السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وجهان للقانون

وجهان للقانون
وجهان للقانون




عاطف بشاي  يكتب:

أخيرا انتصرت دولة الموظفين البيروقراطيين فى معركتها الضروس ممثلة فى مجلس النواب ضد الحكومة وتم إلغاء قانون الخدمة المدنية بأغلبية (322) نائبا بنسبة (67%) فى مقابل (150) نائبا والنتيجة الأولية لهذا الإلغاء تتمثل فى تحمل الدولة ما يقرب من (17) مليار جنيه بحسب تقديرات الخبراء.
والحقيقة التراجيوكوميدية أن المتأمل للضجة الأخيرة المثارة حول القانون تكشف لنا أنه يعتبر قانونين وليس قانونا واحدا يتفقان فى المسمى ولكنهما يختلفان اختلافا بينا فى الأهداف والنتائج وكل التفاصيل المرتبطة بهما.
القانون الأول (الفعلي) والذى تم إصداره قبل شهور قليلة من انعقاد مجلس النواب عبر رئيس الجمهورية الذى كان يملك سلطة التشريع فى غيبة البرلمان.. هذا القانون المفترض أنه أتى بنظام جديد فى التعيينات يختلف عن الأنظمة السابقة حيث يضمن الكفاءة والعدالة وعدم التمييز ومدى احتياج الوظيفة الحقيقى للمتقدمين لها دون تضخم معوق.. والتى يتم إقرارها فى شغل الوظائف العامة والاستمرار فيها والترقى فى سلم درجاتها.. ووضعت اللائحة التنفيذية للقانون بحيث يتم تجميع الاحتياجات الوظيفية قطاعيا على مستوى كل وزارة والجهات التابعة.. ومحليا على مستوى كل محافظة ومديريات الخدمات التابعة لها مع تحديد مسميات الوظائف وشروط شغلها.. ويتولى الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة الإعلان عن الوظائف الشاغرة والممولة لاحتياجات كل وحدة دون اعتبار لعلاقات القرابة، أو المحسوبية أو الرشوة فى تولى الوظائف.
القانون إذا بهذه الصيغة يأخذ بمفهوم التنمية البشرية واستحداث مجلس للخدمة المدنية ونظام لتقييم أداء الموظفين، أى أن تمرير القانون - الذى تم إجهاضه بأغلبية مصحوبة بثورة غضب عاتية - يعتبر بحق طوق نجاة للتخلص من الترهل الإدارى داخل مؤسسات الدولة والذى نتج عن العمل بقانون تم وضعه منذ عام (1964) ولم يتم تحديثه منذ (37) عاما، الأمر الذى أثر على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، بينما يتميز قانون الخدمة المدنية - المغضوب عليه - باستغلال قدرات العاملين بالشكل الأمثل تمشيا مع نظم الإدارة الحديثة حيث يحدد الأداء انضباط ودقة تنظيم تحقيقا لأهداف محددة وممارسة شفافة، ساعيا إلى تطويره طبقا لمتطلبات المرحلة والقانون بهذا الشكل ملائم للسياسات التى أعلن الرئيس «عبد الفتاح السيسي» فى حملته الانتخابية والخاصة بإعادة بناء جهاز الدولة المترهل، ورغم وجود مواد فى القانون تثير جدلا فإنه يمكن تعديلها وإعادة صياغتها بأن تكون اللائحة التنفيذية أكثر مرونة حتى تتمكن من محاربة الفساد الضارب بجذوره فى الجهاز الإدارى للدولة.
أما القانون الثانى أو القانون (الضد) أو (الوجه الآخر من القانون الأول أو القانون (المفترض غير الفعلي) أو قانون (إبقاء الحال على ما هو عليه) والذى يمثل بنودا غير معلنة ولكنها تكشف بنفسها من خلال الاستنتاج والاستقراء والاستبطان عن طريق قراءة القانون الأول أو بمعنى أصح قراءة ردود الأفعال الرافضة والغاضبة فإنه يكرس لامتداد وتدعيم ورسوخ البيروقراطية الذميمة بل وتمجيدها ويحفل بالتدنى العام فى الأداء الوظيفى، وانتشار الفساد الإدارى واستقراره والقضاء على أى شبهه أو رغبة فى التطوير بحجة المحافظة على حقوق واستحقاقات.. سبعة ملايين من الموظفين الذين يوقع نصفهم فى دفاتر الحضور والانصراف والزمن بينهما يقضونه على المقاهى والتسكع فى شوارع المعمورة.
يعبر عن ذلك الأستاذ «سليمان جودة» فى مقاله بـ«المصرى اليوم» بما يتفق مع وجهة نظرنا أن قانون الخدمة المدنية كان يهدف إلى إصلاح جهاز الدولة لولا أن مجلس النواب الموقر قد أحبطه واختار أن يكون ضد الإصلاح.
يقول فى ذلك: إن تغيير الإنسان هو نقطة البدء فى أى تغيير حقيقى فى أى بلد ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. أما جان مونيه المفكر الذى قام الاتحاد الأوروبى كله على أفكاره فى الأساس فقد قال إنه ينبغى لتغيير مجرى الأشياء أن ننجح فى تغيير روح الناس.. لكن مجلس نواب (2015) داس فوق كل هذه الأفكار بقدميه.