الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أزهر الشيخان (1-2)

أزهر الشيخان (1-2)
أزهر الشيخان (1-2)




محمد عبد الشافى  يكتب:


أكتب سطورى لجيل شرد عن سرب مجتمعنا بسبب أفعالنا نحن الكبار بعد أن تركناه وهمشناه.. بسبب «أب» انشغل عنه بالجرى ليل نهار للحصول على لقمة العيش بسبب «مُعلم» شغلته عنه الدروس الخصوصية.. بسبب «رجل دين» أعطاه ظهره وسخر علمه فى فتوى عن أشياء لا تفيد.. بسبب صحفى أو إعلامى وجه قلمه لنفاق صاحب سلطان أو تحقيق مصلحة شخصية بسبب «مسئول» اهتم بإقامة الكبارى والجسور ولم يهتم ببناء العقول فلا عرف مصر ولا تاريخها.. اكتب له سطورى داعيًا الله أن يعيننى على مساعدته للعودة مرة أخرى إلى ذاكرة الوطن..أحكى أولى حكاياتى لكم عن الأزهر الشريف فى عصر ازدهاره وريادته وتصديره لعلم الدنيا والدين لكل دول العالم ما عرفناه من علماء الأزهر قديمًا إلا ملوكًا لا أمر فوق أمرهم ولا كلمة بعد كلمتهم، إذا دعا أحدهم هبّ الشعب ، وإذا أنكر على الحكومة أمرًا سارعت بإزالة المنكر، فعندما قدّمت حكومة فهمى باشا 1998 مشروعًا لتعديل اللائحة الشرعية إلى المحكمة الشرعية العليا ومجلس الشورى استجابة لرغبة الإنجليز لإضعاف القضاء وكان من بين أعضاء المجلس الشيخ حسونة النوواى الذى رفض المشروع وانسحب من جلسة المجلس فتحاول الحكومة إقناع الإمام محمد عبده والزعيم سعد زغلول بالانضمام للمجلس لتمرير المشروع فرفضا ووقفا إلى جانب الشيخ حسونة فتسترد الحكومة مشروعها وتُهزم شر هزيمة.. لذا وبفضل هؤلاء الرواد كان الأزهر لسنوات طويلة رمزًا للنضال ومواجهة الظلم والمتجبرين فبرز دوره الرائد ضد الاحتلال الفرنسى وكان للأزهر هيبته فى عهد الملك فاروق فكان يوقره ويقدره بفضل شيوخه الأقوياء الذين لا يطمعون فى منصب أو جاه.. إذن لا يفوتنا أن نعرض هنا لسيرة هؤلاء العظماء فاسمحوا لى أن أعرض عليكم سيرة لشيخين من هؤلاء.
أولهما فضيلة الشيخ محمد مصطفى المراغى المولود فى بلدة المراغة بمحافظة سوهاج، حصل على الشهادة العالمية 1904 ثم اختاره الإمام محمد عبده ليعمل قاضيًا بالسودان حتى 1907 حتى قدم استقالته بسبب خلافه مع الحاكم العسكرى الإنجليزى بالسودان ثم تولى المحكمة الشرعية العليا 1923 فشيخًا للأزهر 1928 وكان معنيًا بإصلاح الأزهر ولما وجد عقبات تحول بينه وبين ذلك استقال 1929، وفى أبريل 1935 أُعيد تعيينه شيخًا للأزهر بعد اندلاع مظاهرات طلاب الأزهر للمطالبة بعودته لتحقيق ما نادى به من إصلاح وظل شيخًا للأزهر حتى وفاته فى 22 أغسطس 1945.
 ■  آراؤه واتجاهاته.. إصلاح القضاء كان شغله الشاغل لتحقيق العدل وكان يرى أن القاضى يستمد أحكامه من القرآن والسنة النبوبة ولا سلطان لأحد عليه سوى ضميره دون الخوف من حاكم فشكل لجنة برئاسته لإعداد قانون الأحوال الشخصية ووجهها بعدم التقيد بمذهب الإمام أبى حنيفة فقط الذى كان معمولاً به آنذاك بل بضرورة الأخذ من المذاهب الأخرى.
■  إصلاح الأزهر.. قدم قانونًا لإصلاح وضع الأزهر للملك فؤاد الذى رفضه فما كان من الشيخ إلا أن تقدم بالاستقالة فقبل الملك الاستقالة إلا أن إضراب طلاب وعلماء الأزهر عن الدراسة لأكثر من 14 شهرًا أجبر الملك على إعادته شيخًا للأزهر.
