السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

معارك استنزاف لاسترداد كرامة 5 يونيو




نبدأ الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر الـ39 وأمام أعيننا تاريخ حافل طويل.. فالحروب معارك منها ما نخسرها وأيضًا ما نكسبها فى يونيو 67 هزمنا ولكننا لم نستسلم ورفض الشعب كلمة «هزيمة» وأطلق عليها نكسة مؤقتة.. وتعاهد الجيش بتصحيح الأخطاء والثأر لاسترداد الكرامة فى معارك استمرت ثلاث سنوات.. بعد ذلك كانت هناك هدنة سياسية وعسكرية للاستعداد للمعركة الكبرى وهى حرب تحرير أرض مصر المغتصبة وأعددنا خطة «بدر» وانتصرنا واعترف العالم كله بنصر أكتوبر وعلينا أيضًا أن نعترف بنكسة 67 التى صحح مسارها فى حرب استنزافية طويلة استشهد فيها آلاف المقاتلين المصريين.. والشعوب التى تقوم أخطاءها وتحاسب نفسها بالتأكيد تعيد أمجادها واعترافات أمة بحجم مصر وشعب بقيمة المصريين من عندهم يبدأ التاريخ الذى سنقدمه من خلال انفرادات تنشر لأول «ندوة عسكرية عالمية» بعد حرب أكتوبر عقدت عام 75 بالقاهرة وكيف تسترجع إسرائيل ذكرى أليمة لهم وحوارات مع الجيل الثالث من قادة أكتوبر والذين كانوا برتب «المقدم والرائد» فى حرب 73 فنسمع لشهاداتهم وندون ملاحظاتهم ونسترجع ذكرياتهم لنقدم للأجيال ملحمة جيش مصر.


فى أواخر شهر يونيو 67 ذهب عبد القادر حاتم وزير الاعلام الأسبق إلى اللواء حسن البدرى الذى كان رئيسا لهيئة البحوث العسكرية ثم بعد ذلك مستشارا عسكريا للرئيس جمال عبد الناصر وكانوا وقتذاك فى الإسكندرية وقال حاتم للبدرى أن عبد الناصر يريد منه أن يتولى رئاسة وزارة الحربية ولكن البدرى رفض وقال أن الوزارة من حق اللواء محمد فوزى الذى جمع شتات الجيش بعد النكسة ومن حقه أن يأخذ هذه الفرصة.. وعليه بدأ «فوزى» فى وضع خطة حرب «الاستنزاف» يشاركه كبار قادة الجيش أمثال الشاذلى ومحمد على فهمى والعرابى والجمسى ومحمد صادق وغيرهم كثيرون.
 

 
كانت الجماهير قد خرجت يومى 9 و 10 يونيو لتعلن رفضها للهزيمة كواقع سياسى وتطالب بتطهير الجيش وإعادة تنظيمة مرة أخرى وإعداد خطوط الدفاع الجديدة على الضفة الغربية لقناة السويس.. ومع أن حرب الاستنزاف كانت على أشدها فى عامى 69 و 70 إلا أن الأعمال العسكرية خلال الفترة المتبقية من عام 67 أى بعد النكسة مباشرة اقتصرت على ايقاف النشاط الإسرائيلى للسيطرة على ضفة القناة الشرقية وكانت معركة «رأس العش» الشهيرة التى دارت يوم 8 يوليو بين قوة من جنود الصاعقة المصرية وبين قوة من الدبابات والمشاة الإسرائيلية والتى انتهت بوقف تقدم الإسرائيليين على الضفة الشرقية للقناة لتصنع رأس جسر مصرى استمر قائما حتى اكتوبر 73 وهذه المعركة كانت من أولى ركائز استعادة الثقة لجنودنا والتى قال عنها البعض «بروفة بكرة لحرب أكتوبر» وفى 14 يوليو أطلقت القوات المصرية النيران على القوارب التى أنزلتها اسرائيل لاثبات السيطرة على قناة السويس وقد تم أسر اثنين من جارتها.
 
وعندما ارادت المدمرة الإسرائيلية ايلات دخول المياه الاقليمية قرب بورسعيد اغرقتها زاورق الصواريخ المصرية فى 21 أكتوبر 67 وبذلك أصبح هذا اليوم هو عيد البحرية المصرية وقد رد الإسرائيليون على عملية ايلات الشهيرة بقصف مدفعى شديد على مدينة السويس مركزاً ضرباته على معامل تكرير البترول ومصنع السماد.
 
