الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الرجل الشجاع وسيادة العقل!

الرجل الشجاع وسيادة العقل!
الرجل الشجاع وسيادة العقل!




رشاد كامل يكتب

الكلمات الصادقة لا تموت ولا تصبح مجرد دخان فى الهواء! والآراء الصادقة التى كتبها أصحابها بحبر المحبة للوطن والصدق مع الشعب تعيش إلى الأبد ولا تعرف النسيان أو التجاهل!
وربما كانت آراء الكلمات ومقالات الأمس البعيد أكثر نجاحا وصدقا فى تناول أمور لا تزال تشغلنا وتلهينا حتى الآن!
ولعل الزيطة والزمبليطة والهرج والمرج الذى رأيناه جميعا من بعض نواب الأمة هو الذى جعلنى أتذكر بعض آراء عميد الأدب العربى د. طه حسين والتى كتبها قبل 64 عاما على صفحات الأهرام فى ديسمبر عام 1952 بعد شهور قليلة من قيام الثورة.
كانت مناسبة سطور د. طه حسين وقتها كثرة الكلام والتغنى بحب الوطن والثورة وامتلأت الصحف أيامها بمقالات وكتابات تهاجم الماضى وتتغنى بالحاضر بالكلام والعبارات.. وفقط.
كتب د. طه حسين يقول: أريد أن تحيا ثورتنا وأن تثور حياتنا وألا نحقق شيئا حتى ندفع إلى تحقيق أكثر وألا نبلغ غاية حتى ندفع إلى غاية أبعد منها، وألا نريح ولا نستريح حتى نعوض ما فاتنا فيما مضى من الدهر الطويل، أريد هذا كله وأعرف السبيل إلى هذا كله، لأنها ليست غامضة ولا ملتوية ولا بعيدة المنال، وإنما هى واضحة مستقيمة قريبة يكفى أن نقصد إليها محبين لها مؤمنين بها لنندفع فيها إلى تحقيق ما نريد، وهذه السبيل هى تحقيق التجاوب بين الثورة والشعب.
التجاوب بالعمل لا بالقول وحده، التجاوب الذى يقتضى أن تستقر الثورة فى كل ضمير، وأن تضطرم جذوتها فى كل قلب وأن تعمل لتحقيق أغراضها كل يد، ويفكر فى تدبير أمرها كل عقل ويدعو إلى بلوغها كل إنسان.
العمل ولا شىء غير العمل هكذا يؤكد ويطالب العميد قارئه، ولم تتوقف بصيرة د. طه حسين عند هذا الحد، فيواصل كلماته وكأنه يوجهها لنا نحن أبناء هذه الأيام فيقول:
«ما أكثر ما تمنيت على الله عزوجل أن يعلمنى ويعلم المواطنين نسيان نفسنا حين يجد الجد ويتعقد الأمر وتكثر المشكلات، وحين تتصل أعمالنا وأقوالنا بالمصلحة العامة، فنسيان النفس فى هذه المواطن هو أقوم سبيل إلى الإخلاص فى القول والعمل، والتجرد من الأهواء والأغراض، وإيثار الوطن وآماله على منافعنا ومآربنا.
والرجل الشجاع حقا هو الذى يستطيع أن يقهر نفسه قبل أن يحاول أن يقهر غيره، وهو الذى يستطيع أن يضبط نفسه فى مواطن الرضا والغضب، فلا يسرف ولا يغلو، ولا يجنى ولا يتجنى، ولا يُرهق الناس من أمرهم عسرا، ولا يؤذيهم فى ذات أنفسهم بما يكره أن يؤذوه به فى ذات نفسه!».
وكأن معاناة الوطن واحدة سواء أمس أو اليوم ولهذا يقول العميد:
وإذا أقبل الوطن على مثل ما يقبل عليه فى هذه الأيام!! من الأمور العظام والأحداث الجسام والإصلاح الذى يريد أن يكون شاملا كاملا مستقصيا لكل شىء مُحتاطا لكل طارئ، كان المصرى الصادق فى مصريته خليقا أن ينسى نفسه ومنافعه وأهواءه، وأن يخلص قلبه وعقله لخدمة مصر والنصح لها فى كل ما تستقبل من الإصلاح».
انتهى ما كتبه د. طه حسين «إنه لا يطلب المستحيل إن الرجل ببساطة يريد من كل مصرى ببساطة أن يضع المصلحة العامة فوق مصلحته الشخصية، وأن يضع مصلحة الأمة فوق مصلحة الحارة أو الدايرة التى يمثلها سيادة «النايب» الذى يخشى أصوات الذين انتخبوه ولا يخشى مصلحة أمته».
إن د. طه حسين نفسه هو الذى كتب ذات يوم محذرا:
إن الطغيان ألوان، وأقسى ألوان الطغيان هو طغيان الجماهير!
وهذا هو بالضبط ما تفعله النخبة والنخبجية مع الجماهير ودغدغة مشاعرها وعواطفها بشعارات وكلمات وعبارات لا معنى لها.
ولعل «عبارة طه حسين السابقة - طغيان الجماهير» تتجلى أكثر ما تتجلى وتبرز فى ميدان كرة القدم، هذا الطغيان الذى يحاكم اللعبة واللعيبة وينتقد أحكام قضاة الملاعب - الحكام - ويتدخل فى تشكيل الفريق، بل واختيار المدرب، وهو الذى يفرض طريقة اللعب ويرى أن اللعب برأس حربة واحد أفضل من اثنين رءوس حربة..والنتيجة بعد ذلك صفر كروى كبير!
الجماهير على عينى ورأسى، لكن سيادة العقل والمنطق والخبرة والكفاءة قبل الجماهير!