الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فيلم وثائقى إسرائيلى يؤكد عدم التزام إسرائيل للتحركات العسكرية خلال فترة وقف إطلاق النار




مع اقتراب الاحتفالات المصرية بحرب أكتوبر المجيدة وحسرة الإسرائيليين على تلك الفترة الزمنية لما حملته من أسى ومعنى الهزيمة، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية على موقعها الالكترونى عن تفاصيل جديدة عن فترة من فترات الحرب، تلك الفترة التى تلت قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، وهى فترة مهمة فى التاريخ، لكن الوقائع المذكورة عنها لم تذكر سوى التحركات السياسية والدبلوماسية للقاهرة وتل أبيب بين واشنطن وموسكو والأمم المتحدة، وظلت الأضواء بعيدة عن أرض المعركة التى سالت عليها الدماء، وعن أحوال الجنود الذين خاضوا المعارك من الجانبين.
 

فقد بثت الصحيفة عن موقعها الإلكترونى تقريرا مصورا - فيديو - لشهادات مجموعة من الجنود الإسرائيليين الذين يروون ذكرياتهم عن تلك الأيام الصامتة فى سيناء، الفيديو أظهر محاور يديعوت جالسا مع هؤلاء الجنود القدامى ويشاهدون فيلما تسجيليا قام بتصويره أحد هؤلاء الجنود خلال تلك الفترة، ويقومون بسرد ذكرياتهم، هذا الفيلم التسجيلى من أرشيف هيئة محفوظات الدولة بإسرائيل، وأشار التقرير الإسرائيلى إلى أن تلك الشهادات ليست بالتقليدية والتى تسمح للإسرائيليين أن يروو كيف كان يقضى جنودهم الأوقات خلف خط القناة، والفيلم يؤكد عدم الالتزام الإسرائيلي، حيث يسرد الفيلم مهام إحدى الدوريات الإسرائيلية التى تم استدعاؤها من موقعها على الحدود الأردنية للدفع بها لرصد التحركات المصرية أثناء فترة وقف إطلاق النار.
 

 
هؤلاء الجنود هم طاقم احتياط لدورية إسرائيلية تدعى «الدورية المقدسة» - التى شاركت فى حرب الأيام الستة «النكسة» - والتى تم الدفع بها للأراضى المصرية بعد قرار وقف اطلاق النار بين الجانبين، والتى تم الدفع بها للأراضى المصرية بعد قرار وقف إطلاق النار بين الجانبين، حيث قام الجيش الإسرائيلى بدفع تلك الوحدة للقيام بأعمال استطلاع للقوات المصرية خلال تلك الفترة والحصول على معلومات عن إمداد القوات المصرية بالمؤن والأسلحة. واستعرض التقرير المصور لقطات نادرة ولمحات عن حياة الجنود الإسرائيليين على الضفة الشرقية للقناة وخلف الستار الرملى.
 
وتجمع حول المنضدة عدد من الإسرائيليين كبار السن الذين جلسوا يشاهدون أنفسهم أيام الحرب، وكل منهم يسترجع ذكرياته المؤلمة، وأظهر الفيلم مناظر للضفة الغربية للقناة حيث تمركزت القوات المصرية، والتقت المصور من أعلى الساتر الترابى صورا للنصب التذكارى للجندى المجهول بالإسماعيلية.
 
واستعرض الفيديو فى بدايته تجول الجنود الإسرائيليون وسط حقول المانجو شرق خط القناة، وجاءت مع تلك الصور تعليقات لأحد الجنود الاحتياط ويدعى «حاجى سيتون» فى الدورية المقدسية وهو من قام بتصوير هذا الفيلم الوثائقى، حيث تم استدعاؤه فى أكتوبر 73 للخدمة وكان فى حوزته كاميرا 8 مم جديدة والتى وصور بها عمليات الدورية.
 