الرفاعى و39 قتال
 
ومع بداية حرب الاستنزاف تكونت المجموعة «39 قتال» بقيادة الشهيد إبراهيم الرفاعى وبدأت العمل بشكل واسع وعندما قرر رجال المجموعة اطلاق اسم لائق على مجموعتهم كانوا قد اتموا 39 عملية ضد العدو وكان أولى عمليات هذه المجموعة قد بدأت فى نوفمبر 67 بهدف الحصول على عينات من صواريخ جديدة ادخلتها اسرائيل إلى الضفة الشرقية للقناة وعبر «الرفاعى» ومعه ثلاثة رجال من المجموعة ارتدوا ملابس الضفادع البشرية وتسللوا إلى مواقع العدو جنوب البحيرات واستطاعوا قطع اسلاك الصواريخ وفكها من فوق قواعدها وعادوا بعينات من هذه الصواريخ وتكرر خلال عام 68 عمليات للقصف المدفعى من اسرائيل على مدينتى السويس والإسماعيلية وكانت المدفعية المصرية والدبابات ترد على النار بالمثل ضمن حدود عام التصعيد العام للقتال فى المنطقة كلها..
 

 
انسحاب قوات الطوارئ
 
كان يتم وقف اطلاق النار فى كل مرة بعد تدخل مراقبى الهدنة الدوليين والذين كانت قوتهم 3393 جندياً وأرسلت القيادة السياسية المصرية فى مايو 67 رسالة إلى قائدهم «الجنرال ريكى» تطلب منه تجميع قواته فى قطاع غزة واخلاء مواقع فى الكونتلا وشرم الشيخ والصبغة لتتجنب وقوع خسائر بها إذا ما نشب القتال ولكنه رفض الاستجابة نظرا لأنه يتلقى أوامره من السكرتير العام للأمم المتحدة ولذلك أمره «يوتانت» بتجميع قواته وانسحبت قوات الطوارىء الدولية من رأس نصراني إلى شرم الشيخ وحلت محلهم وحدة مظلات مصرية.
 
كان عدد القوات المصرية فى سيناء حوالى 80 ألف جندى مقابل 30 ألف جندى إسرائيلى فى صحراء النقب والمنطقة المواجهة لقطاع غزة فى ذاك الوقت.
 
وفى 26 أكتوبر 68 قبلت القيادة المصرية العام وقف اطلاق النار لاحتفاظها بحق الدفاع الوقائى ضد إسرائيل فى حالة إطلاق النار على المدنيين.
 
وكانت اسرائيل قد بدأت بحالة تعزيز خط الدفاع الأول الذى أقامته بطول القناة وعرف بخط «بارليف» كاستراتيجية ردع لكى تقبل مصر شروطه وقررت القيادة السياسية والعسكرية المصرية بدء تطبيق استراتيجية عسكرية جديدة تتفق مع ظروف توازن القوى القائم وقتذاك وعرف فى بادئ الأمر باسم «استراتيجية الدفاع الوقائى» ثم اكتسبت مع تصاعد العمليات ذات الطابع الهجومى المحدود اسم «حرب الاستنزاف» وقد رأت القيادة المصرية الضغط على العدو بالطريقة التى تجعله يفقد شعوره وعدم السماح به باستخدام عناصر تفوقه العسكرى وذلك باستثمار مزايا التفوق المصرى فى ممارسة حرب المواقع الثابتة مع اعطائها طابعا ايجابيا عن طريق استخدام المدفعية وتوجيه ضربات هجومية محدودة مفاجئة بواسطة عمليات القوات الخاصة.
 
اقتحام «بارليف» عام 69
 
بدأ قصف مركز ومنظم «خط بارليف» فى 8 مارس الساعة السادسة إلا الثلث عند غروب الشمس وبذلك ضمن المصريون عدم تدخل الطائرات الإسرائيلية وقاموا بقصف حوالى عشرة آلاف قذيفة فى يومين متتاليين حتى وصلت القصف إلى 45 ألف قذيفة نتج عنها تدمير 60٪ من تحصينات الخط وقد حاولت إسرائيل إعادة بناء هذه المواقع أو تعزيزها إلا أنها كانت تواجه فى كل مرة بالمدفعية المصرية مما جعل القيادة الإسرائيلية تسحب الجزء الأساسى من قوات خط الدفاع الأمامى إلى مسافة تبلغ نحو 15 كم إلى الخلف حتى لا تكون تحت المرمى المباشر للمدفعية المصرية وتركت على مقربة من ضفة القناة فقط أنذاراً وبعض المواقع الدفاعية الحقيقة التى تعرضت هى الأخرى لهجمات دوريات القتال ومجموعات القوات الخاصة المدعمة بوحدات من المهندسين التى أخذت تعبر القناة وتدعمها نيران المدفعية منذ 19 أبريل عام 69 وبالنسبة لاقتحام خط بارليف فى أكتوبر 73 والتى تعرف باسم عملية «خط بارليف المعدلة» وكان واضع الخطة الفريق سعد الدين الشاذلى.
 
