك من الجيل الذى تنتمى إليه أدبياً فى مصر؟ لماذا يعرفك الكثيرون خارج مصر أكثر من الداخل؟
- هذا سؤال موجِع، لأنه يُرسِّخ فى نفسى حقيقةً أحاولُ مقاومتها طيلة الوقت وهى أن تكون لى بصمة وحضور فى بلدي. أكتب فى مجلة «دبى الثقافية» وفى «القدس العربى» اللندنية، ولكنى فى النهاية أحاول أن أتواجد فى صحافة مصر وفى دورياتها الأدبية، بين الوقت والآخر أنشر نصوصاً وكتابات فى «أخبار الأدب» و«الهلال» و»المجلة» و«فصول»، أعرف قيمة ومعنى مصر والتحقُّق فيها، حتى وإن كانت متراجعةً شيئاً ما على الصعيد الثقافى لظرفها الحضارى الراهن واستقطاب عواصم عربية أخرى لفكرة «العمل الثقافي» وليس «إنتاجه» أو «خلقه»؛ والفرق هائل بين الأمرين. من أين يُمكن لمجلةٍ ما- أياً كانت إمكاناتها المادية- أن تشترى تاريخاً عريقاً كتاريخ «الهلال» مثلاً؟  للغربة أيضاً دور فى ابتعاد حضورى عن مصر، فأنا مقيم فى الخارج منذ عشر سنوات، ولكن روحى لم تغادر مصر لحظةً، فمجموعتى القصصية الأخيرة صدرت من مصر، وروايتى الأولى أيضاً، وديوانى الأول، ورسالتى للماجستير عن أحد أهم كُتَّاب مصر، ومن جامعتي.. جامعة عين شمس، وأعز جائزة حصلت عليها بالنسبة لى تحمل اسم أحمد بهاء الدين.
وإن كنت أشعر بالمرارة – والسخرية أيضاً- من القائمين على العمل الثقافى فى مصر، لجنة الشعر، ووزارة الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة، وهيئة قصور الثقافة، وإدارة البرامج والمهرجانات. فلليوم شاركت فى أكثر من إثنى عشر مهرجاناً دولياً للأدب فى العواصم العربية والعالمية، إما مدعوَّاً مباشرةً من منظمى المهرجانات أو من خلال ترشحى مباشرةً للمهرجان من وزارات ثقافة الدول المستضيفة، دون أن تدعمنى مصر مرةً واحدة. وآخرها الاحتفالية التى أقامها المغرب للشاعر المصرى الكبير أحمد فؤاد نجم فى معرض كتاب الدار البيضاء، ودعانى «بيت الشعر المغربي» لأتحدث عن نجم فى أمسية احتشدت بآلاف الحضور، وتحمل الصندوق العربى للثقافة جزءاً من تكلفة سفري، بينما جاء المشاركون المصريون على حساب وزارة الثقافة المصرية، وهو ما تكرر معى فى الجزائر واحتفالية معرض الكتاب بصفاقس ومهرجان شعوب الربيع العربى فى بيروت. كنت دائماً وحيداً على طائرةٍ، بلا دعم. أفكر فيما سأُقدِّمه. بينما المشاركون المصريون يسبِّحون بحمد وزارة الثقافة المصرية. وبالمناسبة فهذا أفضل. ألا تكون مديناً لأحد، ليشترى ولاءك وكلمتك، خاصةً مؤسسات الدولة الثقافية، أن تكون حُرَّاً وحياً. ما يحزننى فقط أننى عندما أحصل على جائزة أو أشارك فى مؤتمر دولى فإنها تكون باسم بلدي، مصر. فأين مصر من الالتفات إلى أحد أبنائها الذين لا يعملون سوى لاسمها؟ لا أعرف.. ولم أعد أفكر.
■ أصدرت لليوم سبع مجموعات شعرية، وروايتين، ومجموعة قصصية واحدة.. هذا التنوُّع الإبداعى ألا يُفقدك بوصلة الكتابة؟ وما هو مشروعك القادم؟
- اعترف أن الكتابة فى أكثر من شكل من أشكال الفن قد لا تُرسِّخ اسم المبدع فى مجال بعينه، ولكنى فى النهاية مؤمن بفكرة أن الخطاب الإبداعى المتعدِّد يُنتَج وِفق الرسالة الإبداعية التى يريد المبدع إيصالها، فالشعر على سبيل المثال بلغته العليا واعتماده على التكثيف والصورة والإيقاع يؤدى رسالة تواصلية مع المتلقى قد لا تتحقق لفن الرواية، المعتمد على تصوير الواقع بتشكيلاته المختلفة وتشريح سوسيولوجيا المجتمع باللغة والنفاد إلى طبقات هذا المجتمع المتعددة عبر مرآوية اللغة وطبقاتها أيضاً، وعبر فنيات الحكى وتناول طبيعة الشخصيات الإنسانية وآليات السرد والاشتغال على الترميز أو المباشرة، والقصة القصيرة أيضاً لها مجالها الحيوى المغاير للفنين السابقين- وإن كانت تأخذ منهما، فكل الفنون تتراسل. وفيما يتعلق بما قدّمته، كان الشكل الفنى يفرض نفسه على رسالتى التى أريد كتابتها: شعراً أو روايةً أو قصة قصيرة، وإن كنت أعتز بكونى شاعراً.