 
وتبدأ قصة الدورية المقدسية فى مصر تبدأ مع بدء العمليات القتالية، حيث تم دفع الدورية فى نهاية شهر أكتوبر 1973 لتأمين الحدود، وحتى وقتها كان الجنود الإسرائيليون متمسكون بخط الحدود مع الأردن، تلك الحدود التى ظلت هادئة، وفى نهاية الحرب صدرت أوامر جديدة للدورية بالتحرك جنوبا نحو الحدود المصرية للتواجد فى المنطقة التى كانت القوات الإسرائيلية قد نجحت فى الاستيلاء عليها أثناء عملية فتح الثغرة، مما يؤكد عدم التزام الجانب الإسرائيلى بوقف التحركات العسكرية.
 
وعلى المائدة قال أحد الجنود الاحتياط أن الدورية قد وصلت فى الساعات الأربع والعشرين الأخيرة من المعارك الرهيبة، واسترجع أحد الجنود أنه أثناء تقدمهم لنقطة تمركزهم، قام الجنرال «آرييل شارون» - قائد الفرقة المدرعة - بتوجيه تحذير للدورة بأن عليهم الالتزام بالطريق لأن المعارك سوف تتجدد مرة أخرى.
 
وقال أحدهم: «عندما وصلنا للمنطقة - غرب القناة فى الإسماعيلية - كانت الأوضاع إلى حد ما هادئة ومستقرة، هذا المكان الذى سقط به العديد من الجنود لم يكن من الواضح أين هى حدود منطقة عملنا، فتلك المنطقة التى كانت جديدة بالنسبة لنا، فكان يجب عليك حماية نفسك والحفاظ على الاستعداد». ووجه لهم المحاور سؤالا حول شعورهم فى تلك اللحظات بوصفهم شهودًا على التاريخ، أجابه أحدهم أنه لم يكن لأحد أن يفكر فيما سيحدث.
 
وأظهر الفيلم تصوير لإحدى قواعد إطلاق الصواريخ المصرية والتى تم تحويلها لقاعدة لتلك الدورية الإسرائيلية، وانطلقت منها دوريات استطلاع بالقرب من القناة فى محاولة لاظهار انتصار مفقود لهم بزعم أنهم حققوا انتصارات - ولو نسبية - باسترجاع مواقع مصرية شرق القناة، وأظهر التصوير أن جزءًا من الصواريخ المصرية ظل موجودا فى القاعدة موجه صوب إسرائيل. كذلك أظهر الفيلم أنشطة المراقبة والاستطلاع التى قامت بها الدورية فى المنطقة، حيث قام «حجى» بتصوير برج مراقبة مصرى ليس بالبعيد عن منطقة تمركزهم، وتجددت المزاعم الإسرائيلية بأن إحدى المعارك قد بدأت بسبب أن أحد الجنود قام باطلاق النار على الجندى المصرى الموجود أعلى البرج وأن من قام باطلاق النار عليه هو جندى مصرى.
 
تحركات «الدورية المقدسية» فى أرض سيناء لم تحفها أى مخاطر، بالعكس، فقد تحركت سيارات الجيب الإسرائيلية وسط مناطق خاوية وهادئة، فقد حاول «حجى» بواسطة كاميراته نقل المنظر الذى لاقاه زملاؤه أثناء تحركاتهم وتوغلهم فى الأراضى المصرية بالقرب من القناة، فقد أظهر التصوير ملامح حياة ريفية بسيطة من ترع مياه عذبة وبط وطيور منزلية تسبح بها وأبراج الحمام فوق المنازل المصرية.
 

 
نقلت كاميرة «حجى» صورا للجنود الإسرائيليين وهم يلهون ويلعبون الكرة وسط حقول المانجو، ومن مكان مرتفع استطاع «حجى» أن يلتقط صورا للنصب التذكارى للجندى المجهول بالإسماعيلية، وفى رصد لتحركات الجانب الإسرائيلى العسكرية أثناء فترة الهدنة عرض التقرير جزءًا من تصوير إحدى عمليات الاستطلاع التى قامت بها الدورية الإسرائيلية، حيث استطاعت مجموعة منهم الاقتراب من إحدى الطرق الرئيسية وقام بتصوير مجموعة سيارات عسكرية مصرية، بزعم أنها كانت تحمل امدادات للجنود، مشيرين إنها كانت فى طريقها لحمل تلك الامدادات للجيش الثالث الميدانى.
 