انتقام إسرائيل
 
خلال مرحلة «الاستنزاف» قامت القوات الإسرائيلية بعدة عمليات انتقامية تستهدف تشتيت انتباه وتركيز القوات المصرية على جبهة القناة.. فقامت وحدة بحرية بشن غارة على الجزيرة الخضراء فى مدخل قناة السويس والتى تبعد حوالى 4 كيلو مترات غرب بور توفيق مستخدمة عشرة زوارق فى فجر يوم 20 يوليو 69 وقد قتل وجرح 6 جنود مصريين ومثلهم اسرائيليون ودمر زورقان وكان قد سبق ذلك غارة يوم 30 ابريل 69 بواسطة قوة محمولة بطائرات هليكوبتر وكان هدفها تخريب فى خط كهرباء السد العالى وقناطر نجح حمادى وجسر أدفو.
 
وكانت أخطر الغارات الإسرائيلية التى تمت يوم 26 ديسمبر 69 قرب رأس غارب والتى انتهت بنقل جهاز رادار مصرى لكشف الطيران المنخفض إلى سيناء بواسطة طائرات هليكوبتر ضخمة وفى 22 يناير 70 قامت المظلات الإسرئيلية بهجوم على جزيرة شدوان الواقعة عند مدخل خليج السويس على بعد عشرين كيلو متراً جنوب غرب شرم الشيخ مستخدمه الهيلكوبتر فى النزول ودار قتال عنيف حيث كانت القوات المصرية تتمركز حول الفنار ومحطة الرادار البحرى وحدثت خلالها اشتباكات بالسلاح الأبيض والقنابل اليدوية وقتل فيها 70 جندياً مصرياً وأسر حوالى 60 آخرين وقتل وجرح 50 اسرائيليا فضلا عن اسقاط طائرة ميراج واخرى سكاى هوك واغرق زورق طوربيد مصريون ثم انسحبت القوة الإسرائيلية عن الجزيرة فى المساء.
 

 
«إيلات» ثالث مرة
 
قامت قوة من البحرية بمهاجمة مواقع اسرائيلية بالصواريخ فى منطقة «رأس مطارقة» رأس ملعب «على الساحل الشرقى لخليج السويس حيث هاجم رجال الضفادع البشرية المصرية ميناء «إيلات» ثلاث مرات الأولى فى 8 أكتوبر 69 والثانية 25 يناير 70 والثالثة فى 6 فبراير 70 ونقلت الضفادع البشرية لقرب ميناء إيلات بواسطة هليكوبتر وتم إغراق سفينتين إسرائيليتين سبق اشتراكهما فى عملية «الزعفرانة» وتدمير أرصفة ومنشآت بالميناء وعادت الضفادع المصرية سالمة فى جميع هذه العمليات.
 
منظمة سيناء
 
فى الوقت نفسه كانت هناك تشكيلات فدائية خاصة تعمل بشكل ثابت داخل أرض سيناء المحتلة عرفت باسم «منظمة سيناء العربية» تقوم ببث الألغام على الطرق ونصب الكمائن للقوافل المنعزلة ومهاجمة بعض المراكز القيادية والإدارية بنيران «الهاون» الثقيلة و«الكاتيوشا».
 
وقد كانت مسألة استخدام الطيران على نطاق واسع فى ردع المصريين عن ممارسة حرب الاستنزاف محل نقاش طويل من القيادة العسكرية الإسرائيلية العليا إذ كان «عيزر وايزمن» مدير شعبة العمليات يرى ضرورة استخدام الطيران كقوة أساسية لمواجهة الاستراتيجية المصرية الجديدة لأن إسرائيل ليس لديها رد حقيقى على الضربات التى يقوم بها المصريون.. على حين كان «دايان» وزير الدفاع يرى أن الموقف الذى يجب أن يستعمل فيه سلاح الطيران هو فقط عندما يحاول المصريون عبور القناة أو القيام بأية عملية فدائية أخرى تضغط فيها إسرائيل للتعجيل بضربة للحيلولة دون ذلك ونتيجة لعجز الجيش الإسرائيلى بأساليبه التقليدية وإغاراته على الجناح الجنوبى للجبهة عن إيقاف عمليات حرب استنزاف المصرية التى تساهم فيها المدفعية ووحدات العبور وإغارات القوات الخاصة فى العمق الإسرائيلى.
 
