السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد 80 عاما على رحيله .. ماذا تبقى من «شاعر الأمير» الذى أصبح «أمير الشعراء»




 
 
 
 
اقتربت الذكرى المائة وأربع وأربعون لميلاد أمير الشعراء أحمد شوقي، والذكرى الثمانون لوفاته (16 أكتوبر 1868 – 14أكتوبر 1932)، الذى تميز بنبوغ واضح فى طفولته، أعفاه من المصروفات المدرسية مكافأة له، وقرأ وحفظ دواوين فطاحل الشعراء العرب وجرى الشعر على لسانه فى سنواته الأولى، الأمر الذى لفت إليه نظر أستاذه محمد البسيونى بقسم الترجمة بكلية الحقوق، ورأى فيه مشروعًا لشاعر مهم عام 1885 وكان وقتها فى الخامسة عشرة من عمره، وحسمت منطلقاته الفكرية فيما بعد حين سافر إلى فرنسا على نفقة الخديوى توفيق، حيث كون مع زملائه بالبعثة جمعية "التقدم المصري" كأحد أشكال العمل الوطنى ضد الاحتلال الإنجليزى.
 
 
الكثيرون ظنوا أن شوقى تأثر بالثقافة الفرنسية أو كان مولعا بها لكن الواقع أن تأثره كان محدودا بها ولم ينبهر بشعرائها الرمزيين والحداثيين أمثال رامبو وبودلير وفيرلين الصاعدين فى ذاك الوقت، بل ظل متعلقا بالثقافة العربيا ومولعا بالمتنبى، لذا كان شعر شوقى أثناء فترة دراسته بفرنسا وبعد عودته إلى مصر يتسم بمديح الخديوى عباس، الذى كانت سلطته مهددة من قبل الإنجليز، وهو ما أدى إلى نفى الإنجليز له إلى إسبانيا عام 1915، وهناك اطلع شوقى على الأدب العربى والحضارة الأندلسية، بالإضافة إلى اتقانه عدة لغات، والاطلاع على الآداب الأوروبية، وكان فى هذه الفترة مطلعا على الأوضاع التى تجرى فى مصر فأصبح يشارك فى الشعر من خلال اهتمامه بالتحركات الشعبية والوطنية الساعية للتحرير عن بعد، وما يبث شعره من مشاعر الحزن على نفيه من مصر، ومن هنا نجد توجها آخر فى شعر أحمد شوقى بعيدا عن المدح الذى التزم به قبل النفي، عاد شوقى إلى مصر سنة 1920 وفى عام 1927 بايعه شعراء العرب كافة أميرا للشعر فى المؤتمر الذى وقف فيه حافظ إبراهيم يقول:

 
أمير القوافى قد أتيت مبايعا وهذا وفود الشرق قد بايعت معي
 
 
وبعد تلك الفترة نجد تفرغ شوقى للمسرح الشعري، ليصبح الرائد الأول فى هذا المجال عربيا، وترك وراءه مسرحياته الشعرية التى كتبها فى إطار تاريخى مثل: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز" و"مجنون ليلى" و"على بك الكبير".

 
سنوات عديدة مضت، ومياه كثيرة مرت بالنهر، وتطرح "روزاليوسف" تساؤلا على عدد من الشعراء والنقاد: ماذا بقى من شوقى فى ذكرى وفاته وميلاده؟

 
يصف الدكتور محمد عبدالمطلب الحديث عن شوقى بأنه الحديث عن الشعر المصرى ومكانته بالمجتمع العربي، وردا على مقولة "زمن الرواية"، أردف: أهمية شوقى أنه لم يقدم الشعر العربى كما نعرفه، بل إن حياته فى باريس لعدة سنوات جعلته يضيف إلى الشعر العربى أجناسا ليست فيه على الإطلاق، فى مقدمتها الشعر المسرحى وشعر الأطفال والشعر الغنائى الذى يعبر عن الذات، والحقيقة أن شوقى مر فى شعره بمرحلتين الأولى أسماها "شاعر الأمير" والثانية أسماها المثقفون العرب "أمير الشعراء"، استطاع شوقى فى شعره أن يكون ذاكرة حية لتحولات مصر والعالم العربي، وعندما نقرأ قصيدة "دمشق" مثلا سنشعر أنه يكتب عنها اليوم:

 
سلام من صبا بردى أرق  ودمع لا يكفكف يا دمشق
 
ومعذرة اليراعة والقوافى جلال الرزء عن وصف يدق
 
وفيها يقول أيضا:

 
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق

 
وأكمل عبد المطلب: كما أن شوقى هو المبشر الأول بالرومانسية فى الشعر حتى إن مدرسة "أبوللو" اختارته رئيسا لها، والمفاجأة التى لم تكن معروفة من قبل وهى أن جريدة الأهرام عام 1926م كانت أول من أطلق على شوقى لقب "أمير الشعراء" حينما كانت تنشر له قصائده، فالاحتفال بشوقى هو الاحتفال بحياة الشعب، فالشعر سيظل ديوان العرب.