ومن بين ما كشف هذا الفيلم النادر جزءًا من حياة الطرف التى كان يعيشها الجنود فى تلك الفترة، حيث ظهرت صور زوجات بعض الجنود على الجبهة على البحيرات المرة، واستعرضوا كيف كان سلاح المجندات يساعد فى وصولهم، فقد كان الجنود الإسرائيليون يعانون من قلة الانجازات التى يحصلون عليها، كذلك ظهرت صورة قام أحد الجنود بوضعها فى خيمته لفتاة عارية ووضع على وجهها صورة رئيس الحكومة الإسرائيلية «جولدا مائير» للتخفيف عن أنفسهم. كذلك استعرض مشاركة الجنود فى العملية الانتخابية، حيث ظهر خلال الفيلم قيام الجنود بالإدلاء بترشيحاتهم لانتخابات الكينست الإسرائيلى فى دورته الثامنة، حيث كانت هناك لجان انتخابات تجمع أصوات الجنود من جبهة القتال، تلك المقاطع يعود تاريخها للحادى والثلاثين من ديسمبر لعام 1973، تلك الانتخابات التى ارجأت لشهرين بسبب الحرب، حيث مكنت الصناديق المحمولة الجنود من الانتخاب، وقد شارك معظمهم فى تلك الانتخابات، وأسفرت تلك الانتخابات عن فوز «جولدا مائير» للترأس تكتل «المعراخ».
 
كذلك كشف الفيديو عن تحركات جوية فى سماء سيناء وعرض تصويرا من السماء لجبل «عتاقة» فى سيناء المطل على طريق السويس - القاهرة، حيث تمرزت بها الدورية لبعض الوقت لمراقبة هذا المحور المهم، وكشف الفيلم عن لحظات لم يتم تناولها من قبل، حيث ظهر جنود الدورية وهم يجدفون فى أحد الزوارق فى القناة وهم يلهون، حيث كانوا يلقون القنابل اليدوية فى المياه ليقوموا بتجميع الأسماك النافقة لتصبح وجبة الغذاء جاهزة، وأظهر الفيلم أن الجنود الإسرائيليين كانوا يتجولون أمام نقطة المراقبة التابعة للأمم المتحدة فى منظر يحمل بين طياته استفزازا كبير للجنود المصريين على الجبهة الأخرى للقناة والذين التزموا بقرار الأمم المتحدة، حيث اعتادو الإسرائيليون الخروج لمياه القناة للصيد، وقال إحدهم «من كان يصدق أنه منذ شهرين كانت هناك أعمال قتال خطيرة هنا» حيث كانوا يقيمون لأنفسهم حفلات.
 
 
كذلك أظهر الفيلم التحركات الإسرائيلية التى سبقت الانسحاب الإسرائيلى من المناطق القريبة من القناة، حيث ظهر ونش إسرائيلى يقوم برفع دبابة إسرائيلية مدمرة.
 
وفى فبراير 1974 صدرت الأوامر للدورية بالعودة لإسرائيل، ومع صدور الأوامر قام المصور بتصوير وجوه جميع زملائهم وهم يحلقون ذقونهم وهم يتهيأون للعودة لديارهم، واجتمع بهم القائد، ثم قاموا بانزال العلم الإسرائيلى من تلك القاعدة المصرية التى اتخذونها كقاعدة لهم فى لحظات كانت مؤثرة، فقد كان هذا هو اليوم الأخير لهؤلاء الإسرائيليين على الأراضى المصرية، وقام الجنود بإطلاق قنابل الدخان الملونة فى مظاهر احتفالية بعودتهم لبلادهم بعد عدة أشهر فى سيناء دون اجازات.