أما عملى القادم فهو ديوان شعرى بعنوان (لا شىء يوجعنى)، قدَّم له الناقد الكبير د. محمد عبد المطلب، وسيصدر مع كتاب مجلة «الرافد» الإماراتية فى العام الحالي.
■ بين الشعر والرواية والقصة القصيرة- والنقد أيضاً- من الذى أسهم فى تكوينك الثقافى، مُفتِّحاً وعيك على العالم ورؤاه الأدبية والفنية؟
- كثيرون أسهموا فى ذلك. وأولهم الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم، الذى أعتبر نفسى «تربيت فى بيته» أكثر من معايشتى لبيتنا. كنت فى مراحل التكوين الأولى، فى الجامعة، أهرع إلى منزله فى مصر الجديدة كلما قادتنى المسارات إلى أسئلة لا أعرف لها إجابات. أسئلة حول القيم والضمير والسلطة والكتابة وموقع المثقف من الدولة ومؤسساتها، وحول الحقيقى والزائف. وكان دائماً رحب الصدر وقريباً ونبيلاً فى صبره عليَّ. صنع الله ابراهيم له فضل كبير عليَّ من البدايات، منذ عشرين عاماً إلى اليوم، وتعلمت منه الكثير، وليس أقله احترام الإنسان لنفسه واعتداده بالتاريخ الذى سيتركه خلفه، فكل المظاهر الأخرى من شهرة وجوائز وعلاقات مع النقاد.. كلها زائلة وبلا معنى أمام الكتابة التى سيتركها المرء شاهدةً عليه إلى جانب مواقفه. وأحياناً كان يؤنِّبنى بحزم وأُبوَّة ليرسِّخ فى نفسى قيمة ما. مازال بيته بالنسبة لى يمثل أجمل الأماكن فى القاهرة.
هناك الكثيرون أيضاً لهم يدٌ كبيرة فى دعمى وتكوينى من البدايات، طبعاً أنور عبد الملك، الذى كان أبى الروحي، رحمه الله، ود. فكرى أندراوس، ود. ثناء أنس الوجود رحمها الله، التى توفيت من فترة قصيرة للغاية بعدما أشرفت على رسالتى للماجستير من بدايتها، ولم يُمهلها القدر أن تشاهدنى أناقشها. وأنا أهديها إلى روحها.
■ مررت سريعاً على اسم د. أنور عبد الملك، رغم ارتباط اسمك به فى مصر فى عملك الروائى الأول «المثقفون»، وروايتك الثانية الصادرة عن دار الآداب «أوراق شاب مصري»؟
- أنور عبد الملك من أنبل البشر الذين التقيتهم فى الحياة، ولكنه ترك لى تاريخاً ثقيلاً أحمله على ظهري، فمثلاً كان يُفتَرض أن يسجل مذكراته فى آخر حياته ويصدرها فى كتاب، وقد عملنا قليلاً فى هذا المشروع قبل أن أعتذر عن مواصلة العمل معه وأغادر مصر كلها. الآن.. لا أعرف مصير هذا المشروع، ولا مصير مؤلفاته وآلاف الكتب التى كانت فى بيته، كانت بحوزتى أوراقٌ ومقالات لم ينشرها من قبل، وبقليل من البحث قد أجدها، ولكن السؤال الأخلاقى الذى يطرحه عليَّ ضميرى دوماً: هل إصدار مثل هذا العمل يحق لي؟ للآن لم أصل إلى إجابة مُطمئنة، فأُحجِم عن الأمر.
وكان الشاعر المثقف سعد عبد الرحمن قد وعدني- حين كان رئيساً لهيئة قصور الثقافة- بأن يُخصص قصر ثقافةٍ باسمه أو متحفاً صغيراً يجمع آثاره الفكرية، غير أن الفكرة لم تتحقق للأسف ولا أعرف السبب، رغم ثقتى فى كفاءة ومصداقية سعد عبد الرحمن.
■ فى كتابك الأول «المثقفون» مررت على نماذج مختلفة من المثقفين، من المتصالحين مع المؤسسة الثقافية، والحاصلين على امتيازاتها، هل مازلت على موقفك منهم بعد مرور كل هذه السنوات؟
نعم. مازلت على موقفى منهم ومن المؤسسة الثقافية المصرية، لأنه- ببساطة- لم يتغير شيء. كل ما يحدث فى الوسط الثقافى مازال يتكرر فى مصر سواء فى «وهب» الجوائز، أو التمثيل بالمؤتمرات، أو مِنح التفرُّغ، أو الشللية. منطق لعبة الكراسى الموسيقية وتبادل المواقع وتبديل الأدوار (مع الاحتفاظ بنفس الوجوه) مازال هو السائد والمسيطر على العمل الثقافى المؤسسى فى مصر، والمثقفون بعيدون عن الناس، غارقون فى تناقضاتهم ومصالحهم الضيقة.