 
تناول د.حسن طلب زاوية أخرى فى شعر شوقى تتناسب مع الوضع الراهن، قائلا: الذى يبقى من أحمد شوقى هو بالضبط ما يبقى من كل فنان عظيم وكل شاعر يعبر عن الإنسانية كلها وعن هموم الإنسان فى الوقت الذى يتحدث فيه عن القضايا التى تشغله فى عصره ويستطيع أن يحررها من لحظتها التاريخية ليجعلها همّا يتجاوز الزمان والمكان، فمثلا عندما يتحدث شوقى عن انتماء الإنسان إلى وطنه..هذا الحديث يظل قادرا على أن يهز الناس ويبعث فيهم هذا الشعور بالانتماء الرائع والجميل إلى الوطن، فنحن نحتاج اليوم إلى شوقى أكثر من أى وقت مضى، فشوقى حين يقول:

 
وطنى لو شُغِلْتُ بالخُلْدِ عنه  نازعتنى إليه فى الخلد نفسى.
 
 
وكأنه يرد على من يريدون طمس هوية مصر الآن، ويريدون استبدال الدين بالهوية رغم أن الدين والوطنية لا يتعارضان!...فالدين أكبر من كل انتماء، والانتماء يكون للوطن، مثل ما قاله شوقى فى القصيدة الشهيرة "بأبى وروحي" التى غنتها أم كلثوم:

 
وجه الكنانة ليس يُغْضِب ربّكم أن تجعلوه كوجهه معبودا
 
 
هنا جعل للوطن قداسة كقداسة العمل وليس ندية مع الله عز وجل، هذا الفهم العميق لروح الدين هو ما ينقصنا الآن، فنحن نفهم الدين الآن على أنه الجلباب واللحية وزبيبة الصلاة وقمع المرأة وغيرها، وهذا هو أهم ما بقى من شوقى فى فهم الدين والوطن والإيمان، ففى قصيدة "ولد الهدى" التى غنتها أيضا أم كلثوم تكلم عن التوحيد قائلا:
بُنيت على التوحيد وهو حقيقة  نادى بها سقراط والقدماء
ومشى على وجه الزمان بهديها كُهّانَ وادى النيل والعرفاء

 
فشوقى فهم معنى "التوحيد" الذى نادى به إخناتون وسقراط وأتى الإسلام ليؤكدها، أيضا نحتاج للغة شوقى وموسيقاه الرائعة التى يخرج بها قصائده، فشوقى لم يعارض شاعرا إلا وتفوق عليه مثلما حدث فى معارضته للبوصيري، فشوقى لم يستهتر يوما بالشعر وهو ما نفتقده اليوم.

 
وعند السؤال عن الاحتفالات التى ستقام لذكرى ميلاد ووفاة شوقي، أكد الشاعر ماجد يوسف مقرر لجنة الشعر بالأعلى للثقافة أنه تقدم بطلب لوزارة الثقافة لإقامة احتفال كبير يليق بذكرى أمير الشعراء، لكن نظرا للتعثر المالى بالوزارة، وتزامن الاحتفالية مع إقامة مؤتمر الشعر المصرى بنوفمبر المقبل، كذلك عقد المؤتمر الدولى للشعر الذى يقام كل عامين فى مارس المقبل، تم تخفيض الاحتفاليات الشهرية التى تقيمها اللجنة من أربعة احتفاليات إلى اثنتين فقط توفيرا للميزانية.

 
يذكر أن "كرمة ابن هانىء" قد أقامت احتفالا بذكرى شوقى الخميس الماضى بمشاركة الشاعر أحمد عنتر وكتابه "شوقيات الغناء" إضافة لعرض فيلم تسجيلى عن حياة شوقى وتخلل الاحتفال عزف على العود وغناء للفنان أشرف على من قصائد شوقى.
"