الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

واحة الإبداع .. سكر ذائب

واحة الإبداع .. سكر ذائب
واحة الإبداع .. سكر ذائب




كتبها - أحمد فرحات


يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

اللوحات بريشة الفنان أحمد رجب صقر

رحلت سريعًا وهى نادمة.. حمل جسدهُا قلبهَا الصغير إلى خارج منزله.. خذلها هذا الشاب البدين جدًا.. فخَطت خُطواتها تبعدها عنه ويدفعها فشلها فى تجربتها معه للخروج.. وهى تحاول أن تُظهر له أنها تطير إلى غيره سعيدة.. رحلت، وقد أخجل حاجتها الجسدية التى لا تشبع، ولو من كل بنى آدم، كانت تظن أنه من أولئك الأغنياء الذين يملكون كل شىء، ويتبرعون بسلات قماماتهم الممتلئة إلى الآخرين وهم مغترين.. لذلك استخدمتْ كل إمكاناتها للدخول إليه.. جسدها الجميل.. وعقلها المتذاكي.. وبحثت عما تريد اغتصابه داخله جيدًا.. واستغرق بحثها داخل منزله الصغيرعدة أيام.. ولم يكن يدرى بتفتيشها فى حجراته.. لأنها كانت تفعل ذلك فى الخفاء.. وكان لا يراها، ولا يهتم بوجودها معه.. كانت تذكره بأحبائه الذين عرفوه أيامًا، وفتشوا داخله عن السعادة، وسرقوها بعيدًا.. ثم صنعوا معنى عظيمًا للفراق وتركوا له جسرًا من الحزن يصل ما بين عقله وقلبه..هى لا تختلف عنهم كثيرًا.. تعيش من أجل حاجتها الجسدية فقط، تنسى من يحبها وتنسى من تكون؛ حين ترى شيئًا يبهرها، أو يملأ عيونها وفمها..وتقاد بأساورٍ من ذل..لأنها تفعل ذلك من أجل نفسها، نفسها فقط، وهى من أشارت إليها باختلاسه من عنده.. أوهمتها أنها هكذا ستصل إلى ما تريد وسترتاح.. اعتقدتْ أنها يمكنها إغرائه.. فكانت تقف أمامه تحرك أعضاءها شمالاً ويمينًا.. تحرك أرجلها بسرعة وببطء فى الهواء وعيونها تختلس النظر.. تفتش.. وربما ظنت أنه مجنون حين رأته يراقب أقدامها بنظارته التى تكبر الأشياء، وهى تتحرك بين أوراقه.. تحركها رغبتها النهمة فى الحصول عن ذلك الشيء.. وكأن هذا العالم سينتهى إن لم تحصل عليه.. إنه فقط.. كل ما تريد.. هى تحب طعامها مثلما تحب الحياة، تشتاق لرائحة السكر فيذيبها مثلما يذوب.. تريد أن تستولى على حباته المكتملة منه وترحل.. لكنها لا تدرك أن هذا البدين مريض بهذا المذاق الحلو..المذاق الذى فتش السابقون لها عنه داخله، ولا تدرك أنه لا يمتلك فى بيته أكياسًا منه.. فقد ملأ دمه به.. أذابه داخله حتى لا يستطيع أحد سرقته منه؛ لذلك أصبح بدينًا وأوقف إدخاله إلى جسده.. بسبب من هم مثلها.. وأصبح بيته غير صالح لاقتحامها أو لاقتحام أية نملة مثلها تأتى لتحاول أن تسلك طريقًا لها أو لغيرها إلى مكانه فى بيته.. وأذاقها الشاب البدين طعم الفراق عنه بيده.. مد يده وفتح نافذة غرفته بتأني، وجعلها تصعد على ظهر يده بعدما وضع عليه حبة أرز لها، فصعدت عليه مهرولة بأشواق مصطنعة.. ونظرتْ إليه تستعطفه فى منظر شاهده قديمًا مرات ومرات.. نقل الحبة إلى أصبعه فجرت عليه وراءها فأخرج أصبعه خارج النافذة برفق.. وأطلق نحوها زفيرًا شديدًا أخرجها من بيته شبه طائرة وهى تُظهر سعادة مزيفة.. وحملها الهواء إلى نافذةٍ أخرى.. ورحلت عنه فى سلام..
دون أن تؤذيه كالسابقين لها.. من تركوا قرصاتهم على جسده.. كانت تأمل أن تجد بغيتها عنده، وأساء هو ظنها.. لكنها ربما تعثر على ما تريده عند آدميين غيره.. ربما ينطلى عليهم استضعافها.. جيرانه.. المغفلون!!.