الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمود سباق: مستقبل الشعر غامض جدا فى أوطاننا العربية

محمود سباق: مستقبل الشعر غامض جدا فى أوطاننا العربية
محمود سباق: مستقبل الشعر غامض جدا فى أوطاننا العربية




حوار ■ إسلام أنور

محمود سباق شاعر مصرى شاب، صدر ديوانه الأول «كان الوقت تأخر» عام 2010 عن دار المحروسة وعلى مدار الخمس سنوات الماضية أنجز ثلاثة دواوين شعرية جديدة لكنها حتى الآن لم تنشر بعد.
يملك محمود سباق صوتا شعريا مميزا بمفرداته وصوره الشعرية المغايرة حيث الشغف بالطبيعية والخيال ورحلة البحث عن الجمال الذى يكاد يختفى من حياتنا، بالإضافة للتستؤل الدائم عن الهوية والذاكرة والتمرد والحرية. عن رحلته مع الشعر وسبب عدم خروج الدواوين الثلاثة للنور حتى الآن روزاليوسف تحاور الشاعر محمود سباق وإلى نص الحوار.

 ■ سؤال الذاكرة واحد من الأسئلة المركزية فى قصائدك إلى أى مدى يمكن للشعر أن يحفظ ذاكرتنا؟
طالما كنت موزعا بين عالمين مختلفين لا يمكن الجمع بينهما، بين هذين العالمين ولدت لأم شمالية وأب جنوبي. وحفظت عنهما عالميهما . إننى أمشى بذاكرتين ممتلئتين تجتذبنى كل منهما وتحاول أن تستأثر بي. وحينما تحتفظ لنفسك بكل هذه الأشياء فإنها تتمكن منك. لذا شغلنى سؤال الذاكرة منذ البداية. وامتلأت قصائد الديوان الأول «كان الوقت تأخر الصادر عن دار المحروسة 2010» بمحاولات رصد للذاكرة والإفصاح عنها فى معظم الديوان، ولأننى شاعر فكان شغفى المتناهى بالوصول بقصيدتى إلى أن تصبح ذاكرة للعالم. واستطاع الشعر دائما أن يحفظ الذاكرة من الذوبان والتلاشى وأكبر دليل على ذلك أننا لا نستطيع معرفة أحوال العرب الأوائل دون اللجوء للشعر.
■ السفر والرحيل والوحدة والاغتراب لها حضور طاغ فى قصائدك إلى أى مدى تعكس هذه المشاعر واقعنا المعاش خاصة حياة الشباب؟
إننا نعيش فى عالم واسع جدا ويتسع كل يوم بل كل دقيقة، وأعنى باتساع العالم قدرته على احتواء التجربة البشرية التى لا تمل أبدا من المحاولة والتجديد والتكرار فى أحيان كثيرة، إن عالمنا قائم كما قال نيتشة على الصراع وهذا الصراع يفسر حركة العالم من جهة ونشاط الإنسان من جهة أخرى ومن هنا كان السفر والرحيل والاغتراب وستظل قدرا محتما على الشاعر ذلك لأنه يمثل صوت عصره وزمانه ووجدانه الذى يحب ويتألم ويبكى ويضحك إذا جاز التعبير، إننا منذ البداية إما مسافرون إلى غدٍ نوَدُّ لو نمسكه بأيدينا الرقيقة تارة والخشنة كلحاء شجرة عتيقة كتب عليها عاشق ذات مساء اسمَ حبيبته تارة أخرى، أو إلى ماضٍ نحبه ونتوقف كثيرا عنده أو راحلون عن أى شىء أو مغتربون فى عالمنا الذى اخترنا أن نكون أبناءه. لذلك كان هاجس السفر والرحيل والاغتراب مسيطرا على وجدانى ووعي. تجد ذلك فى ديوانى «أبناء القطط السوداء، ومحاولة لاستصلاح العالم» كانا هذين الديوانين انعكاسًا حقيقيا لواقعنا المعاش واقع جيلى والأجيال التى تليه وإننى هنا أريد أن أنبه على أن جيلى وما يليه استطاع أن يمنح الوطن والأجيال السابقة عليه قبلة الحياة، وأنا أسميها قبلة الحرية، لكنهم أبوْا علينا هذه القبلة وتلك الحرية.