وبعد أن أطلق الجنود المصريون على مدافع العدو التى كانت تضرب بشكل عشوائى «أبو جاموس» لأنها كانت لا تصل إلى أى أهداف.. عند ذلك قررت القيادة الإسرائيلية إدخال الطيران فى المعركة بصورة هجومية مباشرة.
 

 
حائط الصواريخ
 
كان لابد من إيجاد وسائل حديثة كفيلة بمواجهة طائرات العدو وأجهزة الحرب الإلكترونية التى يستخدمها وقدم الاتحاد السوفيتى دعما عسكريا جديدًا لمواجهة هذا الضغط الإسرائيلى - الأمريكى على الجبهة المصرية عقب زيارة عبدالناصر المشهورة إلى موسكو فى 23 يناير 70 فوصلت بطاريات صواريخ «سام 3» الجديدة ومعها أجهزة رادار حديثة وطائرات «ميج 21» متطورة وتمت حماية العمق المصرى كله ابتداء من الإسكندرية وبلطيم والمنصورة شمالا حتى أسوان والسد العالى جنوبا.
 
وفى 13 ابريل وقعت آخر غارات العمق الإسرائيلية وكانت إحداها ضد محطة رادار على مقربة 30 كم من حلوان والأخرى عند بحيرة المنزلة.
 
وبدأت معارك عنيفة طوال شهور ابريل ومايو ويونيو 70 بين الطيران الإسرائيلى والقوات المصرية وكانت غاية هذه المعارك إدخال الصواريخ المتقدمة إلى الجبهة لتخفيف حدة الهجوم والضغط الجوى عليها وبذلت عدة محاولات وتجارب مختلفة فى كيفية إدخال الصواريخ استشهد خلالها مئات من العمال والجنود المصريين الذين كانوا يقومون بهذه المحاولات تحت حماية المدفعية المضادة للطائرات.
 
وقد بلغ معدل الإنفاق اليومى مليون جنيه لمدة أربعين يومًا كاملة من أجل إنهاء هذه المهمة الصعبة التى كانت تتم تحت القصف النهارى والليلى شبه المستمر وأخيرًا وضعت خطة من أجل تثبيت بطاريات الصواريخ فى القطاع الأوسط من الجبهة بعرض 70 كم تقريبًا على أن تدخل فجأة أثناء الليل وتنتشر بصورة مكشوفة دون سواتر مبنية بشكل يجعل كل بطارية فى حماية الأخرى على الجنب والمؤخرة وتحيط بكل منها عشرات المدافع المضادة للطائرات من مختلف الأنواع وحاملى الصواريخ «ستريللا» التى تطلق من الكتف ضد الطائرات المحلقة على ارتفاع منخفض وبسرعة بطيئة وكان إطلاق الصواريخ يتم بدفعات كبيرة فى وقت واحد حتى لا تستطيع الطائرات أن تناور كلها فى الوقت نفسه ودون أن يتم تشغيل الرادارات قبل الإطلاق منعا للتشويش الإليكترونى.
 
وفى صباح 30 يونيو 70 بدأت المعركة وفقا لهذه الخطة حتى 18 يوليو وأسقطت خمس طائرات «فانتوم» التى كانت أقوى المقاتلات فى هذا الوقت وركزت الطائرات الإسرائيلية غاراتها بعد ذلك على شريط ضيق من الأرض بجوار القناة لا يزيد عرضه على 20 كم تقريبًا تجنبًا لبطاريات الصواريخ التى واصلت تقدمها وحطت أسطورة «الفانتوم» التى لا تسقط.. وصار يوم 30 يونيو عيدًا لقوات الدفاع الجوى.
 
وتوقف إطلاق النار أثر ذلك ونتيجة لقبول القيادة السياسية المصرية لمبادرة روجرز وانتهت مرحلة الاستنزاف التى استغرقت الفترة من 8 مارس 69 وحتى 7 أغسطس 70.