■  مواقفه.. رفض فكرة اشتراك مصر فى الحرب العالمية الثانية 1945 سواء بالتحالف مع الإنجليز أو مع الألمان وقال بصراحة «إن مصر لا ناقة لها ولا جمل فى تلك الحرب» فأحدثت هذه الكلمة ضجة هزت الحكومة المصرية فما كان من حسين سرّى باشا أن اتصل بالشيخ مهددًا فرد عليه الشيخ قائلاً «أمثلك يهدد شيخ الأزهر» فلو شئت لارتقيت منبر مسجد الإمام الحسين وأثرت عليك الرأى العام، بعدها هدأت العاصفة لأن الإنجليز أرادوا أن يتفادوا الصراع مع الشيخ لعدم إثارة الرأى العام فى مصر.
■  رفض الاستجابة لطلب الملك فاروق بإصدار فتوى تحرم زواج الأميرة فريدة طليقته من أى شخص آخر بعد طلاقها قائلاً «أما الطلاق فلا أرضاه، وأما التحريم بالزواج فلا أملكه، إن المراغى لا يستطيع أن يحرم ما أحله الله».
ثانيهما الإمام الدكتور عبد الحليم محمود.. ولد بقرية أبو أحمد مركز بلبيس محافظة الشرقية فى 12 مايو 1910 حصل على العالمية 1932 ثم الدكتوراة فى الفلسفة الإسلامية من فرنسا 1940، عُين أمينًا عامًا لمجمع البحوث الإسلامية فوكيلاً للأزهر 1970 فوزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر.
■  شياخته للأزهر.. صدر قرار تعيينه فى 27 مارس 1973 فى ظروف بالغة الحرج بعد 10 سنوات من صدور قانون 1961 الذى قلص سلطات شيخ الأزهر، وما كاد يمارس أعباء منصبه حتى بوغت بقرار الرئيس السادات فى 7 يوليو 1974 الذى كاد أن يجرده مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف فقدم الشيخ استقالته على الفور وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه ورفض راتبه فأحدثت هذه الاستقالة زلزالاً فى العالم العربى والإسلامى فما كان من أحد المحامين الغيورين برفع دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى مطالبًا بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية، فاستجاب السادات أمام هذا الموقف الملتهب وأعاده لممارسة مهام منصبه.
■ مواقفه.. تصديه لحكم المحكمة العسكرية فى قضية جماعة التكفير والهجرة دون الرجوع إليه بل وتضمن حكمها الهجوم على الأزهر وشيوخه واتهمتهم بالهروب من مواجهة القضية.. أغضب هذا الحكم الإمام فأصدر بيانًا اتهم المحكمة بالتعجل وعدم التثبت وأنها لم تكن مؤهلة للحكم وتجهل موضوع القضية وأنها لم تمكن الأزهر وعلماءه من الإطلاع على أداء هذا التنظيم والظروف التى أدت بهم إلى هذا الفكر.
■  سارع فى التحرك لنبذ الخلاف الذى نشب بين المغرب والجزائر بشأن مشكلة الصحراء الغربية الذى أدى إلى حدوث مناوشات عسكرية كادت أن تتحول إلى حرب شنعاء فأرسل برقيتين إلى ملك المغرب ورئيس الجزائر دعاهما إلى التغلب على الشقاق والفرقة، كما أرسل أخرى للملك خالد بن عبدالعزيز عاهل السعودية واتصل بالرئيس السادات يدعوه للتدخل للصلح بين القطرين الشقيقين.. فكان لهذه البرقيات تأثير السحر فى هدوء الوضع بين الدولتين.. توفى الإمام فى صبيحة الثلاثاء 15 ذو القعدة 1397هـ - 17 أكتوبر 1978 تاركًا نموذجًا لما يجب أن يكون عليه شيخ الأزهر، تلك نصف الحكاية والأسبوع المقبل نكملها.