■ فى ديوانك « محاولة لاستصلاح العالم»  اهتمام كبير بالطفولة والموروث الشعبى إلى أى مدى نحن أسرى لطفولتنا وما الدور الذى لعبه الموروث الشعبى فى حياتك وهل مازال الموروث الشعبى قادرا على البقاء والصمود رغم حالة التطور الكبير والمتسارع وطغيان التكنولوجيا على كل مناحى حياتنا؟
إننى كمعظم أطفال العالم حينما كنت طفلا كانت الحكايات والحواديت الجنوبية والشمالية تلقى على مسامعى كل ليلة من ليالى الشتاء الطويلة. لقد حفظت عن أمى سيرا وحكايات شعبية شكلت وجدانى وساهمت فى بناء وعيى وإدراكى وإحساسى بالأشياء. أنا شاعر له فردوسه المفقود وهذا الفردوس هو حكايات أمى وبلادُ أبى فى جنوب مصر، وكما قلت فى البداية إننى ابن لعالمين مختلفين منحانى ذاكرتين «ذاكرة البحر وذاكرة النهر» كل منها تختلف عن الأخرى تماما لا يشتركان فى شيء إلا فى كونهما ماء. لقد انتقلت إلى العاصمة ومعى كل ذكرياتى التى كانت والتى لم تكن بعد. حدث لى مثلما يحدث لمعظم الفنانين القادمين من الأقاليم إلى العاصمة صدمة حضارية هزت كيانى وفككته تماما. أنا لم أتعود على الشوارع المزدحمة ولا الضجيج المدوى فى أرجاء المدينة القاسية. فكان أن انكفأت على ذاتى أقلبها وأستفزها وأعيد تشكيلها من جديد. وجاء دور الموروث الشعبى ليحكى لى كيف كانت المدينة وكيف كان أهلها وقد شغلنى ذلك وساعدنى فى ديوان «محاولة لاستصلاح العالم».
 فى ديسمبر عام 2012 وكنت وقتها أقرأ فى ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وسيرة ببنى هلال التى جمعها الشاعر العظيم عبد الرحمن الأبنودي. سيطر على ذهنى موضوع كتابة السيرة الشعبية فى قصيدة فصيحة وذلك لم يكن متوفرا فى الشعر العربى أخذت أفكر طويلا وأتأمل كثيرا إلى أن استقر الأمر بى وهدانى الشعر إلى كتابة ملحمتى «من سيرة الجنوب والشمال» وهى قصيدة طويلة انتهيت من كتابة الجزء الأول منها وهى تحكى قصة عن رجل جنوبى هاجر إلى الشمال بحثا العمل والسعادة والنساء البيض. كل هذا يؤكد مقدرة الأدب الشعبى بكل أشكاله على البقاء والصمود والتأثير فى الأجيال القادمة، ويكفى أن تسمع لمطربيين شعبيين جنوبيين أمثال رشاد عبد العال وابنه ياسر رشاد وأحمد أبو الرين ومحمد العجوز وجابر الإسناوى.، لترى المقدرة الجبارة للموروث الشعبى وإننى مدين لهؤلاء المطربين العظام بالشكر والعرفان على ما منحونى إياه لاستكمال  من سيرة الجنوب والشمال.
 ■ واحد من أبرز الأسئلة المطروحة منذ ثورة يناير مرتبط بغياب القصائد والشعراء الذين يعبرون عن الثورة كيف ترى علاقة الشعر بالثورة؟
لا أستطيع أن أتفق مع تلك المقولة التى تؤكد غياب الشعر والشاعر فى التعبير عن الثورة . إنك لو أمعنت النظر ستجد أن الشاعر دائما ما كان يحلم بالثورة ويدعو إليها حتى ولو من وراء حجاب. إن قصائد سابقة على الثورة لشعراء مثل «نبيل قاسم العزف خارج المقامات، إيهاب البشبيشى يحدث أنْ وأحمد بخيت وعماد أبو صالح ومدحت منير وعبد الرحمن مقلد..» ـوهم شعراء يمثلون تيارات مختلفةـ تجيب على موقف الشاعر من الثورة قبل 25 يناير.
وعن علاقة الشعر بالثورة أقول لك عن تجربة شخصية وواقعية: استطاع الشعر أن يستوعب الثورة ويرتقى بها ولها وإنى لأفاجئك وأقول لك: إننى بعد 25 يناير بيومين كتبت قصيدة تفعيلة اسمها «محاولة» كان محركها هو الثورة ثم توقفت لعدة أشهر وإذا بى أتحول تحولا جزريا وأكتب قصائد نثر وهذا لم يكن مخططا منى بل كان تلقائيا بفعل الثورة إن قصائد ديوان «أبناء القطط السوداء» كانت بنت ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث.
 ■ فى ظل خطاب نقدى يتم ترويجه عن كون الرواية صارت ديوان العرب الجديد كيف ترى هذه القضية وهل تراجع الشعر لصالح الرواية وكيف ترى مستقبل الشعر فى هذه الحفاوة المفرطة بفن الرواية؟
لا يمكن بحال من الأحوال أن يقوم نوع فنى مقام نوع آخر لذلك لا يمكن للراوية أن تحل محل الشعر، هذا بمنتهى البساطة. وتبقى التعقيدات والتفاصيل هى محل النقاش. لقد غاب الناقد عن النص منذ حاول الخطاب النقدى أن يكون نصا موازيا للنص محل النقد والدراسة ومن هنا بدأت حالة التراجع والهذيان. إن هذه المقولة التى ألقى بها الدكتور جابر عصفور فى البحر الراكد أغضبت الشاعر وأبهجت الروائى. هذه مغالطة كبيرة ومقصودة لأنه كما قلت لك لا يحل نوع أدبى محل نوع آخر مهما كان الواقع ومهما انزوى الشعر والشاعر. إن مستقبل الشعر غامض جدا فى أوطاننا العربية، إنك تجد كل فريق منغلق على ذاته فالعموديون لايرون الشعر إلا فى الشكل العمودى والنثريون لا يرون الشعر إلا فى قصيدة النثر وتقف التجربة التفعيلية على مسافة بينهما تحاول أن تجمع شتات الشعر والشاعر بين هذين الشكلين وتصالح بينهما. وقد حاولت ذلك جاهدا   ـفى بعض قصائد أبناء القطط السوداءـ أن أمزج بين النفس التفعيلى والنفس النثرى فكانت قصائد مثل «غزالات مولعة بالركض، العالم فى غرفة، رسالة إلى أبى العالم، فى انتظارك» وأيضا قصائد مثل «محاولة وتساؤلات، وتداعٍ التى كتبت فى ديسمبر 2010 فى ديوان محاولة لاستصلاح العالم» ستجد فى هذه القصائد صوت الموسيقى لكن لن تجد صدى لآلة موسيقية، ستجد لغة تكاد ترقص بينما هى فى الأصل غاضبة وصارخة. لذلك سيكون الشعر دائما ـ على الأقل بالنسبة لى  هو ديوان العالم وليس فقط ديوان العرب ذلك لأنه قادر على حفظ الذاكرة من الذوبان كما قلت سابقا.
 رغم إتمامك لديوانين جديدين لكنهما لم يصدرا حتى الآن ما سبب هذا التأخير وإلى أى مدى هناك أزمة فى تعامل المؤسسات الحكومية ودور النشر الخاصة مع الدواوين الشعرية بحكم تجربتك
ـ لقد انتهيت من ديوانين «محاولة لاستصلاح العالم وأبناء القطط السوداء» وأعمل الآن على كتابة ديوان ثالث أختم به هذه المرحلة وهو ديوان «وداعا أيها الشعر»، وقد قدمت أحد الديوانين إلى هيئة قصور الثقافة وإلى الآن لم يردَّ عليَّ أحدٌ منهم بشيء ولا أعرف لماذا. والحقيقة أننى أعرف السبب وهو أن المؤسسة الحكومية قائمة على الشللية والمصالح المتبادلة. والدور الخاصة لا تحبذ نشر الشعر لأنها لا تستطيع جنى المال من ورائه. وفى النهاية لا يمكننى إلا أن أقول مع عبد الرحمن الأبنودى: «إن المال العربى ينمو خارج حيز الضمير العربى، مال هذا العصر يأتى من حرام وينمو فى الحرام ويحرسه أولاد الحرام» وهنا يكمن سبب تأخرى أنا وغيرى من الشعراء فى النشر إلى الآن، ورغم ذلك يبقى الشعر صوت العصافير الشاردة صباح مساء فى حديقة العالم الخضراء التى كلما احترقت أعاد الشاعر بناءها، زراعتها وحراستها.